كلمة مجلة المسلم و جريدة المساء القاهرية











کلمة مجلة المسلم و جريدة المساء القاهرية



حول کتاب: «علي ومنائوه»

في رحلتي الي القاهرة عام 1394 هـ موافق 1974 م لنشر کتابي «مع رجال الفکر في القاهرة» کنت قد راجعت کتاب: «علي ومناوئوه» للدکتور نوري جعفر وعلقت عليه في الهامش بعض التعاليق التي کان يجب التنبيه عليها والاشارة اليها وکنت اهملتها في الطبعة الثانية لضيق الوقت آنذاک وهذه الطبعة هي الطبعة الثالثة کما تجدها کاملة والحمد لله.

وقد نشرت مجلة المسلم الغراء في عددها الرابع في السنة الخامسة والعشرين الصادر في ذي القعدة عام 1394 هـ الکلمة التالية:

علي ومناوئوه:

اصدر السيد الرضوي في سلسلة مطبوعات النجاح بالقاهرة کتاب: «علي ومناوئوه» للدکتور نوري جعفر بتقديم الاستاذ عبدالهادي مسعود وبتعليق السيد مرتضي الرضوي، وهو حديث مفصل عن الفتنة الکبري بين علي ومعاوية بتحقيق حديث في نحو مائتي صفحة من القطع الکبير، وطباعة فيها عناية واضحة، واهتمام بالغ.

وقد نشرة جريدة المساء القاهرية في عددها الصادر يوم السبت 28 ديسمبر عام 1974 م الکلمة التالية:

مکتبة النجاح في طهران اصدرت بحثا تاريخيا عن الامام علي ـ رضي الله تعالي عنه في تعليق السيد مرتضي الرضوي وتقديم العالم الاسلامي المصري عبدالهادي مسعود.

الکتاب في مائتي صفحة ويتناول تاريخ صدور الاسلام، وما کان بين رجال الشوري واهل الحل والعقد بعد وفاة الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ ويعرض لنا المؤلف خاصة ما دار من حروب بين علي ومعاوية وبين اهل العراق واهل الشام وما کان من مقتل علي وتولي معاوية للخلافة من بعده فانتقل نظام الحکم في الاسلام من الشوري والاجماع الي حکم السيف والقوة، والاستبداد.

مرتضي الحاج سيد محمد الرضوي

[صفحه 5]

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد کان من واجبي ان اعترف علي نفسي بالتقصير او القصور، اذ کتبت ترجمات عديدة عن شخصيات اوربية او اجنبية ولم اتمکن من الکتابة عن عظماء التاريخ الاسلامي، وعلي رأس هؤلاء الامام علي عليه السلام.

ولم يکن بد ـ کما يحدث غالبا ـ ان القي بظلال هذا العتاب علي الظروف والملابسات التي مرت ولاتزال تمر بي لأدفع عن نفسي هذا القصور والتقصير امام جمهور احبه کل الحب ـ بل احبه الي حد العشق ـ وهو جمهور القارئين في الاقطار العربية والاسلامية الشقيقية.

وتقدم الي الاستاذ مرتضي الرضوي لاکتب مقدمة لکتاب الدکتور نوري جعفر: «علي ومناوئوه»، وکان ذلک في منتصف شهر شعبان 1394 هـ الموافق اواخر الشهر الثامن اغسطس 1974 م، فقلت مالنا ومناوئيه ولست منهم ولاشک ايها القاريء الکريم، کما وانني لست منهم علي التحقيق، ولقد اقبل الموسم القضائي ـ ايها الصديق المرتضي ـ ولنا فيه معارک علي ساحة مجلس الدولة، مما قد يشغلنا عن کثير مما يتوجب بذل الجهد والوقت فيه من قضايا الفکر والعقيدة والايمان.

کنت اتوق الي الکتابة عن الامام عاي بن ابي طالب ـ منذ امد بعيد ـ وهو اول فتي في الاسلام وفارس فرسانه، وکنت ولازلت اتوق لان تکون الکتابة عنه تمهيدا لي وتمهيدا للقراء ان اکتب عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم.

[صفحه 6]

والکتابة عن امير المؤمنين علي بن ابي طالب کتابة عن الايمان وکتابة عن الحکم الاسلامي في ظل الايمان، وکتابة عن الاسلامية الصحيحة، ودفاع عن المسلمين علي مر العصور، من حضر منهم في عهد علي عليه السلام، ومن حضر بعده او قبله، منذ نزلت الرسالة علي رسول الله محمد بن عبدالله صلي الله عليه وآله وسلم.

کان عليّ ان انتظر سانح فرصة.. لأسجل بعض ما خطر في ذهني عن هذا الرجل العظيم.

وکان علي بن ابي طالب عليه السلام کما ورد في «الاصابة»: قد اشتهر بالفروسية والشجاعة والاقدام فهل کانت شهرته قاصرة علي هذا المجال فحسب؟!

لقد اجمع الرواة ـ وتري ذلک متواترا طبقة عن طبقة ـ أن علي بن ابي طالب هو اول فتي دخل في الاسلام، وسارت الرکبان بهذا الحديث يسوقونه علي انه ميزة لعلي، بمعني انه لم يعش الجاهلية، وانما يکاد يکون مسلما ـ منذ ادرک ـ فهل کانت هذه هي ميزته فحست؟!

کان علي ابن عم الرسول الاعظم ومتبناه.

وکان علي اخا لرسول الله والرسول اخوه ـ کما يروي الرواة الثقات ـ نقلا عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم نفسه، حيثما کان يتحدث عن ابن عمه علي.

وکان بمنزلة هارون من موسي، غير انه لم يکن ثمة نبي بعد محمد بن عبدالله صلي الله عليه وآله وسلم.

وکان هو وزير النبي وخليفته من بعده[1] .

[صفحه 7]

وتلک نصوص قاطعة عن الرسول، قاطعة الدلالة علي امامة علي، فهل تکفي هذه الاشارات اللامحة للکشف عن احقيته في الامامة عليه الاسلام؟!

قال ابن مسعود في شأن الامام: «کنا نتحدث عن ان افضل اهل المدينة هو علي».

بل ان عمر نفسه کان يتعوذ من معضلة ليس لها ابوالحسن، وکان يقول: «لولا علي لهلک عمر».

وهناک جوانب اخري عديدة يجب ان نجليها لانفسنا وللعالم کله علي السواء...

لقد نقض بعض الذين بايعوا عليا، ونقضوا ما عقدوا عليه العزم وکانت الحروب بين المسلمين ان انتهي صراعها بانتصار الاقوياء، ولم تنته المعارک بانتصار الحق، اذ لو انتصر الحق لکان علي ـ عليه السلام ـ هو الحقيقة المجسدة، وکان نصره فوق کيد الکائدين، وقوة المال والسلاح، وسطوة البغي والغرض، والدهاء والاغراء.

ولأمر ما اراد الله ان تدخل دولة المسلمين في محنة کبري، ولما تستقر اصول الاسلام في نفوس الناس، ولاسرت روحه في دمائهم علي الوجه الذي کنا نظنه في اول دراسة لنا لقضية صدر الاسلام، ومن المعلوم الذي يجب ان يکون بديهة في نفوس الباحثين ان نعلم ان الاسلام هو صحوة المستقبل للعالم کله، ولم يکن ـ کما کنا نتخيل احيانا ـ دعوة الزمن الذي ظهر فيه وحده... لان اطاره المکاني هو العالم کله، والاطار الذي يتحرک من خلاله ـ من حيث الازمنة والعصور ـ هو کل الازمنة وکل العصور، منذ ظهر الرسول ـ صلوات الله عليه ـ حتي يرث الله الارض ومن عليها.

ولقد علمنا من الصراع بين علي عليه السلام وبين معاوية ان السلطة قد انتقلت الي معاوية بن ابي سفيان بن حرب... وامه هند آکلة الاکباد.. التي نهشت جسد عم الرسول حمزة عليه السلام، وفلقت رأسه.. واکلت کبده.. شفاء لحقدها علي الرسالة واهلها ـ حينذاک ـ واستبد معاوية بالناس، واحال

[صفحه 8]

الخلافة ملکا عضوضا، واستحصل من الناس ـ جبرا وقسرا ـ علي عهد لابنه «يزيد».. ونحن نعلم من هو «يزيد» وما کان عجبا ان يکون هو «يزيد» لانه وارث القسوة والفجر، ومستمد الفساد من شجرة الفساد.. والعرق دساس... ونحن لانجري الابحاث ـ مع الاسف الشديد ـ عن شجرة الرجال، واصول الرجال.

لقد عمل اليهود ـ من خلال کل الجهود ـ علي تدمير علم الانساب لتختلط العائلات ويمکن من خلال هذا الاختلاط ان يندس في وسط کل قطر من اقطار الاسلام طبقة من اليهود يدعون الاسلام ليفسدوا فيه، وکانوا يناصرون کل من يدعو للفتنة.

ولکن بنية الاسلام القوية رغم کل ما مر بها لم تتوقف عن النماء ولم يزعزع عقيدة الاسلام ما مارسه بنو امية من طغيان.

ولقد احاط المفسدون بحکام الدولة الاسلامية ليحولوا بينهم وبين کل اصلاح... محاولين ايقاع الفتنة في دولة المسلمين.

لقد قيل: ان بناء الجماعة تصدع علي عهد علي، ومن قبله کان الثائرون يحاصرون بيت عثمان، فهل قرر هذا او ذاک: مصير الاسلام والقرآن؟!

ان هذا الدين الخالد مر بهذه المحنة وبغيرها من المحن وخرج منها اقوي مما کان من قبلها. ذلک ان بنية العقيدة اقوي من ان تحطمها الرضوض والآلام.

اکلت الحروب بين علي وخصومه عددا کبيرا من المسلمين ولم يکن متوقعا ان يحدث ذلک علي وجه من الوجوه، الا ان اتساع الملک والسلطان کان يقتضي ذلک، وکان يقتضي غيره من الوان الصراع... وکانت هذه المحن ـ في رأيي ـ هي درجة الغليان التي احاطت بالدين الجديد فحفظت الشعب ان ينهار امام الحضارات المجاورة، وامام الفتوحات الوسيعة المدي، بما تحتويه من افکار جديدة، واتجاهات متعددة مختلفة الالوان والاحجام.

[صفحه 9]

ان علينا ان ندرس کل اولئک حين ندرس شخصية هذا البطل العظيم في تاريخ الاسلام علي بن ابي طالب عليه السلام.

وعلينا ان نعلم: ان انفصام عري الوحدة بين المسلمين، وتفرقهم في الآراء والمذاهب والاحزاب؛ کل ينصر رأيه بالقول وبالعمل علي رأي خصمه، وکل يصارع في سبيل عقيدته هذه او تلک بالفکرة حينا وبالسلوک احيانا، وعلينا ان ندرک ان هذا کله وغيره ليس الا دلائل صحة، لا دلائل وهن او هزيمة، وان الصراع دائما يدل علي اليقظة لا علي الموت، ما دام لا يفضي الي انشقاق في صفوف الامة، او مواجهة عدائية بين الطوائف.

وقد اکتمل الدين حينما اکتمل نزول القرآن، ولقد کان الاسلام علي عهد الرسول دعوة وفکرة ـ اکثر منه دولة وسلطانا، واذا کان النبي صلي الله عليه وآله وسلم قد اقام دولة علي اساس من التشريع القرآني، فقد کانت دولة صغيرة الحدود علي اية حال، ولکنها کانت نوية قوية، قابلة دائما علي النمو والازدهار، وبقي ان تکتمل الدولة بعد ذلک فتوسع من آفاقها وتنشر من سلطانها علي هذه الاسس السليمة، کانت نواة في مثل صلابة «الجرانيت» يحمل لواءها نفر من المؤمنين الاتقياء لا يبالون اين يکون الموت، اذ هو ـ عندهم ـ دور من ادوار الحياة، ومرحلة من مراحل الوجود، فهم لا يخشون شيئا ولا احدا ولا دولة من الدول، ولاحکومة من الحکومات، وانما يذيعون نظريتهم في مجال الفکر وفي مجال التطبيق علي السواء، وقد بدأ صفوة المسلمين ـ وعلي رأسهم ـ علي عليه السلام يتوقون الي بناء الدولة الوليدة، علي اساس من النظرية والعقيدة، واختلفت الآراء بين الصفوة وبين عامة من المسلمين، ممن لم تتدخل العقيدة في مسري دمائهم...

کانت الدولة وليدة في المهد، وقد تعرض والوليد لکل ما يتعرض له الوليد من محن تکبر في عينه هو، وان صغرت في عين الزمن، الذي اثبت دائما ان البقاء للاصلح، وان الخلود للايمان.

[صفحه 10]

مرت دولة المسلمين في محنة کبري فآذت المحنة دولتهم، ولم تنل من دينهم، وللنشأة الجديدة ثورات وحرکات وصراعات، سنري جوانب منها حين ندرس الامام، وما احاط به، وبالمسلمين من حوادث، واحداث...

وسنري جوانب منها حين نطالع صفحات هذا الکتاب.

عبدالهادي مسعود

القاهرة في

18 شعبان 1314هـ

5 سبتمبر 1974 م

[صفحه 11]



صفحه 5، 6، 7، 8، 9، 10، 11.





  1. انظر المستدرک علي الصحيحين 3 / 109، مسند الامام احمد 4 / 281، الطبعة الاولي ـ خصائص الامام علي للحافظ النسائي ص 21 طبعة مصر ـ تفسير الفخر الرازي 13 / 48 ـ 49، اسباب النزول للواحدي 135 طبعة مؤسسة الحلبي ـ حياة محمد للأستاذ محمد حسين هيکل الطبعة الاولي ص 104 ـ جريدة السياسة المصرية ملحق عدد 2751.