هجرته إلي المدينة ولحاقه برسول اللَّه











هجرته إلي المدينة ولحاقه برسول اللَّه



اتّفق المؤرّخون وأجمعوا علي أنّ عليّاً عليه السلام هو أوّل من التحق بالرسول وهو صلي الله عليه و آله في المدينة، وذلک بعد ردّ الودائع والأمانات إلي أهلها، ثمّ عزم علي الخروج من مکّة إلي المدينة، ونومه عليه السلام علي فراش الرسول لحفظ نفس الرسول صلي الله عليه و آله، اُولي من هجرة أبي بکر معه قطعاً.

عن (المناقب): روي أبو الفضل الشيباني بإسناده عن مجاهد، قال: فخرت عائشة بأبيها ومکانه مع رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في الغار، فقال عبداللَّه بن شدّاد بن الهاد: فأين أنت من عليّ بن أبي طالب حيث نام في مکانه وهو يري أنّه يقتل، فسکتت ولم تحر جواباً؟ وشتّان بين قوله: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ»[1] وبين قوله: «لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا»[2] وکان النبيّ صلي الله عليه و آله معه يقوّي قلبه، ولم يکن مع عليّ عليه السلام، وهو لم يصبه وجع وعليّ يرمي بالحجارة، وهو مختف في الغار وعليّ ظاهر للکفّار، ثمّ قال: واستخلفه الرسول صلي الله عليه و آله لردّ الودائع؛ لأنّه کان أميناً، فلمّا أدّي الأمانة، قام علي الکعبة فنادي بصوت رفيع: «يا أيّها الناس، هل من صاحب أمانة؟ هل من صاحب وصيّة؟ هل من صاحب عِدة له قِبَل رسول اللَّه صلي الله عليه و آله؟»، فلمّا لم يأت أحد لحق بالنبيّ صلي الله عليه و آله، وکان في ذلک دلالة علي خلافته وأمانته وشجاعته، وحمل نساء الرسول خلفه بعد ثلاثة أيّام وفيهنّ عائشة، فله المنّة علي أبي بکر بحفظ ولده - أي عائشة -؟! ولعليّ عليه السلام المنّة عليه في هجرته، وعليّ عليه السلام ذو الهجرتين، والشجاع البائت بين أربعمائة سيف، وإنّما أباته علي فراشه ثقة بنجدته[3] فکانوا محدقين به إلي طلوع الفجر ليقتلوه ظاهراً، فيذهب دمه بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل.[4] .

وفيه أيضاً: لمّا ورد النبيّ صلي الله عليه و آله المدينة، نزل في بني عمرو بن عوف بقبا ترصّداً لعليّ عليه السلام، وکتب إليه يأمره المسير إليه علي يدي أبي واقد الليثي، فتهيّأ للهجرة، وأمر ضعفاء المؤمنين أن يتسلّلوا ويتخفّفوا إذا ملأ الليل بطن کلّ واد. وخرج عليّ عليه السلام إلي ذي طوي بالفواطم[5] وأيمن بن اُمّ أيمن مولاة رسول اللَّه صلي الله عليه و آله وغير ذلک، وأبو واقد يسوق الرواحل فأعنف بهم فقال: «ارفق بالنسوة أبا واقد، إنّهنّ من الضعائف».

قال: إنّي أخاف أن يدرکنا الطلب، فقال: أربع عليک[6] إنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال لي: يا عليّ، إنّهم لن يصلوا من الآن إليک بأمر تکرهه»، ثمّ جعل عليّ عليه السلام يسوق بهنّ سوقاً رفيقاً ويرتجز:


وليس إلّا اللَّه فارفع ظنّکا
يکفيک ربّ النّاس ما أهمّکا


فلمّا شارف ضجنان[7] أدرکه الطلب بثمانية فوارس، فأنزل النسوة واستقبلهم منتضياً[8] فأقبلوا عليه، فقالوا: أظننت - يا غدّار - أنّک ناج بالنسوة؟ ارجع لا أباً لک، فقال: «فإن لم أفعل أترجعون راغمين»، ودنوا من النسوة، فحال عليّ عليه السلام بينهم وبينها وقتل جناحاً، وکان يشدّ علي قومه شدّ الأسد علي فريسته، وهو يقول:


خلّوا سبيل الجاهد المجاهد
آليت لا أعبد غير الواحد


فانتشروا عنه، فسار ظاهراً قاهراً حتّي نزل ضجنان، فتلوّم[9] بها قدر يومه وليلته، ويروي أنّه لحق به نفر من المستضعفين، فصلّي ليلته تلک هو والفواطم يذکرون اللَّه قياماً وقعوداً وعلي جنوبهم، حتّي طلع الفجر فصلّي بهم صلاة الفجر، ثمّ سار لوجهه حتّي قدم المدينة، وقد نزل الوحي بما کان من شأنهم قبل قدومهم: «الَّذِينَ يَذْکُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً» إلي قوله: «لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْکُم مِن ذَکَرٍ أَوْ أُنْثَي»، فالذَّکر عليّ عليه السلام، والاُنثي فاطمة عليهاالسلام، «بَعْضُکُم مِن بَعْضٍ» يقول: عليّ من الفواطم، وهنّ من عليّ، «فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ» إلي قوله: «حُسْنُ الثَّوَابِ».[10] .

وتلا رسول اللَّه صلي الله عليه و آله: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» الآية[11] ثمّ قال: «يا عليّ، أنت أوّل هذه الاُمّة إيماناً باللَّه ورسوله، وأوّلهم هجرة إلي اللَّه ورسوله، وآخرهم عهداً برسوله، لا يحبّک - والّذي نفسي بيده - إلّا مؤمن قد امتحن اللَّه قلبه بالإيمان، ولا يبغضک إلّا منافق أو کافر».[12] .

وفي (البحار): عن الزهري في حديث، قال: إنّ رسول اللَّه صلي الله عليه و آله حين أقبل إلي المدينة وقدم إلي قبا ونزل بهم ينتظر قدوم عليّ عليه السلام، فجاء أبو بکر من المدينة[13] فقال: يا رسول اللَّه، تدخل المدينة فإنّ القوم متشوّقون إلي نزولک عليهم، فقال صلي الله عليه و آله: «لا اُريم من هذا المکان حتّي يوافي أخي عليّ».

وکان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله قد بعث إليه أن احمل العيال وأقدم، فقال أبو بکر: ما أحسب عليّاً يوافي، قال صلي الله عليه و آله: «بلي، ما أسرعه إن شاء اللَّه». فبقي خمسة عشر يوماً، فوافي عليّ عليه السلام بعياله، إلي أن قال: وبقي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بعد قدوم عليّ عليه السلام يوماً أو يومين، ثمّ رکب راحلته، إلي آخره.[14] .

وعن (امتاع الأسماع): وقدم عليّ عليه السلام من مکّة للنصف من ربيع الأوّل ورسول اللَّه صلي الله عليه و آله بقبا ولم يرم بعد، وقدم معه صهيب، وذلک بعد ما أدّي عليّ عليه السلام عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله الودائع الّتي کانت عنده، وبعد ما کان يسير الليل ويکمن النهار حتّي تقطّرت قدماه، فاعتنقه النبيّ صلي الله عليه و آله وبکي رحمة لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه وأمرّهما علي قدميه، فلم يشتکهما بعد ذلک حتّي قُتل عليه السلام، ونزل علي کلثوم بن الهدم، وقيل: علي امرأة، والراجح أنّه نزل مع النبيّ صلي الله عليه و آله.[15] .







  1. سورة البقرة: 207.
  2. سورة التوبة: 40.
  3. النجدة: الشجاعة.
  4. المناقب لابن شهرآشوب 57:2.
  5. الفواطم: سيّدة النساء فاطمة الزهراء عليهاالسلام، وفاطمة بنت أسد اُمّ عليّ بن أبي طالب، وفاطمة بنت حمزة عمّ النبيّ صلي الله عليه و آله.
  6. أي تمکّث وانتظر.
  7. ضجنان: کسکران: جبل قرب مکّة.
  8. انتضي السيف: سلّه.
  9. أي تمکّث وانتظر.
  10. سورة آل عمران: 195 - 191.
  11. سورة التوبة: 112.
  12. المناقب لابن شهرآشوب 183:1.
  13. لمّا أمسي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بقبا فارقه أبو بکر ودخل المدينة، ونزل علي بعض الأنصار، وبقي رسول اللَّه صلي الله عليه و آله بقبا نازلاً علي کلثوم بن الهدم.
  14. البحار 106:19.
  15. راجع هامش البحار 106:19، طبع دار الکتب الإسلاميّة، طهران - ايران.