ترجمة القاضي جمال الدين المكي











ترجمة القاضي جمال الدين المکي



القاضي جمال الدين[1] محمد بن حسن بن دراز المکي، من مقاول الادب، وألسنة الفضيلة، ومداره القول، وصيارفة القريض، وعباقرة القضاة، ذکره السيد في سلافة العصر ص 107 وأثني عليه بقوله:

جمال العلوم والمعارف، المتفئ ظل ظليلها الوارف. أشرقت بالفضل أقماره و شموسه، وزخر بالعلم عبابه وقاموسه. فدوخ صيته الاقطار، وطار ذکره في منابت الارض واستطار. وتهادت أخباره الرکبان، وظهر فضله في کل صقع وبان. وله الادب الذي ما قام به مضطلع، ولا ظهر علي مکنونه مطلع. استنزل عصم البلاغة من صياصيها، واستذل صعاب البراعة فسفع بنواصيها. إن نثر فما اللؤلؤ المنثور انفصم نظامه؟ أو نظم فما الدر المشهور نسقه نظامه؟ بخط يزدري بخد العذار إذا بقل، وتحسبه سائر الجوارح علي مشاهدة حسنه المقل. ولما رحل إلي اليمن في دولة الروم، قام

[صفحه 327]

له رئيسها بما يحب ويروم. فولاه منصب القضاء، وسطع نور أمله هناک وأضاء. ولم يزل مجتليا به وجوه أمانيه الحسان، ومجتنيا من رياضه أزاهر المحاسن والاحسان. إلي أن انقضت مدة ذلک الامير، ومني اليمن بعده بالافساد والتدمير. فانقلب إلي وطنه وأهله، فکابد حزن العيش بعد سهله. کما أنبأ بذلک قوله في بعض کتبه: ولما حصلت عائدا من اليمن بعد وفاة المرحوم سنان باشا، وانقضاء ذلک الزمن، اخترت الاقامة في الوطن بعد التشرف بمجلس القضاء في ذلک العطن، إلا أنه لم يحل لي التحلي عن تذکر ما کان في خزانة الخيال مرسوما، وتفکر ما کان في لوح المفکرة موسوما. فاخترت أن أکون مدرسا في البلد الحرام، وممارسا لما أذن غب الحصول بالانصرام. ولم يکن في البلد الامين کفاية، ولا ما يقوم به الاتمام والوفاية. إنتهي وما زال مقيما في وطنه وبلده، متدرعا جلباب صبره وجلده. حتي انصرمت من العيش مدته، وتمت من الحياة عدته.

ثم ذکر جملة وافية من منثور کلمه في ثلاث عشرة صحيفة فقال: ومن شعره قوله في صدر کتاب:


هذا نظامک أم در بمنتسق؟
أم الدراري التي لاحت علي الافق؟


وذا کلامک أم سحر به سلبت
نهي العقول فتتلو سورة الفلق؟


وذا بيانک أم صهباء شعشعها
أغن ذو مقلة مکحولة الحدق؟


بتاج کل مليک منه لامعة
وجيد کل مجيد منه في أنق


روض من الزهر والانوار زاهية
کأنجم الافق في اللالاء والنمق


وذي حمائم ألفاظ سجعن ضحي
علي الخمائل غب العارض الغدق


رسالة کفراديس الجنان بها
من کل مؤتلق يلفي ومنتشق


کأنما الالفات المائلات بها
غصون بان علي أيد من الورق


تعلو منابرها الهمزات صادحة
کالورق ناحت علي الافنان من حرق


ميماتها کثغور يبتسمن بها
يزري علي الدر إذ يزهي علي العنق


فطرسها کبياض الصبح من يقق
ونقسها[2] کسواد لليل في غسق

[صفحه 328]

يا ذا الرسالة قد أرسلت معجزة
ودت بلاغتها الدعوي من الفرق!


ويا مليک ذوي الآداب قاطبة!
ويا إماما هدانا أوضح الطرق!


من ذا يعارض ما قد صاغ فکرک من
حلي البيان ومن يقفوک في السبق؟!


أنت المجلي بمضمار العلوم إذا
أضحي قروم اولي التحقيق في قلق


صلي أئمة أهل الفضل خلفک يا
مولي الموالي ورب المنطق الذلق!


مسلمين لما قد حزت من أدب
مصدقين بما شرفت من خلق


مهلا فباعي من التقصير في قصر
وأنت في الطول والاحسان ذو عمق


سبحان بارئ هذي الذات من همم
سبحان فاطر ذا الانسان من علق!


يا ليت شعري هل شبه يري لکم؟
کلا وربي ولا الاملاک في الخلق


عذرا فما فکرتي صواغة دررا
حتي أصوغ لک الاسلاک في نسق


واسلم ودم وتعالي في مشيد علا
تستنزل الشهب للانشا فلم تعق


وقوله مخاطبا بعض أکابر عصره لامر اقتضي ذلک:


حصل القصد والمني والمراد
واستکانت لمجدک الاضداد


أسجد الله في عتابک شوسا
تتقي الاسد بأسها والجلاد


وأذلت لک الجدود اناسا
شيد للمجد في رباهم عماد


ثم جاءت اليک طوعا وکرها
تتهادي حينا وحينا تقاد


أنت في الشهب ثاقب لا تسامي
في معاليک حين تثني الوساد


لا تبالي بنازل وملم
ولو أن الملم سبع شداد


ساهرا في طلاب کل منيع
عز نيلا فلم ينله العباد


مهره النفس إن يسمه کمي
والطريق السهاد والجسم زاد


من يجد بالجنان نال مناه
والشحيح الجنان عنه يذاد


لا تنال العلي بغير العوالي
لا ولا الحمد يکتسيه الجماد


أحمد الناس أنت قولا وفعلا
والوفي الذمام والمستجاد


يا شهابا بجده حاز جدا
ومقاما؟ لغيره لا يشاد


ماز بيني وبين خدني فدم
ذو سبال يدب فيه القراد

[صفحه 329]

ولو أن الذي تحکم فينا
ألمعي لقر مني الفؤاد


أنکر المارقون فضل (علي)
ورماهم إلي الجحيم العناد


وحقيق أن البلاء قديم
وأهالي الفهوم منه تکاد


ويولي الامي حکم البرايا
والبليغ المقال لا يستفاد


وولاة الامور فينا حياري
وذوو النقص لا تزال تزاد


عادة الدهر أن يؤخر مثلي
وعلي الاصل جاء هذا المفاد


قال لمن يبتغي التفاضل بيني
ثم بين القضاة: هذا الزناد؟


فاقتبس من زنادهم لک نارا
أو فدعهم إن لاح منه الرماد


ويح دهر لا يعرف الفرق فيه
بين عي وقائل يستجاد


هين ما لقيت ما دمت فينا
ذا عفاف وصح منک الوداد


وقوله أيضا:


سلام علي الدار التي قد تباعدت
ودمعي علي طول الزمان سفوح


يعز علينا أن تشط بنا النوي
ولي عندکم دون البرية روح


إذا نسمت من جانب الرمل نفحة
وفيها عرار للغوير وشيح


تذکرتکم والدمع يستر مقلتي
وقلبي مشوق بالبعاد جريح


فقلت ولي من لاعج الوجد زفرة
لها لوعة تغدو بها وتروح:


ألاهل بعيد الدهر ايامنا التي
نعمنا بها والکاشحون نزوح؟


وتوجد ترجمة شاعرنا جمال الدين في (خلاصة الاثر) للمحبي ج 420:3 تا 427 وذکر ما في السلافة وقال: لقد فحصت عن وفاة صاحب الترجمة فلم أظفر بها وقد علم أنه کان في سنة اثنتي عشرة وألف موجودا، وما عاش بعدها کثيرا رحمه الله تعالي

[صفحه 330]


صفحه 327، 328، 329، 330.








  1. کذا في الخلاصة. وفي سلافة العصر: جمال الدين بن محمد.
  2. اليقق: القطن. نقس: المداد الذي يکتب به.