تمهيد












تمهيد



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام علي سيّدنا محمّد وآله الطيبين والطاهرين، ولعنة الله علي أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.

يقول الله سبحانه وتعالي: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَي فَمَا لَکُمْ کَيْفَ تَحْکُمُونَ)[1] .

الحق في اللغة بمعني الثبوت، (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ) أي: أفمن يهدي إلي الامور الثابتة القطعية اليقينية، هذا الذي يهدي إلي الواقع، (أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ) أم الذي لا يهتدي (إِلاَّ أَنْ يُهْدَي فَمَا لَکُمْ کَيْفَ تَحْکُمُونَ).

هذا الذي يقوله الله سبحانه وتعالي إرشاد إلي قاعدة عقلية

[صفحه 8]

قطعية عند جميع العقلاء من مسلمين وغير مسلمين، إنّهم إذا أرادوا الوصول إلي أمر واقع وإلي حقيقة من الحقائق، يهتدون بمن يعلم بتلک الحقيقة ويهدي ويوصل الانسان إلي تلک الحقيقة، يرجعون إلي هکذا شخص، أمّا الذي ليس بمهدي، ليس بعارف بالحقيقة، الذي لا يهتدي إلي الواقع، کيف يمکن أن يکون هادياً للاخرين إلي الواقع ؟

ومن هنا قرّر العلماء من الفريقين علي أنّ العقائد يجب أن يتوصل إليها الانسان بالقطع واليقين، ولا يکفي في العقيدة الظن والتقليد، ويقول الله سبحانه وتعالي (إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً)[2] ، الظن لا يغني من الواقعيّات شيئاً، الواقعيّات والامور الحقيقيّة، المطلوب فيها القطع واليقين، ولا يکفي فيها الظن، ولا يکفي فيها الاخذ بأقوال الاخرين، وهذه قاعدة عقليّة، والقرآن الکريم يشير ويرشد إلي هذه القاعدة العقلية القطعية.

وحينئذ إذا دار الامر بين رجلين، أحدهما مهتدي ويمکنه هداية الاخرين إلي العقائد الحقة والاُمور الواقعية، والشخص الاخر يحتاج إلي من يهديه، يحتاج إلي من يرشده ويأخذ بيده،

[صفحه 9]

کيف يمکن الحکم بالاهتداء وبأخذ الحقائق والواقعيات ممّن هو بنفسه يحتاج إلي من يهديه ؟

أمّا نحن فنعتقد بأنّ الامامة أمر لا يکون إلاّ من الله سبحانه وتعالي، الامامة جعل ونصب من الله سبحانه وتعالي، ولا فرق بين الامامة والنبوّة من هذه الحيثيّة، وحينئذ نحتاج في معرفة الامام وتعيّنه إلي نصٍّ قطعيّ، أو إلي أدلّة تقتضي أن يکون الشخص هو الامام لکونه مهتدياً وهادياً.

وأيضاً، لو قام الدليل علي عصمة شخص أو أشخاص، فإنّ العصمة إنْ وجدت في شخص لا يجوّز العقل الاهتداء بغير هذا الشخص مع وجوده، ومع التمکن منه ولو بالواسطة، لذا جعلنا الامامة إمّا بالنص وإمّا بالعقل، والنص إمّا من الکتاب وإمّا من السنّة القطعيّة.

وکان حديث المنزلة ـ وهو آخر الادلة اللفظية التي بحثنا عنها ـ دليلاً علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) من الجهات الثلاثة جميعاً، فلقد کان هذا الحديث نصّاً في إمامة أمير المؤمنين، ودليلاً علي عصمته، ودليلاً علي أفضليّته (عليه السلام) من سائر الصحابة.

وقد بحثنا عن مدلول هذا الحديث وفقهه، وبيّنا اندفاع الشبهات التي طرحت في کتب الاُصول والکلام علي هذا الحديث

[صفحه 10]

والاستدلال به علي إمامة أمير المؤمنين، وکان عمدة تلک الشبهات، ثلاثة شبهات ذکرتها، وقد کانت شبهات مترابطة، وبيّنّا اندفاع تلک الشبهات بأدلّة عديدة تجتمع تلک الادلّة علي اندفاع المناقشات الثلاثة کلّها في دلالة حديث المنزلة.

وموضوع بحثنا في هذه الليلة هو الاستدلال بما يحکم به العقل علي إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)، أي الدليل العقلي علي الامامة.

[صفحه 11]


صفحه 8، 9، 10، 11.








  1. سورة يونس: 35.
  2. سورة النجم: 28.