مسألة تقدّم المفضول علي الفاضل












مسألة تقدّم المفضول علي الفاضل



نعم، لا مناص لمن يقول بقبح تقدّم المفضول علي الفاضل کابن تيميّة ـ ابن تيميّة ينصُّ في أکثر من موضع من منهاج السنّة علي قبح تقدم المفضول علي الفاضل ـ فحينئذ لابدّ وأنْ يلتزم بإمامة علي.

إلاّ أنّه يضطر إلي تکذيب الثوابت، ولا مناص له من التکذيب، حتّي لو کان الحديث موجوداً في الصحيحين وفي غير الصحيحين من الصحاح وفي غير الصحاح من الکتب المعتبرة بأسانيد صحيحة، لان النصب والعداء لامير المؤمنين (عليه السلام) يمنعه من الاعتراف بالحق والالتزام به، إلاّ أنا نوضّح هذه الحقائق ونستدل

[صفحه 53]

عليها، عسي أن يرجع بعض الناس عن تقليده واتّباعه، ولا أقل من إقامة الحجة، ليهلک من هلک عن بيّنة.

نعم، هناک من يعترف بصحة هذه الاحاديث، إلاّ أنّه ينفي قبح تقدم المفضول علي الفاضل.

فيدور الامر عند القائلين بإمامة أبي بکر وعمر، بين نفي قبح تقدم المفضول علي الفاضل وقبول الاحاديث والاثار والاخبار هذه لصحّتها، وبين قبول قبح تقدم المفضول علي الفاضل وتکذيب هذه الاحاديث والاثار والقضايا الثابتة.

وقد مشي علي الطريق الثاني ابن تيميّة، وعلي الطريق الاول الفضل ابن روزبهان، وکلاهما في مقام الرد علي العلاّمة الحلّي في استدلالاته علي إمامة أمير المؤمنين، فابن روزبهان يقول بعدم ضرورة کون الامام أفضل من غيره وأنّه لا يقبح تقدم المفضول علي الفاضل وحکم علي خلاف حکم العقلاء من الاولين والاخرين، وابن تيميّة يوافق علي هذا الحکم العقلي، إلاّ أنّه يکذّب الاحاديث الصحيحة ويتصرّف في معني الشجاعة ومعني القتل ومعني الجهاد. والفضل ابن روزبهان لا يضطر إلي هذه التصرفات القبيحة الشنيعة الرديئة، إلاّ أنّه ينکر أن يکون تقدم المفضول علي الفاضل قبيحاً، وهذا رأي علي خلاف حکم العقل وبناء العقلاء.

[صفحه 54]

وإذا ما رجعتم إلي کتاب المواقف، شرح المواقف، شرح المقاصد، وغير هذه الکتب، ترونهم مضطربين، لا يعلمون ما يقولون، لا يفهمون بما يحکمون، فما لهم کيف يحکمون ؟ راجعوا شرح المواقف وشرح المقاصد وغيرهما من کتب القوم:

فتارة يوافقون علي قبح تقدم المفضول علي الفاضل، وهذه الاحاديث صحيحة.

وتارة يتأمّلون وکأنّهم لا يعلمون أنّ تقديم المفضول علي الفاضل قبيح أو لا، ويترکون البحث علي حاله ؟

وقد نقلت هنا عبارة کتاب المواقف للقاضي الايجي، الذي ذکر في هذه المسألة الخلاف في تقدم المفضول وعدم تقدم المفضول، وأنّه قبيح أوْ لا، وهو ساکت لا يختار أحد القولين، لانّه لا يدري ماذا يقول ؟ يبقي متحيّراً، يبقي مضطرباً، لانّ الامر يدور بين الامرين کما ذکرت.

وإذا سألت القاضي الايجي عن أنّ أبا بکر أفضل من علي أوْ لا، وتريد منه الکلام الصريح والفتوي الواضحة في هذه المسألة، والافصاح عن رأيه ؟

يقول: بأنّ الافضليّة لا يمکننا أنْ ندرکها ونتوصّل إليها! ثمّ إنّ الصحابة قدّموا أبا بکر وعمر وعثمان علي علي، وجعلوا أولئک

[صفحه 55]

أفضل من علي، وحسن الظنّ بهم ـ أي بالصحابة ـ يقتضي أن نقول بقولهم ونوکل الامر إلي الله سبحانه وتعالي.

وهکذا يريد الفرار من هذه المسألة، والخروج عن عهدة هذه القضية، وإلقاء المسؤولية علي الصحابة.

فأقول للقاضي الايجي: إذن، لماذا أتعبت نفسک ؟ إذن، لماذا بحثت عن هذه المسألة ؟ ولماذا طرحت هذه القضية في کتابک الذي أصبح أهم متن من الکتب الکلامية ؟ وکان عليک من الاول أنْ تقول: بأنّ الصحابة کذا فعلوا، ونحن کذا نقول، وإنّا علي آثارهم مقتدون، وکذلک يفعلون.

وإنّا لله وإنّا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، وصلّي الله علي سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.


صفحه 53، 54، 55.