كلمة في اشتياق عليّ إلي الشهادة











کلمة في اشتياق عليّ إلي الشهادة



کما أنّ عليّاً عليه السلام کان نموذجاً ومظهراً للکمالات الإنسانيّة والإلهيّة في جميع الفضائل والمناقب، فإنّ حاله في الشوق إلي الشهادة لا يختلف عن بقيّة حالاته، ولذلک نري شوقه المتحرّق إلي الشهادة واضحاً في کلماته، فقد ذکره مرّات ومرّات في کتبه ورسائله، وهذا في الواقع نوع من القيادة العلميّة السامية استعمله لتعليم أصحابه وشيعته التفاني والتلهّف إلي الشهادة في محاربة أعداء اللَّه، ومن جملة تلک الکلمات ما قاله في يوم من أيّام صفّين حين ظنّ بعض جنوده خطأ أنّه يتباطأ في حرب أهل الشام، بل أخطأ البعض حين ظنّ أنّ تأخّر صدور أمر البدء بالقتال ناشئ عن خوف أمير المؤمنين عليه السلام من الموت والقتل، فأجابهم عليه السلام: «أمّا قولکم: أکلّ ذلک کراهية الموت؟ فواللَّه، ما اُبالي دخلت إلي الموت أو خرج الموت إليَّ».[1] .

ويقول عليه السلام قُبيل موته علي سبيل الوصيّة لمّا ضربه ابن ملجم (لعنه اللَّه): «واللَّهِ، ما فَجَأَني مِنَ الْموتِ وَارِدٌ کَرِهْتُهُ، وَلَا طالعٌ انکرتُهُ، وما کُنْتُ إلّا کقارِبٍ وَرَدَ وطالِبٍ وَجَدَ».[2] .

ويکتب عليه السلام حول أمله في نيل الشهادة: «فَوَاللَّهِ، لولا طَمَعي عِنْدَ لِقائي عَدُوّي في الشّهادَةِ، وَتَوْطِيني نَفْسِي عَلي الْمَنِيّةِ لأحْبَبْتُ أنْ لَا أبقي مَعَ هؤلاءِ يوماً واحِداً، ولا ألتقي بِهِمْ أبَداً».[3] .

وفي (اختصاص المفيد رحمه الله): عن ابن دأب، وفي (البحار) عن (سعد السعود) للسيّد ابن طاووس، عن الشعبي، قال: إنّ عليّاً عليه السلام انصرف من اُحد وبه ثمانون جراحة يدخل الفتائل من موضع ويخرج من موضع، فدخل عليه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله عائداً وهو مثل المضغة علي نِطع[4] فلمّا رآه رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بکي فقال له: «إنّ رجلاً يصيبه هذا في اللَّه لحقّ علي اللَّه أن يفعل به ويفعل»، فقال مجيباً له وبکي: «بأبي واُمّي الحمد للَّه الّذي لم يرني ولّيت عنک ولا فررتُ، بأبي واُمّي کيف حُرمتُ الشهادة؟». قال صلي الله عليه و آله: «إنّها من ورائک إن شاء اللَّه».







  1. نهج البلاغة: الخطبة 54.
  2. نهج البلاغة: الکتاب 23.
  3. المصدر المتقدّم: الکتاب 35.
  4. النطع - بالکسر -: بساط من الجلد.