ترجمة ابن أبي الحسن العاملي
[صفحه 292] من أعيان الطائفة ووجوه أعلامها، وفي الطليعة من عباقرتها، جمع بين العلم والادب، وتحلي بأبراد الزهد والورع، کما کان أبوه أوحديا من أعلام بيت الوحي وفذا من أفذاذ العلم والفضيلة، وعلما من تلامذة شيخنا الشهيد الثاني. قرأ سيدنا المترجم له علي أبيه السيد الشريف الطاهر، وعلي العلمين الحجتين صاحب (المدارک) أخيه لابيه، والشيخ حسن بن الشيخ الشهيد الثاني أخيه لامه ويروي عنهما. ويروي بالاجازة عن الشيخين: العرضي الحلبي[1] والبوريني الشامي[2] قال في إجازته للمولي محمد محسن: إني أروي جانبا من مؤلفات العامة في المعقول والفقه والحديث عن الشيخين الجليلين المحدثين، أعلمي زمانهما، ورئيسي أوانهما: عمر العرضي الحلبي، وحسن البوريني الشامي، بالاجازه منهما بالطرق المفصلة عنهما في إجازتيهما إلي. ويروي عن السيد بالاجازة المولي محمد طاهر القمي المتوفي 1098 الآتي ذکره في هذا الجزء انشاء الله تعالي. والشيخ هاشم بن الحسين بن عبدالرؤف الاحسائي.[3] . والشيخ أبوعبدالله الحسين بن الحسن بن يونس العاملي العيناثي الجبعي[4] . والمولي محمد حسن بن محمد مؤمن، باجازة مؤرخة بسنة 1051.[5] . والسيد محمد مؤمن بن دوست محمد الحسيني الاستر آبادي نزيل مکة المشرفة [صفحه 293] والشهيد بها سنة 1088 کان من تلمذة السيد المترجم له.[6] توجد ترجمة هذا الشريف المؤمن في کتابنا (شهداء الفضيلة). والمولي محمد باقر بن محمد مؤمن الخراساني السبزواري المتوفي سنة 1090 يروي عن شاعرنا الشريف کما في إجازته للمولي محمد شفيع.[7] . والشيخ جعفر بن کمال الدين البحراني المتوفي 1091.[8] . والسيد أحمد نظام الدين المتوفي سنة 1086 والد السيد علي خان المدني صاحب (السلافة) کما في (روضات الجنات) ص 413. وأنت مهما اطلعت علي ذکر شاعرنا (نورالدين) في المعاجم تجدها مزدانة بجمل الاطراء له، مشحونة بغرر ودرر في الثناء عليه، منضدة بأيدي أعلام العلم والدين، قال سيدنا صدرالدين المدني في (سلافة العصر) ص 302: طود العلم المنيف، وعضد الدين الحنيف، ومالک أذمة التأليف والتصنيف، الباهر بالرواية والدراية، والرافع لخميس المکارم أعظم راية، فضل يعثر في مداه مقتفيه، ومحل يتمني البدر لو أشرق فيه، وکرم يخجل المزن الهاطل، وشيم يتحلي بها جيد الزمن العاطل، وصيت من حسن السمعة بين السحر والنحر. فسار مسير الشمس في کل بلدة حتي کان رائد المجد لم ينتجع سوي جنابه، وبريد الفضل لم يقعقع سوي حلقة بابه، وکان له في مبدأ بالشام مجال لا يکذبه بارق العز إذا شام، بين إعزاز وتمکين، ومکان في جانب صاحبها مکين، ثم انثني عاطفا عنانه وثانيه، فقطن بمکة شرفها الله تعالي وهو کعبتها الثانية، تستلم أرکانه کما تستلم أرکان البيت العتيق، وتستسنم أخلاقه کما يستسنم المسک العبيق، يعتقد الحجيج قصده من غفران الخطايا، وينشد بحضرته: تمام الحج أن تقف المطايا. وقد رأيته بها وقد أناف علي التسعين ، والناس تستعين به ولا يستعين، والنور يسطع من أسارير جبهته، والعز يرتع في ميادين جدهته، ولم [صفحه 294] يزل بها إلي أن دعي فأجاب، وکأنه الغمام أمرع البلاد فانجاب، وکانت وفاته لثلاث عشرة بقين من ذي الحجة الحرام سنة ثمان وستين وألف رحمه الله تعالي، وله شعر يدل علي علو محله، وابلاغه هدي القول إلي محله، فمنه قوله متغزلا: يا من مضوا بفؤادي عندما رحلوا جاروا علي مهجتي ظلما بلا سبب وأطلقوا عبرتي من بعد بعدهم يامن تعذب من تسويفهم کبدي جادوا علي غيرنا بالوصل متصلا کيف السبيل إلي من في هواه مضي واحيرتي ضاع ما أوليت من زمن في أي شرع دماء العاشقين غدت يا للرجال من البيض الرشاق أما من منصفي من غزال ما له شغل نصبت أشراک صيدي في مراتعه فصاح بي صائح: خفض عليک فقد فصرت کالواله الساهي وفارقني وقلت: بالله قل لي: أين سار به فقال لي: کيف تلقاهم وقد رحلوا وقوله مادحا بعض الامراء وهي من غرر کلامه: لک الفخر بالعليا لک السعد راتب لک المجد والاجلال والجود والعطا سموت علي هام المجرة رفعة فيا رتبة لو شئت أن تبلغ السهي بلغت العلا والمجد طفلا ويافعا سموت علي قب السراحين صائلا [صفحه 295] وحزت رهان السبق في حلبة العلا وجلت بحومات الوغي جول باسل فلا الذارعات المعتمات تکنها ولا کثرة الاعداء تغني جموعها خض الحتف لا تخش الردي واقهر العدي وشمر ذيول الحزم عن ساق عزمها إذا صدقت للناظرين دلائل ببيض المواضي يدرک المرء شاؤه لاسلافک الغر الکرام قواعد زکوت وحزت المجد فرعا ومحتدا ومن يزک أصلا فالمعالي سمت به القصيدة وتوجد ترجمته في (البحار) 25 ص 124، ورياض العلماء، وخلاصة الاثر 132:3 تا 134، وروضات الجنات ص 530، والفوائد الرضوية 313:1، والکني والالقاب 223:3، وقال صاحب (أمل الآمل): وقد رأيته في بلادنا وحضرت درسه بالشام أياما يسيرة وکنت صغير السن ورأيته بمکة ايضا أياما، وکان ساکنا بها أکثر من عشرين سنة، ولما مات رثيته بقصيدة طويلة ستة وسبعين بيتا أولها: علي مثلها شقت حشا وقلوب لحي الله قلبا لا يذوب لفادح جري کل دمع يوم ذاک مرخما علي السيد المولي الجليل المعظم خبا نور دين الله فارتد ظلمة فکل جليل بعد ذاک محقر فمن ذا يمير السائلين وقد قضي؟ ومن ذا يحل المشکلات بفکره [صفحه 296] ومن ذا يقوم الليل لله داعيا ومن ذا الذي يستغفر الله في الدجي ومن يجمع الدنيا مع الدين والتقي لتبک عليه للهداية أعين وتبک عليه للتصانيف مقلة القصيدة وقال: کان عالما فاضلا أديبا شاعرا منشيا جليل القدر عظيم الشأن، وله کتاب شرح مختصر النافع لم يتم، وکتاب الفوائد المکية، وشرح الاثني عشرية[9] الصلاتية للشيخ البهائي، وغير ذلک من الرسائل 1 ه د وله رسالة في تفسير آية مودة ذي القربي، ورسالة غنية المسافر عن المنادم والمسامر. وورثه علي فضائله وفواضله ولده السيد جمال الدين بن نور الدين علي بن الحسين بن أبي الحسن الحسيني الدمشقي، قرأ بدمشق علي العلامة السيد محمد بن حمزة نقيب الاشراف، ثم هاجر إلي مکة وأبوه ثمة في الاحياء فجاور بها مدة، ثم دخل اليمن أيام الامام أحمد بن الحسن فعرف حقه من الفضل، ومدحه بقصيدة مطلعها: خليلي عودا لي فياحبذا المطل ثم فارق اليمن، ودخل الهند، فوصل إلي حيدر آباد وصاحبها يومئذ الملک ابوالحسن، فاتخذه نديم مجلسه، وأقبل عليه بکليته، ولما طرقت النکباء أبا الحسن من سلطان الهند الاعظم وحبس، انقلب الدهر علي السيد جمال الدين فبقي مدة في حيدرآباد إلي أن مات بها في سنة ثمان وتسعين وألف، کما أخبرني بذلک أخوه روح الادب السيد علي بمکة المشرفة. کذا ترجمه المحبي في (خلاصة الاثر) 494:1، وأثني عليه صاحب (أمل الآمل) ص 7 وقال: عالم فاضل محقق مدقق ماهر أديب شاعر، کان شريکنا في الدروس عند [صفحه 297] جماعة من مشايخنا، سافر إلي مکة وجاور بها، ثم إلي مشهد الرضا عليه السلام ثم إلي حيدر آباد، وهو الآن ساکن بها، مرجع فضلائها وأکابرها، وله شعر کثير من معميات و غيرها، وله حواش وفوائد کثيرة، ومن شعره قوله: قد نالني فرط التعب فمن أليم الوجد ودمع عيني قد جري وبان عن عيني الحمي ياليت شعري هل تري يفدي فؤادي شادنا بقامة کأسمر ووجنة کأنها فذکر شطرا من شعره فقال: وقد کتبت إليه مکاتبة منظومة اثنين وأربعين بيتا أذکر منها أبياتا: سلام وإکرام وأزکي تحية وأثنيته مستحسنات بليغة وأشرف تعظيم يليق بأشرف اقبل ارضا شرفتها نعاله من المشهد الاقصي الذي من ثوي به إلي ما جد تعنو الانام ببابه وأضحي ملاذا للانام وملجأ فتي في يديه اليمن واليسر للوري جناب الامير الامجد الندب سيدي وبعد: فإن العبد ينهي صبابة ويشکو فراقا أحرق القلب ناره وإنا وإن شطت بکم غربة النوي [صفحه 298] وقد جائني منکم کتاب مهذب فلا تقطعوا أخبارکم عن محبکم وإني بخير عن ان فراقکم واهدي سلامي والتحية والثنا إلي الاخوة الامجاد قرة مقلتي إلي أن قال: إليکم تحيات أتت من عبيدکم وفي صفر تاريخه عام ستة وأوعز إلي ذکره الجميل صاحب (روضات الجنات) ص 155 في ذيل ترجمة لسيد جمال الدين الجرجاني، وذکره ابن أخيه السيد عباس بن علي في (نزهة الجليس) وتوجد ترجمته في (بغية الراغبين) وفيه: انه قرأ علي أبيه وجماعة، وروي عن أبيه وعن جده لامه الشيخ نجيب الدين. وذکره القمي في (الفوائد الرضوية) 84:1، وجمع شتات ترجمته سيد الاعيان في الجزء السادس عشر ص 383 تا 390 [صفحه 299]
السيد نور الدين علي (الثاني) بن السيد نور الدين علي (الکبير) بن الحسين بن أبي الحسن الموسوي العاملي الجبعي.
وهب هبوب الريح في البر والبحر
من بعد ما في سويد القلب قد نزلوا!
فليت شعري إلي من في الهوي عدلوا؟
والعين أجفانها بالسهد قد کحلوا
ما آن يوما لقطع الحبل أن تصلوا؟
وفي الزمان علينا مرة بخلوا
معمري وماصدني عن ذکره شغل؟
إذ خاب في وصل من أهواهم الامل
هدري وليس لهم نار إذا قتلوا؟
کفاهم ما الذي بالناس قد فعلوا؟
عني ولا عاقني عن حبه عمل؟
الصيد فني ولي في طرقه حيل
صادوا الغزال الذي تبغيه يا رجل!
عقلي وضاقت علي الارض والسبل
من صاده؟ علهم في السير ما عجلوا
من وقتهم واستجدت سيرها الابل؟
لک العز والاقبال والنصر غالب
لک الفضل والنعما لک الشکر واجب
ودارت علي قطبي علاک الکواکب
بها أقبلت طوعا إليک المطالب
ولا عجب فالشبل في المهد کاسب
فکلت بکفيک القنا والقواضب
فأنت لها دون البرية صاحب
فردت علي أعقابهن الکتائب
ملابسها لما تحن المضارب
إذا لمعت منک النجوم الثواقب
فليس سوي الاقدام في الرأي صائب
فما ازدحمت إلا عليک المراتب
فدع عنک ما تبدي الظنون الکواذب
وبالسمر إن ضاقت تهون المصاعب
علي مثلها تبني العلي والمناصب
فآباؤک الصيد الکرام الاطايب
ذري المجد وانقادت إليه الرغائب
إذا شققت عند المصاب جيوب
نکاد له صم الصخور تذوب
وضاق فضاء الارض وهو رحيب
النبيل بعيد قد بکا وقريب
إذا اغتاله بعد الطلوع مغيب
وکل جميل بعد ذاک معيب
ومن لسؤال السائلين يجيب؟
يبين خفي العلم وهو غيوب؟
إذا عز داع في الظلام منيب؟
ويبکي دما إن قارفته ذنوب؟
مع الجاه؟ إن المکرمات ضروب
ومدمعها منها عليه صبيب
تقاطر منها مهجة وقلوب
إذا کان يرجي في عواقبه الوصل[10] .
وحالني من العجب
في جوانحي نار تشب
علي الخدود وانسکب
وحکمت يد النوب
يعود ما کان ذهب؟
مهفهفا عذب الشنب
بها النفوس قد سلب
جمر الغضا إذا التهب
تعطر أسماع بهن وأفواه
تطابق فيها اللفظ حسنا ومعناه
الکرام وأحلي الوصف منه وأعلاه
وابدي بجهدي کل ما قد ذکرناه
ينل في حماه کل ما تيمناه
فتدرک أدني العز منه وأقصاه
يخوضون في تعريفه کلما فاهوا
فلليمن يمناه ولليسر يسراه
جمال العلي والدين أيده الله
تناهت ووجدا ليس يدرک أدناه
وقد دک طود الصبر منه وأفناه
لنحفظ عهد الود منکم ونرعاه
فبدل همي بالمسرة مرآه
فإن کتابا من حبيب کلقياه
أذاب فؤادي بالغرام وأصماه[11] .
وألطف مدح مع دعاء تلوناه
أحبه قلبي خير ما يتمناه
محمد الحر الذي أنت مولاه
وسبعين بعد الالف بالخير عقباه
صفحه 292، 293، 294، 295، 296، 297، 298، 299.