الناكثون











الناکثون



اشترک طلحة، والزبير، وعائشة في تأليب المسلمين علي عثمان، کما ساهم کل منهم بقلبه ولسانه في قتل الخليفة علي الشکل الذي وصفناه.

وکان اشد الثلاثه وطأة علي عثمان الزبير بن العوام، واخفهم طلحة بن عبيد الله. هذا مع العلم بأن عثمان کان يقول عن طلحة ـ وهو اخفهم وطأة عليه کما ذکرنا:

«ويلي من طلحة! اعطيته کذا ذهبا وهو يروم دمي... اللهم لا تمتعه به ولقه عواقب بغيه»[1] .

ويلوح للباحث ان طلحة قد تظاهر بالمطالبة بدم عثمان ـ في اوائل خلافة الامام ـ وهو ادري من غيره بقتلة الرجل وبالدور الذي لعبه هو ـ والزبير وعائشة ـ في هذا الشأن ليغالط الناس ويوهمهم «انه بريء من دمه. فلقد قال علي لطلحة وعثمان محصور:

انشدک الله الا رددت الناس عن عثمان؟ قال طلحة:

لا والله حتي تعطي بنو امية الحق من انفسها.

ويروي الطبري: ان عثمان کان له علي طلحة خمسون الفاً. فخرج عثمان يوماً الي المسجد فقال له طلحة: قد تهيأ مالک فأقبضه» فقال: هو لک يا ابا محمد معونة لک علي مروءتک.

قال: فکان عثمان يقول وهو محصور: جزاء سنمار.

وروي المدائني في کتاب «مقتل عثمان»: أن طلحة منع من دفنه ثلاثة ايام. وان حکيم بن حزام... وجبير بن مطعم. استنجدوا بعلي علي دفنه، فأقعد طلحة

[صفحه 136]

لهما في الطريق ناساً بالحجارة»[2] ولم يکن طلحة علي مايقول الدکتور طه حسين: «ليخفي ميله مع الثائرين ولا تحريضه لهم ولا اطماع فريق منهم في نفسه. وکثيرا ماشکا منه عثمان في السر والجهر.

والرواة يتحدثون بأنه استعان عليه بعلي نفسه، وبأن عليا استجاب له فذهب الي طلحة ورأي عنده جماعة ضخمة من الثائرين. وحاول ان يرده عن خطته تلک فلم يستجب له طلحة»[3] .

واما عائشة فقد مر بنا ذکر موقفها من عثمان، فقد خرجت مرارا ـ کما ذکرنا ـ بقميص النبي مؤلبة علي عثمان وقائلة.

اقتلوا نعثلا. وکثيرا ما کانت تصيح به ـ من وراء سترها ـ وهو علي المنبر؛ کما ذکرنا، تلومه علي بعض فعاله.

فقد کانت عائشة ـ والحق يقال ـ من اعظم المؤلبين علي الخليفة الثالث والمخذلين عن نصرته حتي انه حين بلغها ـ وهي في بيت الله الحرام:

ان عثمان قد انتصر علي اعدائه صرخت بأعلي صوتها.

ايقتل قوما جاءوا يطلبون الحق وينکرون الباطل.

وقد سأل سعيد بن العاص ام المؤمنين، قبل سفرها الي البصرة.

«أين تريدين يا ام المؤمنين؟ فقالت: اريد البصرة. وماذا تصنعين؟

اطلب بدم عثمان. فأجابها سعيد: ان قتلة عثمان معک يا ام المؤمنين»[4] .

وفي ضوء ما ذکرنا نستطيع ان نقول: ان ابطال حرکة الجمل کانوا قادة الثورة علي عثمان ورءوس الفتنة التي انتهت بمصرع ثالث الخلفاء الراشدين.

[صفحه 137]

وقد کان هؤلاء ـ دون شک ـ عارفين حق المعرفة ـ کغيرهم من المسلمين آنذاک ـ من هم قتلة عثمان؟

تري لماذا البوا الناس علي علي؟!

وهل هناک عوامل خفية ـ قريبة وبعيدة ـ ساقتهم الي القيام بعصيانهم المسلح ضد النظام القائم متخذين من قميص عثمان ذريعة لذلک؟

ولماذا بايع طلحة، والزبير عليا بالخلافة؟

هل المطالبة بدم عثمان ـ ان صحت ـ تستلزم الثورة علي النظام القائم ام تتم علي اساس تقديم شکوي، من قبل اولياء عثمان الذين عينهم القرآن بصراحة في سورة الاسراء[5] ـ الي الحکومة لتجري التحقيق في ذلک وتتخذ الاجراءات القانونية بحق الذين تثبت ادانتهم؟

وما حق عائشة وطلحة والزبير ـ من الناحية الشرعية ـ بالمطالبة بدم عثمان؟ ان ولي عثمان هو ابنه عمرو؟!

وما شأن البصرة الثورة علي عثمان؟

لماذا لم يتجهوا الي مصر المؤلبة؟ وبقدر مايتعلق الامر بالسيدة عائشة نستطيع ان نقول: ان جفاء حصل بين عائشة وعلي ـ منذ عهد الرسول ايام غزوة بني المصطلق التي سنذکرها..

وهناک عامل آخر اشار اليه بعض الباحثين المحدثين[6] ملخصه:

ان السيدة عائشة وجدت علي الامام ـ من الناحية النفسية ـ فحسدته لعقمها، ولان عقب الرسول قد انحصروا في بنيه من فاطمة زوج علي، ولکي نعرض علي

[صفحه 138]

القاريء عوامل الجفاء بين السيدة عائشة وعلي بن ابي طالب نري لزاما علينا ان نترک السيدة عائشة نفسها تقص علي القاريء ملابسات الموضوع.

قالت السيدة عائشة[7] «کان رسول الله اذا اراد سفرا اقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه. فلما کانت غزوة بني المصطلق )6 هـ( اقرع بين نسائه کما کان يصنع فخرج سهمي عليهن. فخرج بي رسول الله.. فلما انتهي من سفر؟؟؟ وجه قافلاً حتي اذا کان قريباً من المدينة نزل منزلا فبات فيه بعض الليل ثم اذن في الناس بالرحيل.

فلما ارتحل الناس خرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقد لي.. فلما فرغت انسل عقدي ولا ادري.

فلما رجعت الي الرحيل ذهبت التمسه في عنقي فلم اجده.

وقد اخذ الناس في الرحيل فرجعت.. الي المکان الذي ذهبت اليه، فالتمسته حتي وجدته.. ورجعت الي المعسکر وما فيه داع ولا مجيب؛ قد انطلق الناس. فلفلفت بجلبابي ثم اضطجعت في مکاني، فوالله اني لمضطجعة اذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي ـ وقد کان تخلف عن المعسکر لبعض حاجته فلم يبت مع الناس في المعسکر ـ فلما رأي سوادي اقبل حتي وقف علي فعرفني.. ثم قرب البعير فقال: ارکبي.. فرکبت.

فانطلق سريعا يطلب الناس.. ثم قدمنا المدينة فلم امکث ان اشتکيت شکاية شديدة.. وقد انتهي الحديث الي رسول الله والي ابوي.

فأنکرت من رسول الله بعض لطفه بي. حتي وجدت في نفسي مما رأيت من جفائه عني. فقلت:

يا رسول الله لو اذنت لي فانتقلت الي امي فمرضتني، قال:

لا عليک، فانتقلت الي امي.

وجاء رسول الله فدخل علي: ودعا علي بن ابي طالب.

[صفحه 139]

فقال علي: يا رسول الله ان النساء لکثير، وانک لقادر علي ان تستخلف؛ وسل الجارية فانها تصدقک.

فدعا رسول الله بريرة يسألها.. فقام اليها علي فضربها ضربا شديداً وهو يقول:

اصدقي رسول الله... فوالله ما برح رسول الله مجلسه حتي تغشاه من الله ما يتغشاه. فسجي بثوبه ووضعت وسادة من ادم تحت رأسه.. ثم جلس فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: ابشري يا عائشة فقد انزل الله براءتک.

ثم امر بمسطح بن اثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بن جحش ـ وکانوا ممن افصح بالفاحشة ـ فضربوا حدهم».

يتضح ـ من رواية السيدة عائشة ـ انها خرجت مع النبي في مسيرة مع جيشه الي بني المصطلق، وانها اثناء رجوع القوم الي المدينة ـ شذت عن الرکب لبعض حاجتها ـ دون ان يعلم بها احد من الناس، ثم عادت الي الرکب. ولکنها تفقدت عقدها ـ اثناء عودتها ـ فلم تجده في جيدها. فعادت الي المکان الذي جاءت من عنده ـ دون ان يراها احد من الناس فعثرت علي العقد. ثم عادت الي الرکب فلم تجده. فمکثت في مکانها ـ بعد ان سار الرکب دون ان يتفقدها احد.

فمر بها صفوان ـ الذي هو الاخر ـ کما تحدثنا السيدة عائشة نفسها ـ قد شذ عن الرکب لبعض حاجته، وقد مر صفوان ـ علي رسله ـ صدفة بالمکان الذي کانت السيدة عائشة جاثمة فيه. فأرکبها علي ناقته واتجه بها نحو المدينة کي يلحق بالرکب.

وقد ارتاب بعض القوم، بما فيهم حسان بن ثابت في موضوع عائشة وصفوان فرموهما بالفاحشة... واشار علي علي النبي ـ عندما استشاره بأمرها في حضورها ـ ان يطلقها.

ومن الجدير بالذکر ـ في هذه المناسبة ـ ان البخاري في صحيحه قد نقل رواية السيدة عائشة مفصلة. والي القاريء رواية البخاري[8] .

[صفحه 140]

«قالت عائشة: کان رسول الله اذا اراد سفرا اقرع بين ازواجه فأيهن خرج سهمها خرج بها رسول الله معه. قالت عائشة:

فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي. فخرجت مع رسول الله.. فسرنا حتي اذا فرغ رسول الله من غزوته تلک ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل. فقمت ـ حين آذنوا بالرحيل ـ فمشيت حتي جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت الي رحلي فلمست صدري فاذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه. قالت:

واقبل الرهط الذين کانوا يرحلونني فاحتملوا هودجي فرحلوه علي بعيري الذي کنت ارکب عليه وهم يحسبون اني فيه.

وکان النساء آنذاک خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم، انما يأکل الملعقة من الطعام فلم يستنکر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه.

وکنت جارية حديثة السن.. ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش.

فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولامجيب. فتيممت منزلي الذي کنت به.

فبينما انا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت

وکان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذکواني من وراء الجيش. فأصبح عند منزلي. فرأي سواد انسان نائم فعرفني، وکان رآني قبل نزول آية الحجاب. فاستيقظت باسترجاعه.. وهوي حتي اناخ راحلته فوطيء علي يدها.

فقمت اليها فرکبتها. فانطلق يقودها». اي ان السيدة عائشة ـ حسب رواية البخاري ـ شذت عن الجيش لبعض شأنها في اللحظة التي آذنوا بالرحيل ليلا، دون ان تخبر أحداً منهم بذلک او تطلب منهم انتظارها. وان الاشخاص الموکلين يحمل هودجها لم يشعروا بخلوه منها لان النساء آنذاک ـ جميعهن لا السيدة عائشة وحدها ـ کن نحيفات الاجسام لقلة ما يتناولنه من الطعام.

[صفحه 141]

ولأن السيدة عائشة بالذات کانت صغيرة اللسن، بالاضافة الي خفة وزن جسمها فلم يستنکروا خفة الهودج حين رفعوه وحملوه وهو خلو منها.. ثم انها نامت بعد ان يئست من القوم، وکان صفوان من وراء الجيش، فأدرکها نائمة فعرفها ـ وهو سائر في الصحراء ليلا ـ لانه کان قد رآها قبل الحجاب، اي حينما کانت سافرة قبل ان يأمرها الله بالتحجب من الرجال، فحملها صفوان علي بعيره واوصلها الي مکان امنها.

ذلک مايتصل ببعض عوامل الجفوة بين ام المؤمنين وعلي بن ابي طالب.

وهنالک عوامل اخري، غير مباشرة، تتعلق بالجفاء الذي کان بين السيدة فاطمة «بنت النبي من خديجة» وبين السيدة ام المؤمنين بنت ابي بکر.

فقد کانت السيدة عائشة تريد الاستئثار بحب النبي وتحويل ما تبقي من ذلک الحب الي ابيها بدلا من علي زوج فاطمة. ويذکر بعض الرواة[9] : ان للسيدة عائشة ـ والسيدة حفصة بنت عمر زوج النبي ـ ضلعا في تأخير جيش اسامة في عهد الرسول.

هذا بالاضافة الي العامل النفسي المتصل بحرمان السيدة عائشة من النسل کما اشار الي ذلک الدکتور طه حسين، والاستاذ عبدالفتاح عبدالمقصود.

اما مايتصل بموقف الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله تجاه امام زمانهما فيمکننا ان نکشف عوامله القريبة والبعيدة بسهولة ويسر.

فقد کان کل من طلحة والزبير راغبا في الخلافة منذ زمن ليس بالقصير وقد مر بنا ترشيح عمر لها في رهط الشوري. فلما انتقلت الخلافة الي عثمان حاول الرجلان ـ في صدر خلافته ـ ان ينتفعا به الي اقصي حدود الانتفاع.

وعندما رأي الرجلان تأزم الاحوال العامة علي الخليفة ساهما في ذلک الي حد کبير علي الشکل الذي وصفناه ظنا منهما ان الامر ـ بعد اندحار عثمان ـ سوف ـ

[صفحه 142]

لاينتقل لعلي ـ غير ان انتقال الخلافة للامام قد راعهما. فبايعاه علي مضض. ثم سألاه عن ولايتي الکوفة والبصرة فلم يجبهما.

يضاف الي ذلک ان موقف الامام الشديد في تطبيق مباديء الدين کان هو الآخر من اقوي عوامل انتقاض الرجلين علي الخليفة. فلکل منهما مصالح مرکزة في جسم الدولة.

ويلوح للباحث ان طلحة والزبير کانا قد اعتادا علي الاستئثار ببعض الموارد العامة بعد وفاة الرسول.

وقد مر بنا ذکر بعض ما وصلهما به عثمان.

اما ماحصلا عليه في عهد الشيخين فنذکر منه المثالين التاليين:

قال البلاذري[10] : «حدثني الحسين بن علي الاسود العجلي قال: حدثنا يحيي بن آدم، حدثنا ابو معاوية عن هشام بن عروة عن عروة قال: اقطع ابو بکر: الزبير، بين الجرف الي قناة. واخبرني المدائني قال:

قناة واد يأتي من الطائف ويصب الي الارحضية وقرقرة الکدر ثم يأتي سد معاوية ثم يمر علي طرف القدوم ويصب في اصل قيدر الشهداء بأحد.

وحدثني الحسين بن علي العجلي قال: حدثنا حفص بن عتاب عن هشام بن عروة قال: خرج عمر يقطع الناس، وخرج معه الزبير، فجعل عمر يقطع حتي مر بالعقيق. فقال اين المستقطعون؟.. ما مررت بقطعة اجود منها.

فقال الزبير: اقطعنيها. فأقطعه اياها «.

فلا عجب ان رأي الزبير وطلحة في قميص عثمان ضالتهما المنشودة للانقضاض علي الامام.

وقد روي احد المؤرخين[11] ملابسات الموقف بين علي من جهة وطلحة والزبير

[صفحه 143]

من جهة اخري حين قال: «ارسل طلحة والزبير الي علي ـ قبل خروجهما الي مکة ـ محمد بن طلحة يقولان: اننا اصلحنا لک الامر ووطدنا لک الامرة، واجلبنا علي عثمان حتي قتل. فلما طلبک الناس لامرهم جئنا واسرعنا اليک وبايعناک وقدنا اليک اعناق العرب، ووطيء المهاجرون والانصار اعقابنا في بيعتک. حتي اذا ملکت عنانک استبددت برأيک عنا ورفضتنا رفض التريکة واذللتنا ذل الاماء.

فلما جاء محمد بن طلحة ابلغه ذلک. فقال: اذهب اليهما فقل لهما: فما الذي يرضيکما، فذهب وجاء فقال: انهما يقولان: ول احدنا البصرة، والآخر الکوفة. فقال:

لها الله!! اذن يحکم الاديم ويستشري الفساد، وتنتقض علي البلاد من اقطارها.

والله اني لا آمنهما وهما عندي بالمدينة فکيف آمنهما وقد وليتهما العراقين!. فاستأذناه في الخروج الي مکة للعمرة. فأذن لهما بعد ان احلفهما الا ينقضا بيعته ولايغدرا به، ولا يشقا عصا المسلمين ولايوقعا الفرقة بينهم، وان يعودا بعد العمرة الي بيوتهما فحلفا علي ذلک کله. ثم خرجا ففعلا ما فعلا.

وکان الامام قد خاطبهما ـ قبل خروجهما الي مکة ـ فقال:

الا تخبراني اي شيء کان لکما فيه حق حتي دفعتکما عنه؟ ام اي قسم استأثرت عليکما به؟ ام اي حق رفعه الي احد من المسلمين ضعفت عنه ام جهلته ام اخطأت بابه؟ والله ما کانت لي في الخلافة رغبة، ولافي الولاية اربة. ولکنکم دعوتموني وجملتموني عليها. فلما افضت الي نظرت الي کتاب الله وما وضع لنا وامرنا بالحکم به فاتبعته. وما استن النبي فافتديته.

فلم احتج في ذلک الي رأيکما ولا رأي غيرکما.

ولو وقع حکم جهلته فأستشيرکما».

وقد وصف الامام فتنة طلحة والزبير واعوانهما بقوله:

[صفحه 144]

«والله ما انکروا علي منکرا، ولا جعلوا بيني وبينه نصفا، وانهم ليطلبون حقا هم ترکوه... ودما هم سفکوه،[12] .

خرج الزبير وطلحة وعائشة يريدون البصرة مدعين بأنهم يطالبون بدم عثمان. وقد ارتکبوا ـ بعملهم هذا. کما سلف ان ذکرنا جملة اخطاء من الناحية الدينية والزمنية، فليس من حقهم ان يطالبوا بدم عثمان لانهم ليسوا اولياءه الذين اجازت لهم الشريعة الاسلامية ان يطالبوا بذلک.

ان وليه ـ کما ذکرنا ـ ابنه عمرو. وانهم اتبعوا اسلوبا فظا للتوصل الي مازعموا انهم يسعون اليه بدلا من ان يرفعوا ـ اذا جاز لهم ذلک ـ طلبهم الي الخليفة الذي له وحده الحق ـ بحکم کونه خليفة المسلمين ـ في اجراء التحقيق وانزال العقوبة بالجناة.

وانهم ارتکبوا من الافعال البشعة ومن القتل، والنهب والاعتداء ـ کما سنري ـ ما يتضاءل دونه بمراحل مصرع الخليفة الذبيح علي اهميته، ومالا تجيزه الشريعة السمحاء ومباديء الشرف والاخلاق.

وانهم قصدوا البصرة ـ دون مصر ـ للبحث عن القاتلين.

وان السيدة عائشة بالذات لايجوز لها ان تساهم في مثل هذه الامور، وقد اوصاها الله ان تقر في بيتها[13] .

[صفحه 145]

ثم هل يجوز شرعا ان تعالج فتنة باثارة فتنة اغلظ منها؟ وقد حصل ذلک کله مع علم الثائرين ان الامام نفسه بريء من دم عثمان براءة الذئب من دم ابن يعقوب.[14] .

يضاف الي ذلک ان الامام ـ في سياسته العامة ـ لم يتجه اطلاقا الي الاستعانة بالذين ثاروا علي عثمان او تقريبهم او الاعتماد عليهم في الادارة او المال.[15] .

فلا غرو ان رأينا اولئک الثوار قد نقموا عليه، کما نقموا علي عثمان من قبله «مع فرق کبير في عوامل تلک النقمة في الحالتين». فقد نقموا علي عثمان: خروجه في سياسته العامة علي مباديء الدين، ونقموا علي علي: تقيده ـ في سياسته العامة ـ بمباديء الدين.

لذلک نجد الامام لم يقربهم اليه او يعين بعضهم في القضاء اوالامارة او الادارة

وقد اصبح الوضع الجديد اشد وطأة عليهم منه في عهد عثمان.

اي ان الامام، بعبارة اخري، قد ارتقي منبر النبي بعد ثورة لم يساهم فيها.

اي انه اقتطف ثمار ثورة لم يقتطفها الذين قاموا بها. يضاف الي ذلک ان الثوار اخذوا يشعرون بأن الامام سوف يقتص من قتلة عثمان بعد حصول البينة عنده.

وطلحة، والزبير، وعائشة يعرفون ذلک حق المعرفة. وعلي نفسه عارف بأنهم عارفون به.

ومهما يکن من شيء فقد خرج الناکثون ـ وعلي رأسهم طلحة وابن الزبير وبنت ابي بکر ـ من مکة يريدون البصرة. ومرت ابلهم ـ في طريقها علي ماء الحوأب[16] » فنبحتهم کلابه. فنفرت صعاب ابلهم.

فقال قائل منهم: لعن الله الحوأب فما اکثر کلابها!!

فلما سمعت عائشة قالت:

ردوني... اني سمعت رسول الله يقول:

کأني بکلاب الحوأب قد نبحت بعض نسائي ثم قال: اياک ياحميراء ان تکونيها...

[صفحه 146]

فقال الزبير لعائشة: مهلا فانا قد جزنا ماء الحوأب.. فلفق لها الزبير وطلحة خمسين اعرابيا شهدوا بذلک. فکانت هذه اول شهادة زور في الاسلام.. وکتب علي عثمان بن حنيف واليه في البصرة: اما بعد فان البغاة عاهدوا الله ثم نکثوا[17] .

فاذا قدموا عليک فادعهم الي الطاعة... فان اجابوا فأحسن جوارهم.

فلما وصل الکتاب ارسل عثمان بن حنيف ابا الاسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعي، فانطلقا. فدخلا علي عائشة ووعظاها.. فقالت: القيا طلحة والزبير... فقاما من عندها ولقيا: الزبير فکلماه، فقال لهما: اننا جئنا للطلب بدم عثمان... فقالا له: ان عثمان لم يقتل بالبصرة ليطلب بدمه فيها، وانت تعلم من هم قتلته واين هم، وانک وصاحبک وعائشة کنتم اشد الناس عليه واعظمهم اغراء بدمه... وقد بايعتم عليا طائعين.. فقال لهما.. اذهبا فالقيا طلحة.

فقاما الي طلحة فوجداه خشن الملمس.. في اثارة الفتنة واضرام نار الحرب.

وأتي طلحة والزبير عبدالله بن حکيم التميمي فأتي بکتب کان کتباها اليه، فقال لطلحة: أما هذه کتبک الينا؟ قال: بلي.

قال: فکتبت امس تدعونا الي خلع عثمان وقتله، حتي اذا قتلته اتيتنا ثائراً بدمه.

وخرج عثمان بن حنيف الي طلحة والزبير في اصحابه فناشدهما الله والاسلام وذکرهما بيعتها لعلي... فقالا نطلب بدم عثمان، فقال لهما: ما انتما وذاک؟ أين بنوه... الذين احق منکم؟ فشتماه شتما قبيحا..

ثم کتب الطرفان کتاباً للصلح... الي ان يقدم الخليفة... فمکثوا کذلک اياما.

ثم ان طلحة والزبير... اجتمعا علي مراسلة القبائل واستمالة العرب... فبايعهم علي ذلک الازد، وضبة، وقيس بن غيلان... وبنو عمرو بن تميم، وبنو حنظلة... وبنو دارم کلهم الا نفرا من بني مجاشع ذووي دين وفضل.

[صفحه 147]

فلما استوثق لطلحة والزبير امرهما، خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما اصحابهما قد البسوهم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب. فانتهوا الي المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف اليه واقيمت الصلاة فتقدم عثمان ليصلي بهم فأخره اصحاب طلحة والزبير، وقدموا الزبير، فجاءت السيابجة[18] فأخروا الزبير وقدموا عثمان بن محنيف، فغلبهم أصحاب الزبير فقدموا الزبير وأخروا عثمان، فلم يزالوا کذلک حتي کادت الشمس تطلع، وصاح بهم: المسجد.. فغلب الزبير فصلي بالناس.

فلما انصرف من صلاته صاح بأصحابه المسلمين: ان خذوا عثمان بن حنيف، فأخذوا وضربوه ضرب الموت، ونتف حاجباه واشفار عينيه وشعر رأسه ووجهه واخذوا السيابجة... فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف الي عائشة.. فأمرت بذبح السيابجة، فکان غدر طلحة والزبير بعثمان بن حنيف اول غدر کان في الاسلام»[19] .

ويجمل بنا ـ اکمالا للبحث في هذه النقطة ـ أن ننقل للقاريء قصة الناکثين کما رواها ابن الاثير[20] :

«خرجت عائشة الي مکة وعثمان محصور، ثم خرجت من مکة تريد المدينة، فلما کانت بسرف[21] لقيها رجل من اخوالها من بني ليث يقال له: عبيد الله بن ابي سلمة ـ وهو ابن أم کلاب ـ فقالت له: مهيم؟ قال: قتل عثمان وبقوا ثمانيا.. قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: اجتمعوا علي بيعة علي فقالت:

ليت هذه انطبقت علي هذه.. ردوني.. فانصرفت الي مکة تقول: قتل عثمان.

[صفحه 148]

مظلوما[22] ، فقال لها عبيد الله بن ابي سلمة:

ان اول من امال حرفه لأنت، ولقد کنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد کفر.


فمنک البداء ومـنـک الغيـر
ومنک الريـاح ومنـک المطر


وأنت أمـرت بقتـل الامام
وقلت لـنا: انـه قد کـفر


فهبنا اطعنـاک في قتـلـه
وقـاتله عندنا من أمــر


فانصرفت الي مکة فقصدت الحجر فتسترت فيه، فاجتمع الناس حولها، فقالت: ايها الناس ان الغوغاء من اهل الامصار.. سفکوا الدم الحرام.. والله لاصبع عثمان خير من طباق الارض.

وقدم عليهم عبدالله بن عامر من البصرة بمال کثير، ويعلي بن امية ـ بن منية ـ من اليمن فلقيا عائشة، فاستقام الرأي علي البصرة، وکان ازواج النبي مع عائشة علي قصد المدينة، فلما تغير رأيها الي البصرة ترکن ذلک.

وخرجت عائشة ومن معها من مکة، فلما خرجوا منها اذن مروان بن الحکم

ثم جاء طلحة والزبير وقال: علي ايکما اسلم بالامرة، فقال عبدالله بن الزبير علي ابي، وقال محمد بن طلحة علي ابي، فأرسلت عائشة الي مروان وقالت له:

أتريد أن تفرق أمرنا؟ ليصل بالناس ابن أختي عبدالله بن الزبير.

وکان معاذ بن عبدالله يقول: والله لو ظفرنا لاقتتلنا، ماکان الزبير يترک طلحة والامر، ولا کان طلحة يترک الزبير والامر.. فلما بلغوا ذات عرق لقي سعيد بن العاص مروان بن الحکم واصحابه بها فقال: أين تذهبون وتترکون ثأرکم علي اعجاز الابل وراءکم؟ يعني عائشة، وطلحة والزبير، اقتلوهم ثم ارجعوا الي منازلکم.

[صفحه 149]

ثم خلا بطلحة والزبير فقال: ان ظفرتما لمن تجعلان الامر؟ ومضي القوم، ومروا بماء الحوأب فنبحتهم کلابه، فأتوا الحفير.

ولما بلغ ذلک اهل البصرة دعا عثمان بن حنيف عمران بن الحصين، وابا الاسود الدؤلي وقال لهما: انطلقا الي هذه المرأة فاعلما علمها وعلم من معها.

فخرجا: فأتيا اليها بالحفير، فأذنت لهما فدخلا وسلما، وسألاها عن سبب خروجها.

فقالت: المطالبة بدم عثمان... فأتيا طلحة... فقال: المطالبة بدم عثمان، فأتيا الزبير وقال لهما: مثل قول طلحة، فرجعا الي عثمان بن حنيف وأخبراه...

واقبلت عائشة فيمن معها حتي انتهوا الي المربد... فتکلم طلحة بالناس وذکر عثمان وفضله... ودعا الي الطلب بدمه وحثهم علي الاخذ به.

وکذا فعل الزبير، وعائشة... واقبل جارية بن قدامة السعدي وقال: يا أم المؤمنين:

والله لقتل عثمان اهون من خروجک من بيتک... وقد کان لک من الله ستر وحرمة فهتکت سترک وابحت حرمتک...

وخرج غلام شاب من بني سعد الي طلحة والزبير وقال: هل جئتما بنسائکما؟


صنـتم حلائلکم وقدتم امـکم
ذا لـعمرک قلة الانصـاف


أمرت بـجر ذيولها في بيتها
فهوت تشق البيد بالايجـاف


غرضا يقـاتل دونها ابناؤها
بالنيـل والخطي والاسيـاف


تکت بطلحة والزبير ستورها
ذا الـمخبر عنهم والکـاف


ـ وجرت بين الطرفين مناوشات باللسان وبالسيف ـ

ثم کتبا کتابا للصلح وتهادنا.. وجاء في کتاب الصلح:

هذا ما اصطلح عليه طلحة والزبير ومن معهما... وعثمان بن حنيف ومن معه.

ان عثمان يقيم حيث ادرکه الصلح علي مافي يده، وان طلحة والزبير يقيمان

[صفحه 150]

حيث ادرکهما الصلح علي مافي ايديهما.. ولايضار واحد من الفريقين في مسجد ولا سوق ولا طريق.. ولکن طلحة والزبير جمعا رجالهما في ليلة مظلمة ذات رياح ومطر.

ثم قصد المسجد فوافقا صلاة العشاء.

فقاتلوا أصحاب عثمان بن حنيف في المسجد.. وأخذوا عثمان أسيرا.

وضربوه اربعين سوطا ونتفوا لحيته، وحاجبيه واشفار عينيه وحبسوه.

وکتبت عائشة الي زيد بن صوحان:

من عائشة أم المؤمنين حبيبة رسول الله الي ابنها الخالص زيد بن صوحان اما بعد: فان اتاک کتابي هذا فأقدم فانصرنا فان لم تفعل فخذل الناس عن علي، فکتب اليها:

اما بعد: فأنا ابنک الخالص ان اعتزلت ورجعت الي بيتک. والا فأنا اول من نابذک. وقال زيد:

رحم الله أم المؤمنين امرت ان تلزم بيتها وامرنا ان نقاتل، فترکت ما امرت به وامرتنا به وصنعت ما امرنا به ونهيتنا عنه.

وقام طلحة والزبير خطيبين يطالبان بدم عثمان.. فقال الناس لطلحة: يا ابا محمد قد کانت کتبک تأتينا بغير هذا.. ثم قام رجل من عبد قيس فقال:

يا معشر المهاجرين.. لما توفي الرسول بايعتم رجلا منکم فرضينا وسلمنا.. ثم مات واستخلف عليکم رجلا فلم تشاورونا في ذلک فرضينا وسلمنا.

فلما توفي جعل امرکم الي ستة نفر فاخترتم عثمان وبايعتموه عن غير مشورتنا

ثم انکرتم منه شيئا فقتلتموه عن غير مشورة منا.

ثم بايعتم عليا عن غير مشورة منا. فما الذي نقمتم عليه فنقاتله؟ هل استأثر بفيء؟ ام عمل بغير الحق؟ أو أتي شيئا تنکرونه؟ فنکون معکم عليه. والا فما هذا؟ فهموا بقتل ذلک الرجل فمنعته عشيرته.

فلما کان الغد وثبوا عليه وعلي من معه فقتلوا منه سبعين.

[صفحه 151]

وبقي طلحة والزبير [ بعد اخذ عثمان بن حنيف ] بالبصرة ومعهم بيت المال والحرس.

وتجهز علي الي الشام. فبينما هو کذلک اتاه الخبر عن طلحة والزبير وعائشة. فتوجه الي البصرة ووقعت الحرب وانتصر علي، فدخل البصرة... وراح الي عائشة وهي في دار عبدالله بن خلف.. وکانت صفية زوجة عبدالله مختمرة... فلما رأته کلمته بکلام غليظ. فلم يرد عليها شيئا، ودخل علي عائشة وسلم عليها وقعد عندها. ثم قال: جبهتنا صفية... فلما خرج اعادت صفية عليه قولها. فکف بغلته وقال:

هممت أن افتح هذا الباب ـ واشار الي باب في الدار ـ واقتل من فيه. وکان فيه ناس من الجرحي فأخبر علي بمکانهم فتغافل عنهم.

وکان مذهبه الا يقتل مدبرا ولا يدنف علي جريح[23] ولا يکشف سترا ولا يأخذ مالا.

ولما خرج علي... قال له رجل من أسد: والله لاتغلبنا هذه المرأة. فقال له:

لا تهتکن سترا، ولا تدخلن داراً، ولا تهيجن امرأة بأذي، وان شتمن أعراضکم وسفهن امراءکم وصلحاءکم.. ومضي فلحقه رجل فقال يا امير المؤمنين:

قام رجلان علي الباب فتناولا من هو امض شتما لک من صفية. قال:

ويلک لعلها عائشة! قال نعم، فبعث القعقاع بن عمرو الي الباب فأقبل بمن کان عليه فأحالوا علي رجلين من ازد الکوفة وهما: عجلان، وسعد، ابنا عبدالله، فضربهما مئة سوط واخرجهما من ثيابهما.

ثم جهز عائشة بکل ما ينبغي لها من مرکب وزاد ومتاع وغير ذلک، وبعث معها کل من نجا ممن خرج معها الا من احب المقام، واختار لها اربعين امرأة من نساء البصرة والمعروفات.

وسير معها اخاها محمد بن ابي بکر.

[صفحه 152]

فلما کان اليوم الذي ارتحلت فيه اتاها علي فوقف لها.

وحضر الناس، فخرجت وودعتهم، وقالت:

يا بني لا يعتب بعضنا علي بعض، انه والله ما کان بيني وبين علي في القديم الا ما يکون بين المرأة وأحمائها... وشيعها علي اميالا وسرح بنيه معها يوما.

وقال عمار حين ودعها: ما ابعد هذا المسير من العهد الذي عهد اليک؟ قالت: والله انک ـ ما علمت ـ تقول الحق. قال: الحمد لله الذي قضي علي لسانک لي».

تلک هي قصة الناکثين. ولا نشک في ان القاريء قد لاحظ معنا الجرائم الکثيرة التي قاموا بها؛ ومدي صلتها بالمطالبة بدم الخليفة الذبيح. فقد لفق الزبير وطلحة خمسين شاهد زور لعائشة في ماء الحوأب.

وکانت اول شهادة زور في الاسلام، علي مايروي المؤرخون. وفي معرض التحدث عن شهادة الزور بنظر النبي يقول البخاري في صحيحه )ج 8 ص 48( بأسانيده المختلفة عن ابي بکرة قال: «قال النبي اکبر الکبائر الاشراک بالله وعقوق الوالدين وشهادة الزور ثلاثاً اقولها، او اقول شهادة الزور.

فما زال يکررها، قلنا: ليته سکت!!».

علي أن أم المؤمنين ـ لو کانت جادة في امر عودتها الي المدينة قبل ان تبلغ البصرة ـ لما ثناها عن ذلک ـ برأينا ـ شهود الزور. ذلک لانهم لم ينفوا مرورهم بالحوأب وانما قالوا: انهم مروا به قبل فترة.

وقد نکث الزبير وطلحة بيعتهم لعلي، ونقضا عهدهما لعثمان بن حنيف مخالفين بذلک نص الاية الکريمة:

«وأوفوا بالعهد ان العهد کان مسئولا»

کما اعتديا علي حرمة المسجد وعلي الصلاة وقتلا السيابجة غدراً وصنعا ماصنعا بعثمان

[صفحه 153]

ابن حنيف والي البصرة، ولعل موقف الناکثين في باطلهم من عثمان بن حنيف ـ في حقه ـ يعيد الي الذاکرة ـ علي قاعدة وبضدها تتميز الاشياء ـ موقف النبي علي حقه من سهيل بن عمرو ـ وهو علي باطل ـ حين قال عمر بن الخطاب للنبي علي مايحدثنا الطبري[24] .:

«انتزع ثنيتي سهيل بن عمرو السفليين، يدلع لسانه فلا يقوم عليک خطيباً في موطن ابداً. فقال رسول الله: لا امثل به فيمثل الله بي وان کنت نبياً».

فقد امتنع الرسول الکريم عن التمثيل بأحد شيوخ المشرکين، في حين ان عائشة أم المؤمنين وطلحة والزبير قد مثلوا بأمير البصرة وهو شيخ من افاضل المسلمين دون ان يقترف ذنبا يستحق عليه العقاب اللهم الا الوقوف بوجه العصاة علي الخليفة ومن ورائه کتاب الله وسنة الرسول.

ولسنا نعلم صلة ذلک بالمطالبة بدم عثمان.

وهل: الاعتداء علي عثمان ـ بغض النظر عن مسبباته ـ اکثر فظاعة من الاعتداء علي عثمان بن حنيف واصحابه؟

ولماذا اعتدي طلحة والزبير علي مسلمي البصرة؟

هل يجيز الدين الحنيف ذلک الاعتداء من حيث المبدأ العام؟ ومن حيث الشکل الذي وقع فيه؟

ذکر الامام مسلم[25] بأسانيده المختلفة عن عبدالله بن عمرو بن العاص قال: «قال رسول الله: اربع من کن فيه کان منافقا خالصا، ومن کانت فيه خلة منهن کانت فيه خلة من نفاق حتي يدعها: اذا حدث کذب، واذا عاهد غدر، واذا وعد اخلف، واذا خاصم فجر».

[صفحه 154]

والمنافقون، کما وصفهم الله في سورة المنافقين:

«واتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ألا ساء ما کانوا يعملون»[26] .

ونحن نترک للقاريء تقدير الخلال الاخري «تزيد عن الخلال الاربع» التي اتصف بها الناکثون.

ويتجسم ذلک الموقف اذا ما وازنه القاريء بموقف الامام الکريم، في حربه وسلمه، مع خصومه وانصاره علي السواء.

[صفحه 155]



صفحه 136، 137، 138، 139، 140، 141، 142، 143، 144، 145، 146، 147، 148، 149، 150، 151، 152، 153، 154، 155.





  1. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري: علي وبنوه» ص 8.
  2. ابن ابي الحديد: «شرح نهج البلاغة» 2 / 505 و 506 الطبعة الاولي بمصر.
  3. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري، علي وبنوه» ص 8.
  4. عبدالفتاح عبدالمقصود «الامام علي بن ابي طالب» 3 / 427 و 428.
  5. «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ومن قتل مظلوما لقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل انه کان منصوراً» الاسراء: 33، بغض النظر عن شرعية القتل او عدمها.
  6. الدکتور طه حسين «الفتنة الکبري»، وعبدالفتاح عبدالمقصود: «الامام علي ابن ابي طالب».
  7. الطبري «تاريخ الامم والملوک 3 / 76 ـ 70.
  8. صحيح البخاري 3 / 154 و 156 و 5 / 55 و 56.
  9. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة».
  10. فتوح البلدان ص 26.
  11. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة» 3 / 4 ـ 9 الطبعة الاولي.
  12. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة» 2 / 403 ـ 405.
  13. في لقاء لي مع: الدکتور طه حسين عام 1965 م سألته: عن رأيه في عائشة اجاب بقوله: کان احد الاساتذة يقول: لو ادرکت عائشة لاوجعتها ضرباً حتي اقعدتها في بيتها لقوله تعالي: «وقرن في بيوتکن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولي» الاحزاب: 33. راجع کتابنا: «مع رجال الفکر في القاهرة» ص 160 / 175 الطبعة الاولي القاهرة ـ مطبعة حسان عام 1974 م. «الناشر».
  14. هذا التشبيه غير مؤدب «الناشر».
  15. وهو ماء لبني عامر بن صعصعة يقع في بادية العراق الجنوبية.
  16. ويذکر التاريخ ان الامام استعان علي جملة منهم کعمار بن ياسر ومحمد بن ابي بکر ومالک الاشتر وغيرهم «الناشر».
  17. يشير الي بيعة الزبير وطلحة له، ثم نکوصهما عن ذلک، والي عهدهما له حين خرجا للعمرة من المدينة لمکة ـ بالرجوع الي المدينة وخرقهما لذلک العهد.
  18. وهم: الشرطة حرس بيت المال، وهم قوم من السند کانوا بالبصرة جلاوزة وحرس سجون.
  19. ابن ابي الحديد «شرح نهج البلاغة» 2 / 497 ـ 501.
  20. الکامل في التاريخ: 5 / 105 ـ 133.
  21. موقع بين مکة والمدينة.
  22. لابد ان القاريء قد لاحظ ان السيدة عائشة لم تعلق بشيء حين سمعت بمقتل عثمان، ولکنها ثارت لمجرد سماعها باجماع المسلمين علي بيعة علي فطلبت ان يردوها الي مکة واصبح عثمان مظلوما بنظرها.
  23. يدنف: اي مجهز عليه بالقال. «الناشر».
  24. تاريخ الامم والملوک 2 / 289.
  25. صحيح مسلم 1 / 42.
  26. المنافقين: 2.