كلمة الفيض الكاشاني











کلمة الفيض الکاشاني



قال الفيض الکاشاني رحمه الله في تفسيره (الصافي) ما ملخّصه: إنّ لکلّ معني من المعاني حقيقة وروحاً وله صورة وقالب، وقد تتعدّد الصور والقوالب بحقيقة واحدة، وإنّما وضعت الألفاظ لاتّحاد ما بينهما، مثلاً: لفظ القلم إنّما وضع لآلة نقش الصور في الألواح من دون أن يعتبر فيها کونها من قصب أو حديد أو غير ذلک، بل ولا أن يکون جسماً، ولا کون النقش محسوساً أو معقولاً، ولا کون اللوح من قرطاس أو خشب، بل مجرّد کونه منقوشاً فيه.

وهذه حقيقة اللوح وحده وروحه، فإنّ اللَّه تعالي قال: «عَلَّمَ بِالْقَلَمِ × عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»[1] بل هو القلم الحقيقي، حيث وجد فيه روح القلم وحقيقته وحده من دون أن يکون معه ما هو خارج عنه، وکذلک الميزان، فإنّه موضوع لمعيار تعرف به المقادير، وهذا معني واحد هو حقيقته وروحه، وله قوالب مختلفة وصور شتّي بعضها جسماني وبعضها روحاني، فما تُوزن به الأجرام والأثقال مثل ذي الکفّتين والقبّان، وما تُوزن به المواقيت والارتفاعات کالاسطرلاب، وما تُوزن به الدوائر والقسي کالفرجال، وما تُوزن به الأعمدة کالشاقول، وما تُوزن به الفلسفة کالمنطق، وما يُوزن به الکلّ کالعقل الکامل.

وبالجملة فميزان کلّ شي ء هو المعيار الّذي به يعرف قدر ذلک الشي ء، فميزان النّاس يوم القيامة ما يوزن به قدر کلّ إنسان وقيمته علي حسب عقيدته وخلقه وعمله لتجزي کلّ نفس بما کسبت، وليس ذلک إلّا الأنبياء والأوصياء؛ إذ بهم وباتّباع شرائعهم واقتفاء آثارهم وترک ذلک وبالقرب من سيرتهم والبعد عنها يعرف مقدار النّاس وقدر حسناتهم وسيّئاتهم.

فميزان کلّ اُمّة هو نبيّ تلک الاُمّة ووصيّ نبيّها والشريعة الّتي اُتي بها، فمن ثقلت حسناته وکثرت فاُولئک هم المفلحون، ومن خفّت وقلّت فاُولئک الّذين خسروا أنفسهم بظلمهم عليها من جهة تکذيبهم للأنبياء والأوصياء أو عدم اتّباعهم.

ففي (الکافي) و(المعاني): عن الصادق عليه السلام أنّه سئل عن قول اللَّه عزّو جلّ: «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ»[2] قال: «هم الأنبياء والأوصياء»، وفي رواية اُخري: «نحن الموازين القسط».[3] .







  1. سورة العلق: 4 و 5.
  2. سورة الأنبياء: 47.
  3. نقلناه عن هامش البحار 242:7، طبع دار الکتب الإسلاميّة، و عن تفسير الصافي 181:2.