كلمة في جهاد عليّ











کلمة في جهاد عليّ



لا شکّ أنّ قيمة أي عمل إنّما يقوم بإخلاص صاحبه، وظروف الزمان والمکان الّذي وقع فيه، فکلّما کان العمل خالصاً للَّه کان ذا قيمة لا تحدّ، وممّا لا يقبل التردّد فيه أنّ سيف عليّ عليه السلام وجهاده ما کان إلّا في سبيل اللَّه ولأجل تقوية الإسلام ونشر دين الحقّ، ولم يکن لديه أيّ هدف عدا ما ذکرناه، وممّا يجب ملاحظته أنّ جهاد عليّ عليه السلام وقع في وقت کان الإسلام فيه غريباً علي قلّة في العدد والعدّة إلي الحدّ الّذي کان المسلمون يعانون من تهيئة متطلّبات العيش اليوميّة.

في الوقت الّذي کان مشرکو مکّة واليهود والنصاري يسخّرون کلّ ما لديهم من إمکانيات في سبيل تحطيم الإسلام وقتل النبيّ صلي الله عليه و آله... في مثل هذه الظروف تکون للجهاد قيمة خاصّة سامية وعالية، وقد جاهد عليّ عليه السلام في مثل هذه الظروف من أجل تقوية شوکة الإسلام وحفظه وبقائه، کان عليّ عليه السلام حامياً للمسلمين، ذابّاً عنهم، وأينما وُجد عليّ عليه السلام ارتجف منه العدوّ، وانتعش المسلمون.

وإذا قلنا: إنّ الإسلام إنّما استقام بسيف عليّ عليه السلام، ولولا عليّ عليه السلام لم يکن الإسلام، بل لم يکن ثمّة اسم للقرآن أو التوحيد، لم نکن مبالغين أو مجانبين للحقّ، ولعلّ النماذج الحيّة لجهاد أمير المؤمنين عليه السلام بين يدي الرسول صلي الله عليه و آله خير شواهد علي ما نقول، وبحثنا ذلک في فصول من الکتاب[1] وسنشير هنا بشکل إجمالي إلي بعضها.

ففي غزوة بدر، وعلي الرغم من أنّه عليه السلام لم يتجاوز العشرين من العمر فقد قتل ثلاثين من المشرکين، وبذلک نفخ في الإسلام روحاً جديدة، وفي هذه الحرب قويت شوکة الإسلام، واُلقي الرعب في قلوب المشرکين.

أمّا غزوة اُحد، فقد فرّ المسلمون ولم يبق مع الرسول إلّا أربعة: عليّ عليه السلام، والزبير، وطلحة، وأبو دجانة[2] وفي نظرنا أنّه لم يبق معه صلي الله عليه و آله إلّا عليّ عليه السلام يدافع ويذبّ عنه بذي الفقار لکسر سيف البغي، وحفظ حياة الرسول الأکرم صلي الله عليه و آله، ومن ثمّ عاد المسلمون رويداً رويداً، وهناک نادي منادٍ من السماء:

لا سيف إلّا ذو الفقار ولا فتي إلّا عليّ

وقال صلي الله عليه و آله لعليّ عليه السلام: «يا أبا الحسن، لو وضع إيمان الخلائق وأعمالهم في کفّة، ووضع عملک يوم اُحد علي کفّة اُخري، لرجح عملک علي جميع الخلائق، وإنّ اللَّه تعالي باهي بک يوم اُحد ملائکته المقرّبين، ورفع الحجب من السموات السبع، وأشرفت إليک الجنّة وما فيها، وابتهج بفعلک ربّ العالمين، وأنّ اللَّه تعالي يعوّضک ذلک اليوم ما يغبط کلّ نبيٍّ ورسولٍ وصدّيقٍ وشهيدٍ».[3] .

وفي غزوة الخندق طلب رأس الشرک عمرو بن عبد ودّ المبارزة ثلاث مرّات، فلم يبرز إليه أحد، وکان عليّ عليه السلام السبّاق إلي الميدان ليرسل ابن عبد ودّ إلي قعر جهنّم، وقال رسول اللَّه صلي الله عليه و آله يوم برز عليّ عليه السلام في الخندق: «برز الإيمانکلّه إلي الشرک کلّه».[4] .

وفي حنين فرّ المسلمون کلّهم إلّا تسعة رهط من أهله، وکان عليّ عليه السلام بين يديه مصلتاً سيفه، وهکذا کان عليّ عليه السلام يسجّل حضوراً دائماً حيثما کان الجهاد في طريق الإسلام وزلزلة مواقع الکفر والشرک، وقتل صناديدهم، فکان مصداق الآية: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً کَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ»[5] وهو عليه السلام أحبّ المسلمين إلي اللَّه تعالي؛ لأنّه أثبتهم قدماً في الصفّ المرصوص.

قال الشيخ المفيد رحمه الله في ثمرة جهاده: فأمّا الجهاد الّذي ثبتت به قواعد الإسلام، واستقرت بثبوتها شرائع الملّة والأحکام، فقد تخصّص منه أمير المؤمنين عليه السلام بما اشتهر ذکره في الأنام، واستفاض الخبرُ به بين الخاصّ والعامّ، ولم يختلف فيه العلماء ولا تنازع في صحّته الفهماء، ولا شکّ فيه إلّا غُفلٌ لم يتأمّل الأخبار، ولا دفعه أحدٌ ممّن نظر في الآثار إلّا معاند بهّات لا يستحيي من العار.[6] .

وقال الشارح المعتزلي وقد علمنا ضرورة من دين الرسول صلي الله عليه و آله تعظيمه لعليّ عليه السلام تعظيماً دينيّاً لأجل جهاده ونصرته، فالطاعن فيه طاعن في رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، الحديث.[7] .







  1. راجع فصول حروبه عليه السلام.
  2. شرح ابن أبي الحديد 293:13.
  3. ينابيع المودّة: 64.
  4. شرح ابن أبي الحديد 285:13.
  5. سورة الصفّ: 4.
  6. إرشاد المفيد 67:1.
  7. شرح ابن أبي الحديد 285:13.