ماساة حجر بن عدي











ماساة حجر بن عدي



ذکر ابن الأثير[1] قصة حجر واتباعه فقال: «دخلت سنة إحدي وخمسين وفيها قتل حجر بن عدي واصحابه وسبب ذلک ان معاوية استعمل المغيرة بن شعبة علي الکوفة سنة احدي واربعين. فلما امره عليها دعاه وقال:

قد اردت ايصاءک بأشياء کثيرة أنا تارکها اعتماداً علي بصرک، ولست تارکاً ايصاءک بخصلة: لاتترک شتم علي وذمه، والترحم علي عثمان، والعيب لاصحاب علي، والإفصاء لهم، والإطراء بشيعة عثمان، والإدناء لهم.

فأخذ المغيرة يشتم علياً.. فإذا سمع ذلک حجر بن عدي قال:

بل إياکم ذم الله ولعن. أنا أشهد ان من تذمون احق بالفضل.

وقد حبس المغيرة أرزاق حجر واصحابه. فکان حجر يناديه بقوله:

مر لنا ايها الإنسان بأرزاقنا فقد حبستها عنا وليس ذلک لک.

ثم توفي المغيرة وولي زياد فاستمر علي الفعل نفسه.

وجمع زياد من أصحاب عدي اثنا عشر رجلا في السجن واحضر شهوداً وقال: إني لأحب ان يکون الشهود أکثر من اربعة، فدعا الناس ليشهدوا فشهد جمع کبير منهم: اسحق، وموسي، ابنا طلحة بن عبيد الله، والمنذر بن الزبير، وعمار ابن عقبة ابن ابي معيط.

ثم دفع زياد حجر بن عدي وأصحابه الي وائل بن حجر الحضرمي وکثير ابن شهاب وامرهما ان يسيرا بهم الي الشام فخرجوا عشية فلما بلغوا الغريين لحقهم شريح بن هاني واعطي وائلا کتابا فقال: ابلغه امير المؤمنين فأخذه. وساروا حتي انتهوا بهم الي مرج عذراء عند دمشق وکانوا:

[صفحه 200]

حجر بن عدي الکندي، والارقم بن عبدالله الکندي، وشريک بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة بن ضبيع العبسي، وکريم بن عفيف الخثعمي، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، وکدام بن حسان، وعبدالرحمن العنزيان، ومحرر بن شهاب التميمي، وعبدالله بن حوية السعدي..

وأتبعهم برجلين هما: عتبة بن الاخمس بن سعد بن بکر، وسعد بن نمران الهمداني. فتموا اربعة عشر رجلا.

ودفع وائل الي معاوية کتاب شريح بن هاني. فإذا فيه: بلغني ان زياداً کتب شهادتي وان شهادتي علي حجر انه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزکاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهي عن المنکر حرام الدم والمال».

وروي الطبري[2] مأساة ابن عدي وصحبه علي الشکل التالي:

«جاء قيس بن عباد الشيباني الي زياد فقال له: ان شخصا منا من بني همام يقال له صيفي بن فسيل من رؤوس اصحاب حجر وهو اشد الناس عليک، فبعث اليه زياد فأتي به فقال له زياد: يا عدو الله ما تقول في ابي تراب قال: ما اعرف ابا تراب.

قال: اما تعرف علي بن ابي طالب؟ قال: بلي. قال: فذاک ابو تراب.

قال: کلا ذاک ابو الحسن والحسين.

فقال له صاحب الشرطة: يقول لک الأمير هو ابو تراب؟ وتقول انت لا. قال: وإن کذبت الأمير اتريد ان اکذب واشهد له علي باطل کما شهد. قال له زياد: وهذا ايضا مع ذنبک!!! عليَّ بالعصا. فأتي بها فقال ما قولک؟

قال: احسن قول انا قائله في عبدمن عباد الله المؤمنين

[صفحه 201]

قال: اضربوا عاتقه بالعصا حتي يلتصق بالارض فضرب حتي لزم الارض.

ثم قال: اقلعوا عنه فسأله: إيه ما قولک في علي.

قال: والله لو شرحتني بالمواسي والمدي ما قلت إلا ما سمعت مني.

قال: لتلعننه او لاضربن عنقک قال: اذا تضربها والله قبل ذلک فإن ابيت الا ان نضربها رضيت بالله وشقيت انت قال: ادفعوا في رقبته.

ثم قال: اوقروه حديداً والقوه في السجن.

ويستمر الطبري علي سرد تلک المأساة فيروي لنا قصة شهادة الزور الکبري التي لفقتها حکام المسلمين آنذاک علي هؤلاء النفر من المسلمين.

«هذا ما شهد عليه ابو بردة بن ابي موسي لله رب العالمين شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة.

وجمع اليه الجموع يدعوهم الي نکث البيعة وخلع امير المؤمنين معاوية وکفر بالله عز وجل کفرة صلعاء. فقال زياد:

علي مثل هذه الشهادة فاشهدوا، أما والله لاجدن علي قطع خيط عنق الخائن الاحمق.

فشهد رؤوس الارباع علي مثل شهادته وکانوا اربعة.

ثم إن زياداً دعا الناس فقال: اشهدوا علي مثل شهادة رؤوس الارباع.

فقرأ عليهم الکتاب فقال اول الناس عناق بن سرجيل بن ابي دهم التيمي فقال: زياد: أبدأوا بأسامي قريش ثم اکتبوا اسم عناق في الشهود ومن نعرفه ويعرفه امير المؤمنين.

فشهد إسحق بن طلحة بن عبيد الله، وموسي بن طلحة، واسماعيل بن طلحة والمنذر بن الزبير، وعمارة بن عقبة بن ابي معيط، وعبدالرحمن بن هناد، وعمر ابن سعد بن ابي وقاص، وعامر بن مسعود بن امية، ومحرز بن ربيعة بن عبدالعزي

[صفحه 202]

ابن عبدشمس، وعبيد الله بن مسلم بن شعبة الحضرمي، وعناق بن شرجيل بن ابي دهم ووائل بن حجر الحضرمي، وکثير بن شهاب ابن حصين الحارثي وقطن ابن عبدالله بن حصين والسري بن وقاص الحارثي.

وکتبت شهادته وهو غائب في عمله ـ والسائب بن الاقرع الثقفي وشبث ابن ربعي وعبدالله بن ابي عقيل الثقفي، ومصقلة بن هبيرة الشيباني والقعقاع بن شور الدهلي، وشداد بن المنذر بن الحارث بن وغلة الذهلي.. وحجار بن ابجر العجلي، وعمرو بن الحجاج الزبيدي، ولبيد بن عطارد التميمي، ومحمد بن عمير ابن عطارد التميمي، وسويد بن عبدالرحمن التميمي واسماء بن خارجة القزاري، وشمر بن ذي الجوشن العامري وشداد ومروان ابنا الهيثم الهلاليان، ومحصن ابن ثعلبة بن عائدة القرشي، والهيتم بن الاسود النخعي ـ وکان يعتذر اليهم ـ وعبدالرحمن بن قيس الاسدي، والحارث وشداد ابنا الازمع الهمدانيان وکريب بن سلمة بن يزيد الجعفي، وعبدالرحمن بن ابي سبرة الجعفي، وزحر بن قيس الجعفي، وقدامة بن العجلان الازدي، وعزرة بن عزة الاحمس.

وکتبت شهادة هؤلاء الشهود في صحيفة ثم دفعها زياد الي وائل بن حجر الحضرمي وکثير بن شهاب الحارثي، وبعثهما عليهم، وامرهما ان يخرجا بهم.

وکتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هاني الحارثي.

فأما شريح القاضي فقال:

سألني عن حجر فأخبرته أنه کان صواماً قواماً.

وأما شريح بن هاني الحارثي فکان يقول:

ما شهدت ولقد بلغني ان قد کتبت شهادتي فأکذبته ولمته.. فمضوا بهم حتي انتهوا الي الغريين فلحقهم شريح بن هاني معه کتاب.

فقال لکثير: بلغ کتابي هذا أمير المؤمنين.

[صفحه 203]

ودفع وائل بن حجر کتاب شريح بن هاني فقرأه فإذا به: أما بعد فإنه بلغني أن زياداً کتب اليک بشهادتي علي حجر بن عدي وان شهادتي علي حجر انه ممن يقيم الصلاة ويؤتي الزکاة ويديم الحج والعمرة ويأمر بالمعروف وينهي عن المنکر حرام الدم والمال».

وأما من قتل من أصحاب حجر فهم کما يقول الطبري:

«حجر بن عدي وشريک بن شداد الحضرمي، وصيفي بن فسيل الشيباني، وقبيصة ابن ضبيعة العبسي، ومحرز بن شهاب السعدي ثم المنقري، وکدام بن حيان العنزي وعبدالرحمن بن حسان العنزي الذي رد الي زياد فدفن حياً»[3] .

وقد رثت هند بنت زيد بن مخرمة الانصارية حجراً:



ترفع أيـها الـقمـر الـمنيـر
تبصر هل تـري حـجراً يسير


يسير الي مـعاوية بن حـرب
ليقتله کمـا زعــم الأميــر


ألا يا حجر حجـر بـن عدي
توقتـک السلامـة والســرور


أخاف عليـک مـا أرضي عديا
وشيخاً في دمشـق لـه زئيـر


يري قتل الخيار عليـه حـقاً
له من شــر أمتـه وزيــر


وهکذا انتهت، علي ما يقول الدکتور طه حسين[4] :

«هذه المأساة المنکرة التي استباح فيها أمير من أمراء المسلمين ان يعاقب الناس علي معارضة لا إثم فيها، وأن يکره وجوه الناس واشرافهم علي ان يشهدوا عليهم زوراً وبهتاناً، وان يکتب شهادة القاضي علي غير علم منه ولا رضا...

استباح أمير من امراء المسلمين لنفسه هذا الإثم، واستحل هذه البدع واستباح إمام من ائمة المسلمين ان يقضي بالموت علي نفر من الذين عصم الله دماءهم، دون ان يراهم او يسمع لهم او يأذن لهم في الدفاع عن انفسهم».

[صفحه 204]



صفحه 200، 201، 202، 203، 204.





  1. الکامل في التاريخ 3 / 233 ـ 239.
  2. تاريخ الامم والملوک 6 / 149 ـ 155.
  3. تاريخ الامم والملوک 6 / 155.
  4. الفتنة الکبري. علي وبنوه ص 243.