تحليل لسياسته العامة











تحليل لسياسته العامة



أعلم أن قوماً ممن لم يعرفوا حقيقة فضل علي بن ابي طالب، زعموا: أن عمر ابن الخطاب کان أسوس منه، وإن کان هو أعلم من عمر، وصرح بذلک أبو علي ابن سينا: وعلي بن ابي طالب کان مقيداً بقيود الشريعة مدفوعاً الي اتباعها.

ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والکيد والتدبير اذا لم يکن للشرع موافقاً.

فلم تکن قاعدته في خلافته قاعدة غيره ممن يلتزم بذلک، ولسنا ـ بهذا القول ـ زارين علي عمر.. ولکن عمر کان مجتهداً يعمل بالقياس..

ويري تخصيص عمومات النص بالآراء والاستنباط من أصول تقضي خلاف ما يقتضيه عموم النص، ويکيد خصمه ويأمر أمراءه بالکيد والحيلة، ويؤدب بالدرة والسوط ـ من يغلب علي ظنه أنه يستوجب ذلک، ويصفح عن آخرين قد اجترموا ما يستحقون به التأديب.

ولم يکن علي يري ذلک، وکان يقف مع النصوص لا يتعداها الي الاجتهاد والاقيسة، ويطبق امور الدنيا علي أمور الدين ويسوق الکل مساقاً واحداً.

ولا يرفع ولا يضع إلا بالکتاب والنص..

ولم يکن يري مخالفة الشرع لاجل السياسة سواء اکانت سياسته دينية ام دنيوية.

أما الدنيوية: فنحو أن يتوهم الإمام في انسان أنه يروم فساد خلافته من غير ان يثبت ذلک عليه يقيناً.

فإن علياً لم يکن يستحل قتله ولا حبسه ولا يعمل بالتوهم وبالقول غير المحقق.

وأما الدينية: فنحو ضرب المتهم بالسرقة فإنه لم يکن يعمل به بل يقول: أن يثبت عليه بإقرار أو بينة أقمت عليه الحد والا لم اعترضه.

[صفحه 192]

... واذا کان مذهبه ما قلناه وکان معاوية عنده فاسقاً وقد سبق عنده مقدمة اخري ويقينية هي: ان استعمال الفاسق لا يجوز، ولم يکن ممن يري تمهيد قاعدة الخلافة بمخالفة الشريعة فقد تعين مجاهرته بالعزل، وإن أفضي ذلک الي الحرب.. وجواب ـ علي الاعتراض علي عزله معاوية ـ وهو: أنا علمنا أن الاحداث التي نقمت علي عثمان.. توليته معاوية الشام مع ماظهر من جوره وعدوانه ومخالفته احکام الدين.. وقد خوطب عثمان في ذلک فاعتذر..

فلو أن علياً فتح عقد الخلافة له بتوليته معاوية الشام واقراره فيه أليس کان يبتدي.

أول أمره بما انتهي اليه عثمان في آخره؟..

ولو کان اقراره معاوية في حکم الشريعة سائغاً والوزر فيه مأموناً لکان غلطاً قبيحاً في السياسة وسبباً قرباً للعصيان والخالفة. ولم يکن يمکن علياً ان يقول للمسلمين.

إن حقيقة رأيي هي: عزل معاوية عند استقرار الامر وطاعة الجمهور.

وإن قصدي ـ بإقراره علي الولاية ـ مخادعته وتعجل طاعته.. لان اظهاره لهذا العزم کان يتصل خبره بمعاوية فيفسد التدبير الذي شرع فيه..

ومما اعترض علي علي به: أنه ترک طلحة والزبير حتي خرجا الي مکة وأذن لهما في العمرة، وظهر عنه الرأي في ارتباطهما قبله ومنعهما من البعد عنه ـ في عهد عمر ـ.

وقد روي عن عليّ أنه قال لهما ـ.

والله ما تريدان العمرة وانما تريدان الغدرة وخوفهما بالله من التسرع الي الفتنة.

وأخذ عليهما عهد الله وميثاقه في الرجوع الي المدينة؛ وما کان يجوز له ـ في الشرع ان يحبسهما، ولا في السياسة، فلإنه لو اظهر التهمة لهما ـ وهما من افاضل السابقين وجلة المهاجرين ـ لکان في ذلک من التنفير عنه ما لا يخفي ومن الطعن عليه ما هو معلوم..

[صفحه 193]

لاسيما وأن طلحة کان اول من بايعه. والزبير لم يزل مشتهراً بنصرته»[1] .



صفحه 192، 193.





  1. ابن أبي الحديد «شرح نهج البلاغة» 2 / 573 ـ 583.