نظرة حول الحديث











نظرة حول الحديث



ممّا لا شکّ فيه أنّ الجنّة والنّار في القيامة هي ثمرة أعمال الإنسان في مزرعة الدنيا، فکلّما کانت أعمالنا منسجمة مع مبادئ الإسلام ومنطبقة مع الموازين الشرعيّة الإلهيّة، فإنّها تقرّبنا إلي اللَّه جلّ وعلا، وإلي الجنّة زلفي، في نفس الوقت الّذي تبعدنا عن النّار، فأعمال الفرد هي الکفيلة بإيصاله إلي الجنّة أو النّار.

أنّ النبيّ ووصيّه عليّ عليهماالسلام يمثّلان نموذجين متکاملين لقوانين الإسلام، وکذا شأن الأئمة المعصومين عليهم السلام من بعدهم، فکلّما کانت أعمالنا إليهما أقرب فنحن إلي مبادئ الإسلام وإلي الجنّة أقرب، وإنّما نزداد قرباً من النّار کلّما ابتعدنا عنهما.

لقد جاء في بعض الأحاديث: «حبُّ عليّ إيمان وبغضه کفر»، ونفهم منه أنّ حبّ عليّ عليه السلام ميزانٌ لمصير العباد إلي الجنّة، کما أنّ بُغضه سببٌ في المصير إلي النّار.

ولا يخفي أنّ الحبّ والبغض هنا ليسا أمراً ذهنيّاً فقط أو أمراً شعوريّاً کما يتوهّم، بل الحبّ والبغض لا يکون إلّا بالعمل، ولذا ورد في الحديث «هل الدين إلّا الحبّ»؛ إذ مَن کان يبغض عليّاً فلا يسير علي نهج عليّ عليه السلام، وبالنتيجة لا يکون عمله منطبقاً مع مبادئ الإسلام، ومن يحبّ عليّاً وکان عمله مطابقاً لعمل عليّ عليه السلام فهو يدخل الجنّة، فلعلّ المراد بکونه عليه السلام: «قسيم الجنّة والنّار»، هو هذا المعني، واللَّه العالم.

فعلي هذا، إنّ البعض ممّن يدّعي حبّ عليّ عليه السلام، کالدراويش أو بعض الشيعة الإماميّة، ولکن لا يعمل بمنهج عليّ عليه السلام، فلا يتوقّع أن يدخل الجنّة لمجرّد محبّته لعليّ عليه السلام بلا عمل، قال اللَّه تعالي: «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولئِکَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ».[1] .

وقال عليّ عليه السلام لعثمان بن حنيف عامله علي البصرة: «ألا وإنّ لکلّ مأموم إماماً يقتدي به، ويستضي ء بنور علمه».[2] وليس معني الاقتداء بالإمام إلّا العمل بطريقته.

روي ابن عساکر الشافعي، بإسناده عن محمّد بن منصور الطوسي، قال: سمعت أحمد بن حنبل وقد سأله رجل عن قول النبيّ صلي الله عليه و آله: «عليّ قسيم النّار». فقال: هذا حديث مضطرب طريقه عن الأعمش، ولکنّ الحديث الّذي ليس عليه لبس، هو قول النبيّ: «يا عليّ، لا يحبّک إلّا مؤمن، ولا يبغضک إلّا منافق»، وقال: اللَّه عزّ وجلّ: «إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْکِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ»[3] فمن أبغض عليّاً فهو في الدرک الأسفل من النّار.[4] .

وقال الکنجي الشافعي في آخر الباب الثالث من (کفاية الطالب): قال محمّد بن منصور الطوسي: کنّا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل: يا أبا عبداللَّه، ما تقول في هذا الحديث الّذي يروي أنّ عليّاً عليه السلام قال: «أنا قسيم النّار؟».

فقال أحمد: وما تنکرون من هذا الحديث، أليس روينا أنّ النبيّ صلي الله عليه و آله قال لعليّ: «لا يحبّک إلّا مؤمن، ولا يبغضک إلّا منافق»! قلنا: بلي. قال: فأين المؤمن؟ قلنا: في الجنّة. قال: فأين المنافق؟ قلنا: في النّار. قال: فعليّ قسيم النّار.[5] .







  1. سورة البقرة: 82.
  2. شرح نهج البلاغة: 957، الکتاب 45.
  3. سورة النساء: 145.
  4. تاريخ دمشق - ترجمة الإمام عليّ عليه السلام 253:2، ح 767.
  5. کفاية الطالب: 72.