النبي يفتخر بابي حنيفة











النبي يفتخر بابي حنيفة



عن رسول الله صلي الله عليه وآله انه قال: إن سائر الانبياء تفتخر بي، وأنا افتخر بأبي حنيفة،

[صفحه 128]

وهو رجل تقي عند ربي، وکأنه جبل من العلم، وکأنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، فمن أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد ابغضني.

وعنه صلي الله عليه وآله: إن آدم افتخر بي، وأنا أفتخر برجل من امتي اسمه نعمان، وکنيته أبوحنيفة، هو سراج امتي.

أسلفنا الروايتين مع جملة مما اختلقته يد الغلو في الفضائل لابي حنيفة في الجزء الخامس ص 239 تا 241 وذکرنا هنالک ان امة من الحنفية بلغت مغالاتها فيه حدا ذهبت إلي أعلميته من رسول الله صلي الله عليه وآله في القضاء.

وذکر الحريفيش في الروض الفائق ص 215: ان من ورع أبي حنيفة رضي الله عنه ان شاة سرقت في عهده فلم يأکل لحم شاة مدة تعيش الشاة فيها.

لا أدري لاي خرافة أضحک؟ ألفخر النبي صلي الله عليه وآله برجل استتيب من الکفر مرتين[1] والنبي مفخرة العالمين جميعا صلي الله عليه وآله وفي امته من باهي به الله کمولانا اميرالمؤمنين عليه السلام ليلة مبيته علي فراش رسول الله صلي الله عليه وآله؟[2] .

أم لکون الرجل أعلم من رسول الله صلي الله عليه وآله بالقضاء؟ أنا لا أدري من أين جاء أبوحنيفة بهذا العلم والفقه؟ أهو فقه إسلامي والنبي صلي الله عليه وآله مستقاه ومنبثق أنواره؟ أم هو مما اتخذه من غير المسلمين من رجال کابل أو بابل أو ترمذ[3] فأحر به أن يضرب عرض الجدار، وأي حاجة للمسلمين إلي فقه غيرهم وقد أنعم الله عليهم بقضاء الاسلام وفقهه؟ وفيهما القول الحاسم وفصل الخطاب.

أم لورع الرجل الموصول بفقهه الناجع في قصة الشاة المسروقة الذي لا يصافقه عليه فيه أي فقيه متورع، وقد أباح الاسلام أکل لحم الشياه في جميع الاحيان، وفي کلها أفراد منها مسروقة في الحواضر الاسلامية وأوساطها، لکن هذا الفقيه لا يعرف

[صفحه 129]

عدم تنجز الحکم في الشبهات إذا کانت غير محصورة خارجا أکثر أطرافها من محل الابتلاء، ولعله کان يعلم ذلک لکن عمله هذا من حيله التي هو أخبر بها عن نفسه، قال أبوعاصم النبيل: رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يفتي، وقد اجتمع الناس عليه وآذوه، فقال: ما هاهنا أحد يأتينا بشرطي؟ فقلت: يا أبا حنيفة! تريد شرطيا؟ قال: نعم. فقلت: اقرأ علي هذه الاحاديث التي معي، فقرأها فقمت عنه ووقفت بحذاءه فقال لي: أين الشرطي؟ فقلت له: إنما قلت: تريد. لم أقل لک: أجئ به فقال: انظروا أنا أحتال للناس منذ کذا وکذا وقد احتال علي هذا الصبي.[4] .

أراد الامام الاعظم بالقصة التظاهر بالورع ونصبها فخا لاصطياد الدهماء کقصته الاخري المحرابية التي حکاها حفص بن عبدالرحمن قال: صليت خلفه فلما صلي وجلس في المحراب فقال له رجل: أيحل أن تصلي وفيه تصاوير؟ قال: اصلي فيه منذ خمس وأربعين سنة فما علمت ان فيه تصاوير، ثم أمر بالصور فطمست. وقال له رجل: ما أحسن سقف هذا المسجد؟ قال: ما رأيته وأنا فيه أکثر من أربعين سنة.[5] .

ولعل رأيه في الشاة مما يوقف القارئ علي سر عدم دخول آرائه مدينة الرسول صلي الله عليه وآله قال محمد بن مسلمة المديني وقيل له: إن رأي أبي حنيفة دخل هذه الامصار کلها ولم يدخل المدينة. قال: لان رسول الله صلي الله عليه وآله قال: علي کل ثقب من أثقابها ملک يمنع الدجال من دخولها. وکلام هذا من کلام الدجالين، فمن ثم لم يدخلها.[6] .

وفي فقه أبي حنيفة شذوذ تقصر عنها قصة الشاة، قد خالف فيها السنة الثابتة حتي قال وکيع بن الجراح:[7] .وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم[8] غير أن عبدالله بن داود الحريبي المغالي في حب امامه يقول: ينبغي للناس

[صفحه 130]

أن يدعو في صلاتهم لابي حنيفة لحفظه الفقه والسنن عليهم.[9] .

وقال صاحب (مفتاح السعادة) 70:2: سمعت من أثق به يروي عن بعض الکتب إن ثابتا- والد ابي حنيفة- توفي وتزوج ام الامام أبي حنيفة رحمه الله الامام جعفر الصادق، وکان أبوحنيفة رحمه الله صغيرا، وتربي في حجر جعفر الصادق، وأخذ علومه منه، وهذه إن ثبتت فمنقبة عظيمة لابي حنيفة.

عقبه الحسن النعماني في تعليق (المفتاح) فقال: کيف يتجه ان الامام کان صغيرا و تربي في حجر الامام الصادق لان جعفر الصادق توفي سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة، والامام أبوحنيفة توفي سنة خمسين ومائة وولد علي قول الاکثر[10] سنة ثمانين، فتکون سنة ولادتهما واحدة، وبين وفاتيهما سنتان، فثبت انهما من الاقران لا ان الامام صغير، والامام جعفر الصادق کبير.

وفي غضون ما الفه الموفق بن احمد، والحافظ الکردري في مناقب أبي حنيفة، وما ذکره بعض الحنفية في معاجم التراجم لدي ترجمته حرافات وسفاسف جمة تشوه سمعة الاسلام المقدس، ولا يسوغه العقل والمنطق إن لم يشفعهما الغلو في الفضائل، ومن أعجب ما رأيت ما ذکره الامام ابوالحسين الهمداني في آخر (خزانة المفتين) من ان الامام ابوحنيفة لما حج حجة الوداع أعطي بسدنة الکعبة مالا عظيما حتي أخلوا له البيت، فدخل وشرع للصلاة، وافتتح القرائة کما هو دأبه علي رجله اليمني حتي قرأ نصف القرآن، ثم رکع، وقام في الثانية علي رجله اليسري حتي ختم القرآن ثم قال: إلهي عرفتک حق المعرفة لکن ما قمت بکمال الطاعة، فهب نقصان الخدمة بکمال المعرفة، فنودي من زاوية البيت: عرفت فأحسنت المعرفة، وخدمت فأخلصت الخدمة، غفرنا لک ولمن اتبعک، ولمن کان علي مذهبک إلي قيام الساعة[11] .

قال الاميني: ليت شعر أي کمية من الزمن استوعبها الامام حتي ختم الکتاب العزيز في رکعتيه، وقد اخلي له البيت في يوم من ايام الموسم والناس عندئذ مزدلفون

[صفحه 131]

حول البيت، يتحرون التبرک بالدخول فيه؟! وکيف وسع السدنه منع اولئک الجماهير عن قصدهم، وکبح رغباتهم الاکيده طيلة تلک البرهة الطويلة؟!

ثم ما هذا الدؤب من الامام علي قرائة نصف القرآن الاول علي رجله اليمني، ونصفه الآخر علي رجله اليسري؟ أهو حکم متخذ من الکتاب؟ أم سنة متبعة صدع بها النبي الاعظم؟ ام بدعة لم نسمعها من غير الامام؟ وهل في الالعاب الرياضية المجعولة لحفظ الصحة والابقاء علي قوة البدن ونشاطه مثل ذلک؟ أنا لا أدري.

ثم کيف وسعت الامام تلک الدعوي الباهظة العظيمة أمام رب العالمين سبحانه، وهو الواقف علي السرائر والضمائر؟ وما أجرأه علي دعوي لم يدعها نبي من الانبياء حتي خاتمهم صلي الله عليه وآله وعليهم علي سعة معرفتهم؟ ولا شک ان معرفته صلي الله عليه وآله أوسع، وقد أغرق فيها نزعا، ومع ذلک لم يؤثر عنه صلي الله عليه وآله تقحم الامام في مناجات أو دعاء، ولا يصدر مثل هذا إلا عن إنسان معجب بنفسه، مغتر بعلمه، غير عارف بالله حق المعرفة.

والمغفل صاحب الرواية يحسب ان الامام ادعاها في عالم الشهود فصدقه عليها هاتف عالم الغيب، وليس هذا الهتاف المنسوج بيد الاختلاق الاثيمة إلا دعاية علي الامام وعلي مذهبه الذي هو أتفه المذاهب الاسلامية فقها، ولو کانت الامة تصدق هذه البشارة لمعتنقي ذلک المذهب، ويراها من رب البيت لا من الاساطير المزورة لوجب عليها أن يکونوا حنفيين جمعاء، غير ان الامة لا تصافق علي صحتها، رضي بذلک الامام أم لم يرض.

وأعجب من هذا ما ذکره العلامة البرزنجي قال:

ذهب بعض الحنفية إلي ان کلا من عيسي والمهدي يقلدان مذهب الامام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذکره بعض مشايخ الطريقة ببلاد الهند في تصنيف له بالفارسية شاع في تلک الديار، وکان بعض من يتوسم بالعلم من الحنفية، ويتصدر للتدريس يشهر هذا القول ويفتخر به ويقرره في مجلس درسه بالروضة النبوية.

وحکي الشيخ علي القاري عن بعضهم انه قال: إعلم أن الله قد خص أبا حنيفة بالشريعة والکرامة، ومن کراماته: ان الخضر عليه السلام کان يجئ إليه کل يوم وقت الصبح ويتعلم منه أحکام الشريعة إلي خمس سنين، فلما توفي أبوحنيفة ناجي الخضر ربه

[صفحه 132]

قال: إلهي إن کان لي عندک منزلة فائذن لابي حنيفة حتي يعلمني من القبر علي حسب عادته حتي أعلم شرع محمد صلي الله عليه وسلم علي الکمال ليحصل لي الطريقة والحقيقة، فنودي: أن اذهب إلي قبره وتعلم منه ما شئت فجاء الخضر وتعلم منه ما شاء کذلک إلي خمس وعشرين سنة اخري حتي اتم الدلائل والاقاويل، ثم ناجي الخضر ربه وقال: ياإلهي ماذا أصنع فنودي: أن اذهب إلي صعالک واشتغل بالعبادة إلي أن يأتيک أمري إلي أن قال له: اذهب إلي البقعة الفلانية وعلم فلانا علم الشريعة ففعل الخضر عليه السلام ما امر، ثم بعد مدة ظهر في مدينة ما وراء النهر شاب وکان اسمه أبا القاسم القشيري وکان يخدم امه ويحترمها إلي أن قال: فأمر الله الخضر أن اذهب إلي القشيري وعلمه ما تعلمت من أبي حنيفة رضي الله عنه لانه أرضي امه فجاء الخضر إلي أبي القاسم وقال: أنت أردت السفر لاجل طلب العلم وقد ترکته لرضا امک وقد أمرني الله تعالي أن أجئ اليک کل يوم علي الدوام واعلمک فکل يوم يجئ إليه الخضر حتي ثلاث سنين و علمه العلوم التي تعلم من أبي حنيفة في ثلاثين سنة، حتي علمه علم الحقايق والدقايق ودلائل العلم وصار مشهور دهره وفريد عصره حتي صنف ألف کتاب وصار صاحب کرامة وکثر مريدوه وتلاميذه، فکان له مريد کبير متدين لا يفارق الشيخ فعد له الشيخ ألف کتاب من مصنفاته ووضعه في الصندوق وأعطي لذلک المريد وقال: قد بدا لي أمر فاذهب وارم هذا الصندوق في جيحون، فحمل المريد الصندوق وخرج من عند الشيخ وقال في نفسه: کيف أري مصنفات الشيخ في الماء؟ لکن أذهب وأحفظ الکتب و أقول للشيخ: رميتها. وحفظ الکتب وجاء وقال للشيخ: رميت الصندوق في الماء: قال الشيخ: وما رأيت في تلک الساعة من العلامات؟ قال: ما رأيت شيئا قال الشيخ: اذهب وارم الصندوق. فذهب المريد إلي الصندوق وأراد أن يرميه فلم يهن عليه ورجع إلي الشيخ مثل الاول وقال: رميته؟ قال: نعم قال: وما رأيت؟ قال: لم أر شيئا. قال الشيخ: ما رميته فاذهب وارمه فإن لي فيها سرا مع الله ولا ترد أمري. فذهب المريد ورمي الصندوق فخرج من الماء يد وأخذ الصندوق قال المريد له من أنت؟ فنادي في الماء: اني وکلت أن احفظ أمانة الشيخ، فرجع المريد وجاء إلي الشيخ فقال: رميت؟ قال: نعم.

[صفحه 133]

قال: وما رأيت؟ قال: رأيت الماء قد انشق وخرج منه يد وأخذ الصندوق وقد صرت متحيرا وما السر في ذلک؟ قال الشيخ: السر في ذلک انه اذا قربت القيامة وخرج الدجال ونزل عيسي ببيت المقدس فيضع الانجيل بجنبه ويقول: أين الکتاب المحمدي؟ أو قد أمرني الله أن أحکم بينکم بکتابه ولا أحکم بالانجيل فيطلبون الدنيا ويطوفون البلاد فلم يوجد کتاب من کتب الشرع المحمدي فيتحير عيسي ويقول: إلهي: بماذا أحکم بين عبادک ولم يوجد غير الانجيل فينزل جبريل ويقول: قد أمر الله أن تذهب إلي نهر جيحون وتصلي رکعتين بجنبه وتنادي: يا أمين صندوق أبي القاسم القشيري! سلم إلي الصندوق وأنا عيسي بن مريم وقد قتلت الدجال فيذهب عيسي إلي جيحون ويصلي رکعتين ويقول مثل ما أمره جبريل، فيشق الماء ويخرج الصندوق ويأخذه ويفتحه ويجد فيه ختمه والف کتاب فيحيي الشرع بذلک الکتاب، ثم سأل عيسي جبريل: بم نال أبوالقاسم هذه المرتبة؟ فقال: برضاء والدته. نقل من کتاب أنيس الجلساء.[12] .

وقد أطنب الشيخ علي القاري في رد هذه الاسطورة بعدة صحائف إلي أن قال في ص 230: ثم ان مثل هولاء لفرط تعصبهم وعنادهم ليس مطمح نظرهم إلا تفضيل أبي حنيفة ولو بما لا أصل له، ولو بما يؤدي إلي الکفر وليس عندهم علم بفضائله الجمة التي الفت فيها الکتب[13] فيرضون بالاکاذيب والافترائات التي لا يرضاها الله ورسوله ولا ابوحنيفة نفسه، ولو سمعها أبوحنيفة رضي الله عنه لافتي بکفر قائلها وفي فضائل أبي حنيفة المقرره المحررة کفاية لمحبيه ولا يحتاج في إثبات فضله إلي الاقوال الکاذبة المفتراة المؤدية إلي تنقيص الانبياء، ومن العجائب انه وقع للقهستاني مع فضله وجلالته شئ من ذلک فقال في شرح خطبة النقابة: ان عيسي إذا نزل عمل بمذهب أبي حنيفة کما ذکره في الفصول الستة. وليت شعري ما الفصول الستة؟ وما الدليل علي هذا القول؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. الخ.

[صفحه 134]

وفي مفتاح السعادة 275:1، وج 82:2: إن أبا حنيفة رحمه الله تعالي رأي کأنه ينبش قبر النبي صلي الله عليه وآله ويجمع عظامه إلي صدره فهالته الرؤياا فقال إبن سيرين: هذه رؤيا أبي حنيفة فقال: أنا أبوحنيفة فقال إبن سيرين: اکشف عن ظهرک فکشف فرأي خالا بين کتفيه فقال: أنت الذي قال عليه الصلاة والسلام: يخرج في امتي رجل يقال له: أبوحنيفة بين کتفيه خال يحيي الله تعالي ديني علي يديه، ثم قال ابن سيرين: لا تخف انه صلي الله عليه وآله مدينة العلم وأنت تصل إليها فکان کما قال.

إقرأ وابک علي امة محمد المرحومة بأي اناس بليت، وباي خلق منيت؟! ما حيلة الجاهل الغر وما ينجيه عن هذه السخائف والاساطير؟!


صفحه 128، 129، 130، 131، 132، 133، 134.








  1. راجع الجزء الخامس ص 280 ط 2.
  2. اسلفنا حديثه في الجزء الثاني 48 ط 2.
  3. ايعاز إلي محتد ابي حنيفة،، قال الحافظ ابونعيم الفضل بن دکين وغيره: اصله من کابل. وقال ابوعبدالرحمن المقري: انه من أهل بابل وقال الحارث بن ادريس: اصله من ترمذ.
  4. اخبار الظراف لابن الجوزي ص 103.
  5. مناقب ابي حنيفة تأليف الحافظ الکردري 251:1.
  6. أخبار الظراف لابن الجوزي ص 35.
  7. ابوسفيان الکوفي الحافظ کان ثقة حافظا متقنا مأمونا عاليا رفيع القدر کثير الحديث وکان يفتي، توفي سنة مائة وست وتسعين.
  8. الانتقاء لابن عبدالبر صاحب الاستيعاب ص 150.
  9. تاريخ ابن کثير 107:7.
  10. وقال بعض: انه ولد سنة احدي وستين.
  11. مفتاح السعادة 82:2.
  12. الاشاعة في اشراط الساعة تأليف السيد محمد البرزنجي المدني 221 تا 225.
  13. الکتب المؤلفة في فضائل أبي حنيفة حوت بين دفتيها لدة هذه الترهات والاکاذيب المزخرفة وما أکثرها؟ ولو لم يکن الباطل الذي لا اصل له مأخوذا به فيها اذا لم تلق منها باقية.