استخلاف عليّ











استخلاف عليّ



قال ابن أبي الحديد في شرحه: وأمّا خبر الوزارة، فقد ذکره الطبري في تأريخه، عن عبداللَّه بن عبّاس، عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، قال: «لمّا نزلت هذه الآية «وَأَنذِرْ عَشِيرَتَکَ الْأَقْرَبِينَ»[1] علي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله دعاني، فقال: «يا عليّ، إنّ اللَّه أمرني أن أنذر عشيرتک الأقربين، فضقت بذلک ذرعاً، وعلمت أنّي متي اُنادهم بهذا الأمر أرَ منهم ما أکره، فصمتُ حتّي جائني جبرئيل عليه السلام، فقال: يا محمّد، إنّک إن لم تفعل ما اُمِرتَ به يُعذِّبک ربّک، فاصنع لنا صاعاً من طعام، واجعل عليه رِجل شاةٍ، واملأ لنا عُسّاً من لبن، ثمّ اجمع لي بني عبدالمطّلب حتّي اُکلّمهم، واُبلِّغهم ما اُمرت به. ففعلت ما أمرني به، ثمّ دعوتهم له، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً، يزيدون رجلاً أو ينقصونه، وفيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعبّاس، وأبو لهب، فلمّا اجتمعوا إليه دعا بالطعام الّذي صنعت لهم، فجئت به، فلمّا وضعته تناول رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بضعة من اللحم فشقّها بأسنانه، ثمّ ألقاها في نواحي الصحفة، ثمّ قال: کلوا باسم اللَّه، فأکلوا حتّي ما لهم إلي شي ء من حاجة. أيم اللَّه الّذي نفس عليّ بيده، إن کان الرجل الواحد منهم ليأکل ما قدّمته لجميعهم، ثمّ قال: اسق القوم يا عليّ، فجئتهم بذلک العُسّ فشربوا منه حتّي رووا جميعاً، وأيم اللَّه إن کان الرجل منهم ليشرب مثله، فلمّا أراد رسول اللَّه صلي الله عليه و آله أن يکلّمهم بَدَره أبو لهب إلي الکلام، فقال: لَشدَّ ما سحَرَکم صاحبُکم، فتفرّق القوم ولم يکلّمهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

فقال من الغد: يا عليّ، إنّ هذا الرجل قد سبقني إلي ما سمعت من القول فتفرّق القوم قبل أن اُکلّمهم، فعد لنا اليوم مثل ما صنعت بالأمس، ثمّ اجمعهم لي. ففعلت ثمّ جمعتهم، ثمّ دعاني بالطعام، فقرّبته لهم، ففعل کما فعل بالأمس...، ثمّ تکلّم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله فقال: يا بني عبدالمطّلب، إنّي واللَّه ما أعلم شابّاً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتکم به، إنّي قد جئتکم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللَّه أن أدعوکم إليه، فأيُّکم يوازرني علي هذا الأمر، علي أن يکون أخي ووصيّي وخليفتي فيکم؟ فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت: أنا - وإنّي لأحدَثهم سنّاً وأرمصُهم[2] عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمَشُهم[3] ساقاً -: أنا يا رسول اللَّه أکون وزيرک عليه، فأعاد القول، فأمسکوا وأعدت ما قلت، فأخذ برقبتي، ثمّ قال لهم: هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيکم فاسمعوا له وأطيعوا. فقام القوم يضحکون، ويقولون لأبي طالب: قد أمرک أن تسمع لابنک وتطيع».[4] .







  1. سورة الشعراء: 214.
  2. الرمص في العين کالعمص: کناية عن صغر سنّه.
  3. حمش الساقين: دقيقهما.
  4. شرح ابن أبي الحديد 210:13. وقد ذکرنا شرح الحديث في فصل (عليّ عليه السلام يوم الإنذار) في المجلّد الأوّل، فراجعه.