عثرة لا تقال











عثرة لا تقال



لقد جاء الکاتب الفارسي (سعيد النفيسي) فيما ألفه من ترجمة حياة شيخنا بهاء الملة والدين کحاطب ليل، فضم إلي الدرة بعرة، وأتي بأشياء لا شاهد لها من التاريخ، وخفيت عليه حقايق ناصعة، فطفق يثبت التافهات بالاوهام، ويؤيد مزاعمه بالمضحکات، فمما باء بخزايته ما حسبه من أن الشيخ عبدالصمد أخا الشيخ البهائي أکبر منه سنا، ودعم هذه الدعوي بأن الشيخ عبدالصمد توفي قبل أخيه بعشر سنين، فکأنه يزعم أن ترتيب الموت کترتيب الولادة، فکما ان المولود أولا هو أکبر الاخوة فکذلک المتوفي أولا.

وبأن الشيخ عبدالصمد کان يسمي باسم جده فلو کان البهائي أکبر الاخوة

[صفحه 282]

لاختص هو باسم جده وکان لاخيه اسم جده الاعلي. فکأنه يري ذلک مطردا في الاسماء ولکن متي اطرد ذلک؟ وممن جاء النص؟ ولماذا هذا الاصرار والدؤب عليه؟ أنا لا أدري، والنفيسي ايضا لا يدري، ووالد الشيخين وما ولد ايضا لا يدرون.

وبأن الشيخ عبدالصمد ما غادر عاملة مع أبيه لما سافر أبوه إلي البلاد الفارسية سنة 966 وإنما صحبه الشيخ البهائي، ويظن انه هرب إلي المدينة المنورة، فلو لم يکن أکبر من الشيخ البهائي لم يسعه أن يفارق أباه يوم فر من الفتنة الواقعة بعاملة إلي ايران. وقد خفي علي المسکين أن الشيخ عبدالصمد صحب أباه في بطن امه يوم غادر بلاده، وهو وليد ايران بقزوين بنص من أبيه الشيخ الحسين في سنة الفتنة المذکورة 966، ولم نعرف من اين أتي الرجل بفرار الشيخ عبدالصمد إلي المدينة سنة 966.

وبأن الشيخ البهائي ألف کتابه (الفوائد الصمدية) في النحو باسم أخيه الشيخ عبدالصمد، وبطبع الحال ان الصغير يسم تأليفه باسم الکبير ويندر خلاف ذلک إلا من اناس حنکهم ترويض النفس.

هکذا لفق الرجل السفاسف في إثبات مزعمته، فسود صحيفة تاريخه بما لا يقبله العقل والمنطق، وقد خفي علي المغفل ان الشيخ حسين والد الشيخين: البهائي وأخيه أرخ ولادتهما في کتاب محکي عنه في (رياض العلماء) في ترجمته ولفظه: ولدت المولودة الميمونة بنتي ليلة الاثنين، ثالث شهر صفر سنة خمسين وتسعمائة. وأخوها أبوالفضائل محمد بهاء الدين أصلحه الله وأرشده عند غروب الشمس يوم الاربعاء سابع عشرين ذي الحجة سنة ثلث وخمسين وتسعمائة. واختها ام أيمن سلمي بعد نصف الليل سادس عشر محرم سنة خمس وخمسين وتسعمائة. وأخوهم أبوتراب عبدالصمد ليلة الاحد وقد بقي من الليل نحو ساعة ثالث شهر صفر سنة ست وستين وتسعمائة في قزوين. وابن اخته السيد محمد ليلة السبت ثامن عشرين صفر من السنة المذکورة في قزوين. 1 ه

فالشيخ البهائي أکبر من أخيه الشيخ عبدالصمد رغم تلکم التلفيقات اثني عشر عاما وستة وثلثين يوما. وکان للرجل أن يستفيد کبر الشيخ البهائي من إجازة والده

[صفحه 283]

الشيخ حسين له ولاخيه من تقديمه إياه بالذکر علي أخيه قال: فقد أجزت لولدي بهاء الدين محمد وأبي رجب عبدالصمد حفظهم الله تعالي بعد أن قرأ علي ولدي الاکبر جملة کافية جميلة من العلوم العقلية والنقلية. إلخ

وکذلک تقديم مشايخ الاجازة ذکر الشيخ البهائي مهما ذکروه وأخاه في إجازاتهم والاستدلال بمثل هذه کان خيرا له من أساطيره التي تحذلق بها.

ونحن في هذا المقام نضرب صفحا عن کل ما هو من هذا القبيل في صفحات کتابه التي شوه بها سمعة التاريخ، والذي يهمنا الآن التعرض لما تورط به من التجري علي علماء الدين وأساطين المذهب، وهو لا يزال يحاول ذلک في حله وترحاله، غير أنه حسب انه وجد فسحة لابانة ما يدور في خلده علي لسان شيخنا بهاء الملة والدين، وإن کان خاب في ذلک وفشل، قال ما معناه: أما الاشارات التي توجد للبهائي في مثنوية (نان وحلوا) في حق المتشرعين المرائين فلم يرد بها السيد الداماد وإنما أراد بها الفقهاء القشريين الجامدين، المعجبين بالظواهر، المنکرين للتصوف والذوق، أمثال المولي أحمد الاردبيلي، وکانوا کثيرين في عصره، وکان علي الضد منهم السيد الداماد الذي کان حکيما مفکرا ولم يکن فيه شيئ مما ذکر. 1 ه

کبرت کلمة تخرج من أفواهم، وإني لمستعظم جهل هذا الرجل المرکب، فإنه لا يعرف شيئا ولا يدري انه لا يعرف، فطفق يقع في عمد المذهب حسبان انه علم ما فاتهم، وحفظ ما أضاعوه، فذکر عداد مثل المحقق الاردبيلي في القشريين والفقهاء الظاهرية، وهو ذلک الانسان الکامل، في علمه ودينه، في آرائه الناضجة وأفکاره العميقة، في نفسياته الکريمة وملکاته الفاضلة، في دعوته الالهية وخدماته للمذهب الحق، في عرفانه الصحيح وحکمته البالغة، وقصاري القول: انه جماع الفضائل، ومختبأ المآثر کلها، ضع يدک علي أي من المناقب تجده شاهد صدق علي شموخ رتبته، وهاتفا بسمو مقامه، وتأليفاته الجليلة هي البرهنة الصادقة لعلو کعبه في العلوم کلها معقولها ومنقولها، والمأثور من غرائزه الکريمة أدلاء حق علي تقدمه في المحاسن ومحامد الشيم نفسية وکسبية، وإنک لا تجد إنسانا يشک في شيئ من ذلک بالرغم من

[صفحه 284]

هلجة هذا المؤرخ القشري الجامد، وکأني بروحية المحقق الاوحد (الاردبيلي (يخاطبه بقوله:


ما شير شکاران فضاي ملکوتيم
سيمرغ بدهشت نکرد بر مکس ما


أو بقوله:


غنينا بنا عن کل من لا يريدنا
وإن کثرت أوصافه ونعوته


ومن صدعنا حسبه الصد والقلا
ومن فاتنا يکفيه أنا نفوته


ثم أي تصوف يريد الرجل فيما عابه من شيخنا العارف الالهي؟ أيريد ذلک المذهب الباطل الملازم للعقائد الالحادية کالحلول ووحدة الوجود بمعناهما الکفري، وأمثالهما والتنصل عن الطاعات بتحريف الکلم من مواضعها، وتأويل قوله تعالي: واعبد؟ ربک حتي يأتيک اليقين. بالرأي الفطير؟ فحاشا شيخنا الاحمد الاوحد وکل عالم رباني من ذلک، وإنما هو مذهب يروق کل شقي تعيس.

وإن کان يريد العرفان الحق والذوق السليم الذي کان يعتنقه الاوحديون من العلماء لدة شيخنا البهائي، وجمال الدين أحمد بن فهد الحلي، وزرافات من الاعاظم قبلهما وبعدهما؟ فإنا نجل شيخنا الاردبيلي عن التنکب عنه، بل يحق علينا أن نعده من مشيخة الطريقة والعرفاء بها، وما يوجد في کتابه حديقة الشيعة من التنديد بالصوفية فإنما هو موجه إليهم بما ذکرناه أولا. ولکن من أين عرف (النفيسي) الحق والباطل من قسمي التصوف والعرفان؟ والکمية التي کانت عند شيخنا الاردبيلي؟ وهل هو من حقه أو باطله؟ أنا لا أدري لکن الله عالم بما تکنه الصدور وإن الرجل تقحم غير مستواه، وتطلع إلي ما قصر عنه. رحم الله امرءا عرف قدره ولم يتعد طوره.

[صفحه 285]


صفحه 282، 283، 284، 285.