ترجمة القاضي جمال الدين المکي
جمال العلوم والمعارف، المتفئ ظل ظليلها الوارف. أشرقت بالفضل أقماره و شموسه، وزخر بالعلم عبابه وقاموسه. فدوخ صيته الاقطار، وطار ذکره في منابت الارض واستطار. وتهادت أخباره الرکبان، وظهر فضله في کل صقع وبان. وله الادب الذي ما قام به مضطلع، ولا ظهر علي مکنونه مطلع. استنزل عصم البلاغة من صياصيها، واستذل صعاب البراعة فسفع بنواصيها. إن نثر فما اللؤلؤ المنثور انفصم نظامه؟ أو نظم فما الدر المشهور نسقه نظامه؟ بخط يزدري بخد العذار إذا بقل، وتحسبه سائر الجوارح علي مشاهدة حسنه المقل. ولما رحل إلي اليمن في دولة الروم، قام [صفحه 327] له رئيسها بما يحب ويروم. فولاه منصب القضاء، وسطع نور أمله هناک وأضاء. ولم يزل مجتليا به وجوه أمانيه الحسان، ومجتنيا من رياضه أزاهر المحاسن والاحسان. إلي أن انقضت مدة ذلک الامير، ومني اليمن بعده بالافساد والتدمير. فانقلب إلي وطنه وأهله، فکابد حزن العيش بعد سهله. کما أنبأ بذلک قوله في بعض کتبه: ولما حصلت عائدا من اليمن بعد وفاة المرحوم سنان باشا، وانقضاء ذلک الزمن، اخترت الاقامة في الوطن بعد التشرف بمجلس القضاء في ذلک العطن، إلا أنه لم يحل لي التحلي عن تذکر ما کان في خزانة الخيال مرسوما، وتفکر ما کان في لوح المفکرة موسوما. فاخترت أن أکون مدرسا في البلد الحرام، وممارسا لما أذن غب الحصول بالانصرام. ولم يکن في البلد الامين کفاية، ولا ما يقوم به الاتمام والوفاية. إنتهي وما زال مقيما في وطنه وبلده، متدرعا جلباب صبره وجلده. حتي انصرمت من العيش مدته، وتمت من الحياة عدته. ثم ذکر جملة وافية من منثور کلمه في ثلاث عشرة صحيفة فقال: ومن شعره قوله في صدر کتاب: هذا نظامک أم در بمنتسق؟ وذا کلامک أم سحر به سلبت وذا بيانک أم صهباء شعشعها بتاج کل مليک منه لامعة روض من الزهر والانوار زاهية وذي حمائم ألفاظ سجعن ضحي رسالة کفراديس الجنان بها کأنما الالفات المائلات بها تعلو منابرها الهمزات صادحة ميماتها کثغور يبتسمن بها فطرسها کبياض الصبح من يقق [صفحه 328] يا ذا الرسالة قد أرسلت معجزة ويا مليک ذوي الآداب قاطبة! من ذا يعارض ما قد صاغ فکرک من أنت المجلي بمضمار العلوم إذا صلي أئمة أهل الفضل خلفک يا مسلمين لما قد حزت من أدب مهلا فباعي من التقصير في قصر سبحان بارئ هذي الذات من همم يا ليت شعري هل شبه يري لکم؟ عذرا فما فکرتي صواغة دررا واسلم ودم وتعالي في مشيد علا وقوله مخاطبا بعض أکابر عصره لامر اقتضي ذلک: حصل القصد والمني والمراد أسجد الله في عتابک شوسا وأذلت لک الجدود اناسا ثم جاءت اليک طوعا وکرها أنت في الشهب ثاقب لا تسامي لا تبالي بنازل وملم ساهرا في طلاب کل منيع مهره النفس إن يسمه کمي من يجد بالجنان نال مناه لا تنال العلي بغير العوالي أحمد الناس أنت قولا وفعلا يا شهابا بجده حاز جدا ماز بيني وبين خدني فدم [صفحه 329] ولو أن الذي تحکم فينا أنکر المارقون فضل (علي) وحقيق أن البلاء قديم ويولي الامي حکم البرايا وولاة الامور فينا حياري عادة الدهر أن يؤخر مثلي قال لمن يبتغي التفاضل بيني فاقتبس من زنادهم لک نارا ويح دهر لا يعرف الفرق فيه هين ما لقيت ما دمت فينا وقوله أيضا: سلام علي الدار التي قد تباعدت يعز علينا أن تشط بنا النوي إذا نسمت من جانب الرمل نفحة تذکرتکم والدمع يستر مقلتي فقلت ولي من لاعج الوجد زفرة ألاهل بعيد الدهر ايامنا التي وتوجد ترجمة شاعرنا جمال الدين في (خلاصة الاثر) للمحبي ج 420:3 تا 427 وذکر ما في السلافة وقال: لقد فحصت عن وفاة صاحب الترجمة فلم أظفر بها وقد علم أنه کان في سنة اثنتي عشرة وألف موجودا، وما عاش بعدها کثيرا رحمه الله تعالي [صفحه 330]
القاضي جمال الدين[1] محمد بن حسن بن دراز المکي، من مقاول الادب، وألسنة الفضيلة، ومداره القول، وصيارفة القريض، وعباقرة القضاة، ذکره السيد في سلافة العصر ص 107 وأثني عليه بقوله:
أم الدراري التي لاحت علي الافق؟
نهي العقول فتتلو سورة الفلق؟
أغن ذو مقلة مکحولة الحدق؟
وجيد کل مجيد منه في أنق
کأنجم الافق في اللالاء والنمق
علي الخمائل غب العارض الغدق
من کل مؤتلق يلفي ومنتشق
غصون بان علي أيد من الورق
کالورق ناحت علي الافنان من حرق
يزري علي الدر إذ يزهي علي العنق
ونقسها[2] کسواد لليل في غسق
ودت بلاغتها الدعوي من الفرق!
ويا إماما هدانا أوضح الطرق!
حلي البيان ومن يقفوک في السبق؟!
أضحي قروم اولي التحقيق في قلق
مولي الموالي ورب المنطق الذلق!
مصدقين بما شرفت من خلق
وأنت في الطول والاحسان ذو عمق
سبحان فاطر ذا الانسان من علق!
کلا وربي ولا الاملاک في الخلق
حتي أصوغ لک الاسلاک في نسق
تستنزل الشهب للانشا فلم تعق
واستکانت لمجدک الاضداد
تتقي الاسد بأسها والجلاد
شيد للمجد في رباهم عماد
تتهادي حينا وحينا تقاد
في معاليک حين تثني الوساد
ولو أن الملم سبع شداد
عز نيلا فلم ينله العباد
والطريق السهاد والجسم زاد
والشحيح الجنان عنه يذاد
لا ولا الحمد يکتسيه الجماد
والوفي الذمام والمستجاد
ومقاما؟ لغيره لا يشاد
ذو سبال يدب فيه القراد
ألمعي لقر مني الفؤاد
ورماهم إلي الجحيم العناد
وأهالي الفهوم منه تکاد
والبليغ المقال لا يستفاد
وذوو النقص لا تزال تزاد
وعلي الاصل جاء هذا المفاد
ثم بين القضاة: هذا الزناد؟
أو فدعهم إن لاح منه الرماد
بين عي وقائل يستجاد
ذا عفاف وصح منک الوداد
ودمعي علي طول الزمان سفوح
ولي عندکم دون البرية روح
وفيها عرار للغوير وشيح
وقلبي مشوق بالبعاد جريح
لها لوعة تغدو بها وتروح:
نعمنا بها والکاشحون نزوح؟
صفحه 327، 328، 329، 330.