المعراج حقيقة إسلاميّة ثابتة











المعراج حقيقة إسلاميّة ثابتة



من المسائل الّتي اتّفق عليها علماء الإسلام مسألة المعراج؛ وذلک لأنّ القرآن الکريم يشهد بها في الآية الاُولي من سورة الإسراء، والآيات 18 - 5 من سورة النجم. ومن جهة اُخري فإنّ الروايات المتواترة تؤيّد أنّ هذا السفر السماوي قد تمّ مرّتين.

ومن وجهة نظر الشيعة الإماميّة وکثير من علماء السنّة، أنّ معراج النبيّ صلي الله عليه و آله هذا کان معراجاً جسمانياً لا روحياً فقط، وهم يعتقدون کذلک أنّ هذا السفر الطويل قد تمّ في ليلة واحدة، وأنّه بدأ من مکّة المکرّمة إلي المسجد الأقصي، ومن هناک إلي السماء، ثمّ انتهي بالعودة إلي مکّة.

أمّا الآيات: فقوله تعالي: «سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي[1] بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَي الَّذِي بَارَکْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِن آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ».[2] .

وقد حدث هذا السفر مرّة ثانية، حيث يقول القرآن الکريم: «وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي × عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَي × عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي × إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي × مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي × لَقَدْ رَأَي مِن آيَاتِ رَبِّهِ الْکُبْرَي».[3] .

روي المجلسي عن أبي بصير، قال: سمعت الصادق عليه السلام يقول: «قال النبيّ صلي الله عليه و آله: أتاني جبرئيل، وأنا بمکّة، فقال: قم يا محمّد، فقمت معه وخرجت إلي الباب، فإذا جبرئيل ومعه ميکائيل وإسرافيل، وأتي جبرئيل بالبراق، وکان فوق الحمار ودون البغل، خدّه کخدّ الإنسان، وذنبه کذنب البقر، وعرفه کعرف الفرس، وقوائمه کقوائم الإبل، عليه رحل من الجنّة، وله جناحان من فخذيه، خطوه منتهي طرفه[4] فقال: ارکب، فرکبت ومضيت حتّي انتهيت إلي بيت المقدس. ولمّا انتهيت إلي بيت المقدس إذا ملائکة نزلت من السماء بالبشارة والکرامة من عند ربّ العزّة، وصلّيت في بيت المقدس».

وفي بعضها: «بشّرني إبراهيم في رهط من الأنبياء، ثمّ وصف موسي وعيسي - ثمّ أخذ جبرئيل بيدي إلي الصخرة فأقعدني عليها، فإذا معراج إلي السماءِ لم أرَ مثلها حسناً وجمالاً، فصعدت إلي السماء الدنيا ورأيت عجائبها وملکوتها وملائکها يسلّمون عليّ، ثمّ صعد بي جبرئيل إلي السماء الثانية، فرأيت فيها عيسي بن مريم ويحيي بن زکريّا، ثمّ صعد بي إلي السماء الثالثة فرأيت فيها يوسف، ثمّ صعدت إلي السماء الرابعة فرأيت فيها إدريس، ثمّ صعد بي إلي السماء الخامسة فرأيت فيها هارون، ثمّ صعد بي إلي السماء السادسة فإذا فيها خلق کثير، يموج بعضهم في بعض، وفيها الکروبيّون، قال: ثمّ صعد بي إلي السماء السابعة فأبصرت فيها خلقاً وملائکة».

وفي حديث آخر: قال النبيّ صلي الله عليه و آله: «رأيت في السماء السادسة موسي عليه السلام، ورأيت في السابعة إبراهيم عليه السلام». قال: «ثمّ جاوزنا متصاعدين إلي أعلي علّيّين».

ووصف ذلک إلي أن قال: «ثمّ کلّمني ربّي وکلّمته، ورأيت الجنّة والنّار، ورأيت العرش وسدرة المنتهي»، ثمّ قال: «ورجعت إلي مکّة، فلمّا أصبحت حدّثت به النّاس، فأکذبني أبو جهل والمشرکون، وقال مطعم بن عديّ: أتزعم أنّک سرت مسيرة شهرين في ساعة؟ أشهد أنّک کاذب». ثمّ قالت قريش: أخبرنا عمّا رأيت؟

فقال صلي الله عليه و آله: «مررت بِعِير بني فلان، وقد أضلّوا بَعِيراً لهم وهم في طلبه، وفي رحلهم قعب[5] من ماء مملوء، فشربت الماء فغطّيته کما کان، فسألوهم هل وجدوا الماء في القدح»، قالوا: هذه آية واحدة. فقال صلي الله عليه و آله: «مررتُ بعير بني فلان، فنفر بعير فلان فانکسرت يده، فسألوهم عن ذلک»، فقالوا: هذه آية اُخري. قالوا: أخبرنا عن عِيرنا؟ قال صلي الله عليه و آله: «مررت بها بالتنعيم»، وبيّن لهم أحوالها وهيأتها. قالوا: هذه آية اُخري.[6] .

روي الکليني بإسناده عن أبي عبداللَّه عليه السلام في قوله اللَّه تعالي: «وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ»[7] قال: «لمّا اُسري برسول اللَّه صلي الله عليه و آله أتاه جبرئيل بالبراق فرکبها، فأتي بيت المقدس فلقي من لقي من إخوانه من الأنبياء، ثمّ رجع فحدّث أصحابه أنّي أتيت بيت المقدس ورجعت من الليلة، وقد جاءني جبرئيل بالبراق فرکبتها، وآية ذلک أنّي مررت بَعِير لأبي سفيان علي ماءٍ لبني فلان، وقد أضلّوا جملاً لهم أحمر، وقد همّ القوم في طلبه، فقال بعضهم لبعض: إنّما جاء الشام وهو راکب سريع، ولکنّکم قد أتيتم الشام وعرفتموها فسلوه عن أسواقها وأبوابها وتُجّارها، فقالوا: يا رسول اللَّه، کيف الشام، وکيف أسواقها؟ قال: کان رسول اللَّه صلي الله عليه و آله إذا سئل عن الشي ء لا يعرفه شقّ عليه حتّي يري ذلک في وجهه. قال: فبينما هو کذلک إذا أتاه جبرئيل عليه السلام، فقال: يا رسول اللَّه، هذه الشام قد رفعت لک، فالتفت رسول اللَّه صلي الله عليه و آله، فإذا هو بالشام بأبوابها وأسواقها وتجّارها، فقال: أين السائل عن الشام؟ فقالوا له: فلان وفلان، فأجابهم رسول اللَّه صلي الله عليه و آله في کلّ ما سألوه عنه، فلم يؤمن منهم إلّا قليل، وهو قول اللَّه تبارک وتعالي: «وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ»».

ثمّ قال أبو عبداللَّه عليه السلام: «نعوذ باللَّه أن لا نؤمن باللَّه وبرسوله، آمنّا باللَّه وبرسوله صلي الله عليه و آله».[8] .

الأخبار الواردة في الإسراء کثيرة بالغة حدّ التواتر، وقد رواها جمّ غفير من الصحابة کأنس بن مالک، وشدّاد بن الأوس، وعليّ بن أبي طالب عليه السلام، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، وعبداللَّه بن مسعود، وعمر بن الخطّاب، وعبداللَّه بن عمر، وعبداللَّه بن عبّاس، واُبيّ بن کعب، وسمرة بن جندب، وبريدة، وصهيب بن سنان، وحذيفة بن اليمان، وسهل بن سعد، وأبو أيّوب الأنصاري، وجابر بن عبداللَّه، وأبو الحمراء، وأبو الدرداء، وعروة، واُمّ هاني، واُمّ سلمة، وعائشة، وأسماء بنت أبي بکر کلّهم عن رسول اللَّه صلي الله عليه و آله.

ورواها کثير من رواة الشيعة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام، نذکر بعضها فيما يلي:







  1. والإسراء: هو السفر ليلاً، وهو يقابل السير الّذي هو السفر نهاراً، ولذلک وردت لفظة (ليلاً) لتؤيّد أنّ هذا السفر قد تمّ في ليلة واحدة، وأنّ السفر کان إلي المسجد الأقصي، ومن هناک إلي السماوات کما ورد في سورة النجم.
  2. سورة الإسراء: 1.
  3. سورة النجم: 18 - 13.
  4. خطوة منتهي طرفه: کان يضع کلّ خطوة منه علي منتهي مدّ بصره.
  5. القعب: القدح الضخم الغليظ.
  6. البحار 375:18.
  7. سورة يونس: 101.
  8. روضة الکافي: 299، ح 555.