قوله: «إنّ أكرم الموت القتل...»











قوله: «إنّ أکرم الموت القتل...»



قوله عليه السلام: «إِنَّ أَکْرَمَ الْمَوْتِ الْقَتْلُ! وَالَّذِي نَفْسُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِهِ، لَأَلْفُ ضَرْبَةٍ بِالسَّيْفِ أهْوَنُ عَلَيَّ مِنْ مِيتَةٍ عَلَي الْفِرَاش ِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ!».[1] .

قال ابن أبي الحديد: واعلم أنّ عليّاً عليه السلام أقسم أنّ القتل أهون من حتف الأنف، وذلک علي مقتضي ما منحه اللَّه تعالي من الشجاعة الخارقة لعادة البشر، وهو عليه السلام يحاول أن يحضّ أصحابه ويحرّضهم ليجعل طباعهم مناسبة لطباعه، وإقدامهم علي الحرب مماثلاً لإقدامه، علي عادة الاُمراء في تحريض جندهم وعسکرهم، وهيهات إنّما هو کما قال أبو الطيّب:


يکلّف سيف الدولة الجيش هَمّه
وقد عجزت عنه الجيوش الخضارم[2] .


ويطلب عند النّاس ما عند نفسه
وذلک ما لا تدّعيه الضراغم[3] .


ليست النفوس کلّها من جوهر واحد، و لا الطباع و الامزجة کلها من نوع واحد و هذه خاصية توجد لمن يصطفيه اللَّه تعالي من عباده في الأوقات المتطاولة والدهور المتباعدة، وما اتّصل بنا نحن من بعد الطوفان - فإنّ التواريخ من قبل الطوفان مجهولة عندنا - إنّ أحداً اُعطي من الشجاعة والأقدام ما اُعطيه هذا الرجل (يعني عليّاً عليه السلام) من جميع فِرق العالم علي اختلافها من الترک والفرس والعرب والروم وغيرهم.

والمعلوم من حاله أنّه کان يؤثر الحرب علي السلم (في سبيل اللَّه تعالي)، والموت علي الحياة، والموت الّذي کان يطلبه ويؤثره إنّما هو القتل بالسيف، لا الموت علي الفراش، کما قال الشاعر:


لو لم يمت بين أطراف الرماح إذن
لمات إذ لم يمت من شدّة الحزن


إلي آخر کلامه.[4] .







  1. نهج البلاغة، الخطبة: 133.
  2. الخضارم: جمع الخضرم - بالکسر -: وهو الکبير العظيم.
  3. الضراغم: جمع ضرغام، وهو الأسد.
  4. شرح ابن أبي الحديد 301:7.