الحاقه زياد بن أبية بأبي سفيان











الحاقه زياد بن أبية بأبي سفيان



ذکر المسعودي[1] : «ولما هم معاوية بإلحاق زياد بأبي سفيان ـ أبيه ـ وذلک في سنة أربعين شهد عنده زياد بن اسماء الحرمازني، ومالک بن ربيعة السلوي، والمنذر بن الزبير بن العوام ان ابا سفيان اخبر أنه ابنه... ثم زاده يقيناً إلي ذلک شهادة ابي مريم السلولي.

وکان أخبر الناس ببدء الامر، وذلک انه جمع بين ابي سفيان وسمية ام زياد في الجاهلية علي زني، وکانت سمية من ذوات الرايات بالطائف تؤدي الضريبة الي الحرث بن کلدة وکانت تنزل في الموضع الذي تنزل فيه البغايا بالطائف وخارجاً عن الحضر في محلة يقال لها حارة البغايا...»

ثم ذکر المسعودي نص شهادة الاستلحاق: «قال ابو مريم السلولي:

أشهد ان أبا سفيان قدم علينا بالطائف. وانا خمار في الجاهلية فقال: ابغني بغياً فأتيته وقلت لم اجد الا جارية الحارث بن کلدة سمية.

فقال: ائتني بها علي ذفرها وقذرها.

فقام يونس بن عبيد اخو صفية مولاة سمية.

فقال: يا معاوية قضي الله ورسوله ان الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت ان الولد للعاهر.. مخالفة لکتاب الله». ويستطرد المسعودي في ذکر هذه القصة الطريفة فيروي ما قاله عبدالرحمن بن ام الحکم في ذلک من شعر:


ألا أبلــغ معاوية بن حـرب
مغلغلة عن الرجل اليمـــاني


أتغضب ان يقال: ابوک عف
وترضي ان يقال: أبوک زاني

[صفحه 206]

فأشهد أن رحمک من زياد
کرحم الفيل من ولد الأتان


وفي زياد وإخوته يقول خالد البخاري:


إن زيـــاداً ونـافعــاً وأبـا
بکرة عندي أعجب العجــب!!


إن رجــالا ثلاثـة خــلقـوا
من رحم أنثــي مخالفي النسب


ذا قرشي فيمـا يقــول: وذا
مولي وذا ابـن عمــه عربي


ويروي ابن ابي الحديد[2] ظروف قصة الاستلحاق علي الوجه التالي: «فلما ورد الکتاب علي زياد قام فخطب الناس وقال: العجب من ابن آکلة الاکباد ورأس النفاق يهددني، ثم کتب الي علي وبعث بکتاب معاوية في کتابه.. وکتب له الإمام:

إن معاوية کالشيطان الرجيم يأتي المرء من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله فاحذره ثم احذره... فلما قتل علي بقي زياد في عمله وخاف معاوية جانبه وعلم صعوبة ناحيته وأشفق من ممالأته الحسن... فکتب إليه...

أما بعد: فإنک عبدقد کفرت النعمة واستدعيت النقمة... لا أم لک، بل لا أب لک.

يا ابن سمية إذا أتاک کتابي هذا فخذ الناس بالطاعة والبيعة وأسرع الإجابة.. وإلا اختطفتک بأضعف ريش ونلتک بأهون سعي. وأقسم قسماً مبرراً ان لا اوتي بک إلا في زمارة، تمشي حافيا من أرض فارس الي الشام حتي اقيمک في السوق وابيعک عبداً واردک الي حيث کنت فيه وخرجت منه...

فلما ورد الکتاب علي زياد غضب غضباً شديداً وجمع الناس وصعد المنبر.

وقال: إن ابن آکلة الأکباد وقاتلة اسد الله، ومظهر الخلاف، وسر النفاق، ورئيس الاحزاب.

ومن أنفق ماله في إطفاء نور الله، کتب الي يرعد ويبرق عن سحابة جفل لا ماء فيها.

[صفحه 207]

ثم نزل، وکتب إلي معاوية.. لقد وصل الي کتابک.. فوجدتک کالغريق يغطيه الموج فيتشبث بالطحلب ويتعلق بأرجل الضفادع.. ولولا حلم ينهاني عنک.. لانرت لک مخازي لايغسلها الماء.. وإن کنت ابن سمية فأنت ابن جماعة.

أما زعمک أنک تخطفني بأضعف ريش، فهل سمعت بذئب أکله خروف.

فلما ورد کتاب زياد علي معاوية غمه واحزنه وبعث الي المغيرة بن شعبه فخلا به.

قال المغيرة.. إن زياداً رجل يحب الشرف والذکر وصعود المنابر، فلو لاطفته المسألة، وألنت له الکتاب، لکان لک أميل وبک وأوثق، فاکتب اليه وأنا الرسول.

فکتب معاوية.. الي زياد بن ابي سفيان.. حملک سوء ظنک بي وبغضک لي علي ان عققت قرابتي وقطعت رحمي.. حتي کأنک لست أخي وليس صخر بن حرب أباک وابي. وشتان ما بيني وبينک. أطلب بدم ابن العاص وأنت تقاتلني.

فرحل المغيرة بالکتاب حتي قدم فارس فلما رآه زياد قدمه وأدناه ولطف به فرفع اليه الکتاب. فجعل يتأمله ويضحک.

ثم جمع الناس.. وصعد المنبر.. وقال: لقد نظرت في امور الناس منذ قتل عثمان.. فوجدتهم کالاضاحي في کل عيد يذبحون.

وکتب کتاب الجواب الي معاوية:

الحمد لله الذي عرفک الحق وردک الي الصلة. ولست ممن يجهل معروفاً ولا يغفل حسباً..

وروي المدائني قال: لم اراد معاوية استلحاق زياد وقد قدم عليه من الشام جمع من الناس وصعد المنبر واصعد زياداً معه.

ثم قال: إني قد عرفت نسبنا أهل البيت في زياد، فمن کان عنده شهادة فليقم بها.. فقام ابو مريم السلولي وکان خماراً في الجاهلية فقال:

إن أبا سفيان قدم علينا بالطائف، فأتاني فاشتريت له لحماً وخمراً وطعاماً،

[صفحه 208]

فلما أکل قال: يا أبا مريم اصب لي بغياً. فخرجت فأتيت بسمية.. تجر ذيلها فدخلت معه.

وروي شيخنا ابو عثمان: أن زياداً مر وهو والي البصرة بأبي العريان العدوي وکان شيخاً مکفوفاً ذا لسن وعارضة شديدة. فقال ابو العريان ماهذه الجلبة؟ قالوا:، زياد ابن ابي سفيان. قال: والله ماترک ابو سفيان الا يزيد ومعاوية وعتبة وعنبسة وحنظلة ومحمداً، فمن أين جاء زياد: فبلغ الکلام زياداً.

وقال قائل له: لو سددت عنک فم هذا الکلب فأرسل إليه بمائتي دينار! فقال له رسول زياد: إن ابن عمک زياداً الامير قد ارسل إليک مائتي دينار.. ثم مر به زياد من الغد في موکبه. فوقف عليه وسلم. وبکي ابو العريان. فقال مايبکيک؟ قال: عرفت صوت ابي سفيان في صوت زياد. فبلغ ذلک معاوية فکتب الي ابي العريان:


ما ألبثتک الدنانيـر التـي بعثـت
أن لونتـک أبــا العـريان ألوانا


أمسي إليک زيـاد فـي أرومتـه
نکراً فأصبح ما أنکـرت عرفانـا


لله در زيـــاد لـو تعجلهــا
کانت له دون ما يخشــاه قربانا


فلما قريء کتاب معاوية علي ابي العريان قال: أکتب جوابه ياغلام:


أحدث لنا صلة تحيــا النفوس بها
قد کدت يا ابن أبي سفيـان تنسانا


أما زياد فقد صـحت مـناسبـه
عندي فلا أبتغي في الحـق بهتانا


من يسد خيراً يصبه حين يفعلـه
أو يسد شراً يصبه حيثما کـان[3] .


وقد تم ذلک سنة 56 هـ أي قبل ان ينتصف القرن [ الاول ] علي وفاة النبي ورحم الله الحسن البصري فقد کان يقول فيما يروي الطبري: «أربع خصال کن في معاوية لو لم يکن فيه منهن إلا واحدة لکانت موبقة: انتزاؤه علي هذه الامة بالسفهاء حتي ابتزها امرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة؛

[صفحه 209]

واستخلافه ابنه بعده سکيراً وخميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً، وقد قال رسول الله:

الولد للفراش وللعاهر الحجر؛ وقتله حجر بن عدي»[4] .



صفحه 206، 207، 208، 209.





  1. مروج الذهب ومعادن الجوهر 2 / 310 ـ 312.
  2. شرح نهج البلاغة 4 / 68 ـ 72.
  3. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة» 4 / 68 ـ 70.
  4. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، علي وبنوه» ص 248.