زيد بن خارجة يتكلم بعد الموت











زيد بن خارجة يتکلم بعد الموت



أخرج البيهقي باسناده عن سعيد بن المسيب: ان زيد بن خارجة الانصاري توفي زمن عثمان بن عفان فسجي بثوبه، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره ثم تکلم ثم قال: أحمد أحمد في الکتاب الاول، صدق صدق أبوبکر الصديق، الضعيف في نفسه، القوي في أمر الله في الکتاب الاول، صدق صدق عمر بن الخطاب القوي الامين في الکتاب الاول، صدق صدق عثمان بن عفان علي منهاجهم مضت أربع وبقيت ثنتان أتت بالفتن وأکل الشديد الضعيف، وقامت الساعة، وسيأتيکم عن جيشکم خبر بئر أريس، وما بئر أريس؟.

وفي لفظ آخر من طريق النعمان بن بشير قال: الاوسط أجلد الثلاثة الذي کان لا يبالي في الله لومة لائم، کان يأمر الناس أن يأکل قويهم ضعيفهم، عبدالله أميرالمؤمنين صدق صدق کان ذلک في الکتاب الاول. ثم قال: عثمان أميرالمؤمنين وهو يعافي الناس من ذنوب کثيرة، خلت اثنتان وبقي أربع، ثم اختلف الناس وأکل بعضهم بعضا، فلا نظام وانتجت الاکما، ثم ارعوي المؤمنين وقال: کتاب الله وقدره، أيها الناس: أقبلوا علي أميرکم واسمعوا وأطيعوا، فمن تولي فلا يعهدن دما وکان أمر الله قدرا مقدورا، الله اکبر هذه الجنة وهذه النار، ويقول النبيون والصديقون: سلام عليکم، يا عبدالله إبن رواحة! هل أحسست لي خارجة لابيه وسعدا اللذين قتلا يوم احد؟ کلا إنها

[صفحه 104]

لظي نزاعة للشوي تدعو من أدبر وتولي وجمع فأوعي. ثم خفت صوته فسألت الرهط عما سبقني من کلامه فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا. هذا أحمد رسول الله، سلام عليک يا رسول الله! ورحمة الله وبرکاته. أبوبکر الصديق الامين، خليفة رسول الله کان ضعيفا في جسمه قويا في أمر الله صدق صدق، وکان في الکتاب الاول إلخ وفي لفظ القاضي في الشفا: قال: انصتوا انصتوا. محمد رسول الله النبي الامي و خاتم النبيين کان ذلک في الکتاب الاول. الخ

راجع الاستيعاب 192:1، تاريخ إبن کثير 156:6، الشفا للقاضي عياض، الروض الانف 370:2، الاصابة 565:1، ج 24:2، تهذيب التهذيب 410:3، الخصائص الکبري 85:2، شرح الشفا للخفاجي 108:3 فقال: هذا مما روته الطبراني وأبونعيم وابن مندة و رواه ابن ابي الدنيا عن انس. وحکاه ص 105 عن ابن عبدالبر وابن سيد الناس وابن الاثير والذهبي وابن الجوزي وابن ابي الدنيا.

قال الاميني: نعمت الدعاية إلي مبادئ إعتنقها القوم ولم يقتنعوا بابتداعها حتي دعموها بأمثال هذه، وللمنقب أن يسهب في القول هاهنا لکنا نحيله إلي روية القارئ ولنا أن نسائل صاحب هذا المهزأة: هل القيامة قد قامت يوم مات فيه ابن خارجة فکلم الله فيه الموتي؟ أو کان ذلک جوابا عن مسائلة البرزخ قد سمعه الملا الحضور؟ أو أن عقيدة الامامية في مسألة الرجعة قد تحققت فرجع ابن خارجة- ولم يکن رجوعه في الحسبان- لتحقيق الحقايق، غير أن تحقيقه إياها لم يعد التافهات؟ وهل کان ابن خارجة متأثرا من عدم إشادته بأمر خلافة الخلفاء إبان حياته وکان ذلک حسرة في قلبه حتي تدارکه بعد الموت، وکان من کرامته علي الله سبحانه أن منحه بما دار في خلده وهو ميت؟ أو أن الله تعالي کلمه لاقامة الحجة علي الامة وأراه من الکتاب الاول ما لم يره نبيه الرسول الامين، وأرجأ هذا البلاغ لابن خارجة ومنحه ما لم يمنحه صاحب الرسالة الخاتمة؟ وليت شعري لو کان إبن خارجة کشفت له عن الحقايق الراهنة الثابتة في الکتاب الاول، وأذن له ربه أن يبلغ امة محمد صلي الله عليه وآله ما فيه نجاحها ونجاتها، فلما ذا أخفي عليها اسم رابع الخلفاء الراشدين- أو الخليفة الحق- ولم يذکره؟! أو من الذي أنساه إياه فجاء بلاغا مبتورا؟ أفتراه لم يأت ذکره في الکتاب الاول وما صدق وما

[صفحه 105]

صدق، وهو نفس النبي الاعظم في الکتاب الثاني، والمطهر بآية التطهير، وقد قرنت ولايته بولاية الله وولاية رسوله؟ إن هذا لشئ عجاب.

ولعلک لا تعجب من هذه الهضيمة بعد ما علمت أن سلسلة هذه الرواية تنتهي إلي سعيد بن المسيب ونعمان بن بشير وهما هما، وقد أسلفنا البحث عنهما وأنهما في طليعة مناوئي أميرالمؤمنين عليه السلام:

وهنا مشکلة اخري لا تنحل ألا وهي: ان ابن خارجة توفي في عهد عثمان و أيام خلافته، فهل الصحابة العدول أو عدول الصحابة رأوا هذه المکرمة من کثب و صدقوها واذعنوا بنبأ إبن خارجة العظيم، ثم نسوها مع قرب عهدهم بها کما نسوا عهد رسول الله صلي الله عليه وآله يوم غدير خم في مائة الف أو يزيدون، وأصفقوا علي بکرة أبيهم المهاجر منهم والانصار علي قتل عثمان بعد تلک الحجة البالغة وما شذ منهم محتجا علي المتجمهرين عليه بنبأ ابن خارجة، کأن لم يکن شيئا مذکورا؟

وأنت تعرف مقدار عقلية اولئک الحفاظ ومکانتهم من العلم والدين والثقة بروايتهم أمثال هذه المخازي وعدهم إياها من الصحاح والمسانيد، قاتل الله الحب المعمي والمصم.


صفحه 104، 105.