الشجاعة












الشجاعة



وأمّا الشرط الثالث الذي هو الشجاعة، قال في شرح المواقف: إنّما اعتبر هذا الشرط ليقوي علي الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الاسلام بالثبات في المعارک.

فراجعوا الاخبار والتواريخ وأنباء الحروب والغزوات، ليظهر لکم من کان الذاب عن الحوزة والحافظ لبيضة الاسلام والثابت أو ذوالثبات في المعارک ؟ من کان ؟

لقد علم الموافق والمخالف أنّ عليّاً (عليه السلام) کان أشجع الناس، وأنّ بسيفه ثبتت قواعد الاسلام، وتشيّدت أرکان الايمان، وکانت الراية بيده في کافة الغزوات، وما انهزم (عليه السلام) في موطن من المواطن قط.

هذه الاُمور أعتقد أنّها قد تجاوزت حدّ الرواية وبلغت إلي حدّ الدراية، فتلک مواقفه في بدر، وأُحد، وخيبر، وحنين، والخندق ـ

[صفحه 44]

الاحزاب ـ وغير ذلک من الحروب والغزوات، من ذا يشک في أشجعيّة علي ومواقفه مع رسول الله ؟

نعم، يشک في ذلک مثل ابن تيميّة، لاحظوا ماذا يقول، يقول في جواب العلامة الحلي حيث يقول: إنّ عليّاً کان أشجع الناس، يقول: هذا کذب، فأشجع الناس رسول الله[1] .

وهل کان البحث عن شجاعة رسول الله ؟ وهل کان من شک في أشجعيّة رسول الله ؟ إنّما الکلام بين علي وأبي بکر! کلامنا في الامامة بعد رسول الله، کلامنا في الخلافة بعد رسول الله.

لاحظوا کيف يغالط ؟ ولماذا يغالط ؟ لانّه ليس عنده جواب، يعلم ابن تيميّة ـ ويعلم کلّهم ـ بأنّ الشيخين قد فرّا في أکثر من غزوة، وأنّهما لم يقتلا ولا واحداً في سبيل الله.

يقول العلاّمة الحلّي: إنّ عليّاً قتل بسيفه الکفّار.

فيقول في جوابه ابن تيميّة: قوله: إنّ عليّاً قتل بسيفه الکفّار، فلا ريب أنّه لم يقتل إلاّ بعض الکفّار.

وهل قال العلاّمة الحلّي: إنّ عليّاً قتل کلّ الکفّار! فلا ريب أنّه لم يقتل إلاّ بعض الکفّار.

[صفحه 45]

يقول ابن تيميّة: وکذلک سائر المشهورين بالقتال من الصحابة، کعمر والزبير وحمزة والمقداد وأبي طلحة والبراء بن مالک وغيرهم.

يقول: ما منهم من أحد إلاّ قتل بسيفه طائفة من الکفّار.

فإذا سئل ابن تيميّة: أين تلک الطائفة من الکفّار الذين قتلهم عمر ؟

يقول في الجواب: القتل قد يکون باليد کما فعل علي وقد يکون بالدعاء... القتال يکون بالدعاء کما يکون باليد.

بالنص عبارته ـ والله ـ راجعوا کتاب منهاج السنة فإنّه موجود[2] .

إذن، قتل عمر طائفة من الکفّار بالدعاء، ولا بأس! ! وأيّ مانع من هذا! !

وإذا سألنا ابن تيميّة عن شجاعة أبي بکر ـ أليس الشرط الثالث: الشجاعة ؟ ـ إذا سألناه عن شجاعة أبي بکر، يقول في الجواب بنصّ عبارته ـ بلا زيادة ونقيصة ـ: إذا کانت الشجاعة المطلوبة من الائمّة شجاعة القلب، فلا ريب أنّ أبا بکر کان أشجع

[صفحه 46]

من عمر، وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير، وکان يوم بدر مع النبي في العريش[3] .

إذن، تکون شجاعة أبي بکر بقوّة القلب فقط، وقد جاهد وقاتل بقوّة القلب.

فالشجاعة علي قسمين أو لها معنيان: الشجاعة التي يفهمها کلّ عربي، ومعني آخر يراد من الشجاعة: قوّة القلب، وأبو بکر کان قوي القلب! !.

وهکذا يجيب ابن تيميّة عن توفّر هذا الشرط في علي دون الشيخين، يجيب عن ذلک بجواب لا تجدونه في أيّ کتاب من الکتب، فيجعل عمر مقاتلاً، لکن لا باليد بل بالدعاء، والقتال بالدعاء کالقتال باليد، ويجعل أبا بکر شجاعاً، لکن شجاعة القلب وهي المطلوبة في الائمّة! ! وکأنّ عليّاً کانت عنده الشجاعة البدنية ولم تکن عنده شجاعة قلبيّة! !

وکلّ هذا من ابن تيميّة ينفعنا في يقيننا بصحة استدلالاتنا، وإلاّ فأيّ معني لتفسير القتال والجهاد في سبيل الله وقتل طائفة من الکفّار بالدعاء ؟

[صفحه 47]

ثمّ لو کانا واجدين لقوّة القلب ـ کما يقول ابن تيميّة ـ فلماذا فرّا ؟

لاريب في أنّهما قد فرّا في أُحد، وقد روي الخبر أئمّة القوم، منهم:

1 ـ أبو داود الطيالسي.

2 ـ ابن سعد صاحب الطبقات.

3 ـ أبو بکر البزّار.

4 ـ الطبراني.

5 ـ ابن حبّان.

6 ـ الدارقطني.

7 ـ أبو نعيم.

8 ـ ابن عساکر.

9 ـ الضياء المقدسي.

وغيرهم من الائمّة الاعلام.

راجعوا کنز العمال[4] ، أعطيکم بعض الاوقات بعض الارقام، لانّ القضايا حساسة فأضطرّ إلي إعطاء المصدر.

[صفحه 48]

أمّا في خيبر، فقد روي فرارهما:

1 ـ أحمد.

2 ـ ابن أبي شيبة.

3 ـ ابن ماجة.

4 ـ البزّار.

5 ـ الطبري.

6 ـ الطبراني.

7 ـ الحاکم.

8 ـ البيهقي.

9 ـ الضياء المقدسي.

10 ـ الهيثمي.

وجماعة غيرهم.

راجعوا أيضاً کنز العمال، يروي عن کلّ هؤلاء[5] .

وأمّا في حنين، فالذي صبر مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) هو علي فقط، کما في الحديث الصحيح عن ابن عباس، وهذا الحديث في المستدرک[6] .

[صفحه 49]

أمّا في الخندق فالکل يعلم کلمة رسول الله: «لَضربة علي في يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين»[7] ، أو «أفضل من عبادة الامّة إلي يوم القيامة»[8] .

[صفحه 51]


صفحه 44، 45، 46، 47، 48، 49، 51.








  1. منهاج السنة 76:8.
  2. منهاج السنة 482:4.
  3. منهاج السنة 79:8.
  4. کنز العمال 424:10.
  5. کنز العمال 461:10.
  6. المستدرک علي الصحيحين 111:3.
  7. شرح المواهب 371:8.
  8. المستدرک علي الصحيحين 32:3.