ادب الشيخ البهائي الرائق











ادب الشيخ البهائي الرائق



کان المترجم له شيخنا (البهائي) رحمه الله علي توغله في العلوم، وأنظاره العميقه فيها، غير تارک لمحاولة الادب، ونضد القريض باللغتين: العربية والفارسية، وانک تجد کثيرا من شعره مبثوثا في المعاجم ومن ذلک قوله:


يا کراما صبرنا عنهم محال
إن حالي بعدکم في شر حال


إن أتي من حيکم ريح الشمال
صرت لا أدري يميني من شمال


حبذا ريح سري من ذي سلم
عن ربا نجد وسلع والعلم


أذهب الاحزان عنا والالم
والاماني أدرکت والهم زال


يا أخلائي بحزوي والعقيق!
لا يطيق الهجر قلبي لا يطيق


هل لمشتاق إليکم من طريق
أم سددتم عنه أبواب الوصال؟!


لا تلوموني علي فرط الضجر
ليس قلبي من حديد أو حجر


فات مطلوبي ومحبوبي هجر
والحشا في کل آن باشتعال


من رأي وجدي لسکان الحجون
قال: ما هذي هوي هذا جنون

[صفحه 273]

أيها اللوام ماذا تبتغون
قلبي المضني وعقلي ذو اعتقال؟


يا نزولا بين سلع والصفا!
يا کرام الحي يا أهل الوفا!


کان لي قلب حمول للجفا
ضاع مني بين هاتيک التلال


يا رعاک الله يا ريح الصبا!
إن تجز يوما علي وادي قبا


سل اهيل الحي في تلک الربا
هجرهم هذا دلال أم ملال؟


جيرة في هجرنا قد أسرفوا
حالنا من بعدهم لا يوصف


إن جفوا أو واصلوا أو أتلفوا
حبهم في القلب باق لا يزال


هم کرام ما عليهم من مزيد
من يمت في حبهم يمضي شهيد


مثل مقتول لدي المولي الحميد
أحمدي الخلق محمود الفعال


صاحب العصر الامام المنتظر
من بما يأباه لا يجري القدر


حجة الله علي کل البشر
خير أهل الارض في کل الخصال


من إليه الکون قد ألقي القياد
مجريا أحکامه فيما أراد


إن تزل عن طوعه السبع الشداد
خر منها کل سامي السمک عال


شمس أوج المجد مصباح الظلام
صفوة الرحمان من بين الانام


الامام بن الامام بن الامام
قطب أفلاک المعالي والکمال


فاق أهل الارض في عز وجاه
وارتقي في المجد أعلي مرتقاه


لو ملوک الارض حلوا في ذراه
کان أعلي صفهم صف النعال

[صفحه 274]

ذو اقتدار إن يشأ قلب الطباع
صير الاضلام طبعا للشعاع


وارتدي الامکان برد الامتناع
قدرة موهوبة من ذي الجلال


يا أمين الله يا شمس الهدي!
يا إمام الخلق يا بحر الندي!


عجلن عجل فقد طال المدي
واضمحل الدين واستولي الضلال


هاکها مولاي يا نعم المجير
من مواليک البهائي الفقير


مدحة يعنو لمعناها جرير
نظمها يزري علي عقد اللآل


وله حينما يمم مشهد الامامين العسکريين بسر من رأي:


أسرع السير أيها الحادي
إن قلبي إلي الحمي صادي


وإذا ما رأيت من کثب
مشهد العسکري والهادي


فالثم الارض خاضعا فلقد
نلت والله خير اسعاد


وإذا ما حللت ناديهم
يا سقاه الاله من نادي


فاغضض الطرف خاضعا ولها
واخلع النعل انه الوادي[1] .


وثورين حاطا بهذا الوري
فثور الثريا ونو الثري


وهم تحت هذا ومن فوق ذا
حمير مسرجة في قري


نظم بهذين البيتين ما في شعرالحکيم عمر الخيام[2] من قوله بالفارسية:


يک گاو در آسمان ونامش پروين
يک گاو دگر نهفته در زير زمين


چشم خردت گشاي چون أهل يقين
زير وزبر دو گاو مشتي خربين


وله مما کتب إلي والده سنة 989 وهو في هراة:


يا ساکني أرض الهراة!أما کفي
هذا الفراق؟ بلي وحق المصطفي


عودوا فربع صبري قد عفا
والجفن من بعد التباعد ما عفا

[صفحه 275]

خيالکم في بالي
والقلب في بلبال


إن أقبلت من نحوکم ريح الصبا
قلنا لها: أهلا وسهلا مرحبا


وإليکم قلب المتيم قد صبا
وفراقکم للروح منه قد سبا


والقلب ليس بخالي
من حب ذات الخال يا حبذا


ربع الحمي من مربع
فغزاله شب الغضي في اضلعي


لم انسه يوم الفراق مودعي
بمدامع تجري وقلب موجع


والصب ليس بسال
عن ثغره السلسال


وذکر الخفاجي في ريحانة الالباء من رباعياته قوله:


أغتص بريقتي کحسي الحاسي
إذ أذکره وهو لعهدي ناسي


إن مت وجمرة الهوي في کبدي
فالويل إذا لساکني الارماس


وقوله:


کم بت من المسا إلي لاشراق
من فرقتکم ومطربي أشواقي


والهم منادمي ونقلي سهري
والد مع مدامتي وجفني الساقي؟


وقوله:


لا تبک معاشرا نأي أو ألفا
القوم مضوا ونحن نأتي خلفا


بالمهلة أو تعاقب نتبعهم
کالعطف بثم او کعطف بالفا


وقوله:


من أربعة وعشرة أمدادي
في ست بقاع سکنوا يا حادي


في طيبة والغري وسامراء
في طوس وکربلا وفي بغداد


وقوله:


للشوق إلي طيبة جفني باکي
لو صار مقامي فلک الافلاک


أستنکف إن مشيت في روضتها
فالمشي علي أجنحة الاملاک


وقوله:


هذا النبأ العظيم ما فيه کلام
هذا لملائک السماوات إمام


من يمم بابه ينل مطلبه
من طاف به فهو علي النار حرام

[صفحه 276]

وقوله:


هذا حرم بفضله العقل أقر
فيه لملائک السماوات مقر


کل منهم يقول: يا زائر
أبشر فلقد نجوت من نار سقر


وقوله:


يا ريح إذا أتيت دار الاحباب
قبل عني تراب تلک الاعتاب


إن هم سألوا عن البهاءي فقل:
قد ذاب من الشوق اليکم قد ذاب


وقوله:


يا ريح أقص قصة الشوق إليک
إن جئت إلي طوس[3] فبالله عليک


قبل عني ضريح مولاي وقل:
قد مات بهاءيک من الشوق اليک


وقوله:


أهوي رشأ عرضني للبلوي
ما عنه لقلبي المعني سلوي


کم جئت لاشتکي فمذ أبصرني
من لذتقربه نسيت الشکوي


وقوله:


يا غائب عن عيني لا عن بالي
القرب إليک منتهي آمالي


أيام نواک لا تسل کيف مضت
والله مضت بأسواء الاحوال


في السلافة هکذا:


يابدر دجي خياله في بالي
مذ فارقني وزاد في بلبالي


أيام نواک لا تسل کيف مضت
والله مضت بأسوء الاحوال


وذکر له السيد في السلافة قوله:


يابدر دجي بوصله أحياني
إذ زار وکم بهجره أفناني؟


بالله عليک عجلن سفک دمي
لا طاقة لي بليلة الهجران


وقوله:


لما نظر الجسم نحيفا نهکا
من فرقته رق لضعفي وبکي


وارتاح وقال لي أما: قلت لکا
ما يمکنک الفراق ما يمکنکا؟

[صفحه 277]

وقوله:

يابدر دجي فراقه الجسم أذاب
قدود عني فغاب صبري إذ غاب


بالله عليک أي شئ قالت
عيناک لقلبي المعني فأجاب؟


وذکر له السيد العطار قدس سره في (الرائق) قوله يمدح به النبي الاعظم صلي الله عليه وآله


إليک جميع الکائنات تشير
بانک هاد منذر وبشير


وإنک من نور الاله مکون
علي کل نور من جلالک نور


وروحک روح القدس فيها منزل
وقلبک في قلب الوجود ضمير


وشخصک قطب الکائنات فسرها
علي سره في العالمين تدير


نزلت من الله العزيز بمنزل
يسير إليه الطرف وهو حسير


وذکر له السيد المدني في السلافة قوله:


خلياني ولوعتي وغرامي
يا خليلي واذهبا بسلامي


قد دعاني الهوي فلباه لبي
فدعاني ولا تطيلا ملامي


إن من ذاق نشوة الحب يوما
لا يبالي بکثرة اللوام


خامرت خمرة المحبة عقلي
وجرت في مفاصلي وعظامي


فعلي الحلم والوقار صلاة
وعلي العقل ألف ألف سلام


هل سبيل إلي وقوف بوادي
الجزع يا صاحبي أو إلمام؟


أيها السائر الملح إذا ما
جئت نجدا فعج بوادي الخزام


وتجاوز عن ذي المجاز وعرج
عادلا عن يمين ذاک المقام


وإذا ما بلغت حزوي فبلغ
جيرة الحي يا اخي سلامي


وانشدن قلبي المعني لديهم
فلقد ضاع بين تلک الخيام


وإذا ما رقوا لحالي فسلهم
أن يمنوا ولو بطيف منام


يا نزولا بذي الاراک إلي کم
تنقضي في فراقکم أعوامي؟


ما سرت نسمة ولا ناح في الدوح
حمام إلا وحان حمامي


أين أيامنا بشرقي نجد؟
يا رعاها الاله من أيام


حيث غصن الشباب غض وروض
العيش قد طرزته أيدي الغمام

[صفحه 278]

وزماني مساعد وأيادي اللهو
نحو المني تجر زمامي


أيها المرتقي ذري المجد فردا
والمرجي للفادحات العظام!


يا حليف الندي الذي جمعت فيه
مزايا تفرقت في الانام!


نلت في ذروة الفخار محلا
عسر المرتقي عزيز المرام


نسب طاهر ومجد أثيل
وفخار عال وفضل سام


قد قرنا مقالکم بمقال
وشفعنا کلامکم بکلام


ونظمنا الحصي مع الدر في سمط
وقلنا: العبير مثل الرغام


لم أکن مقدما علي ذا ولکن
کان طوعا لامرکم اقدامي


عمرک الله يا ندمي انشد
جارتي کيف تحسنين ملامي؟


وله وقد رأي النبي صلي الله عليه وآله في منامه قوله:


وليلة کان بها طالعي
في ذروة السعد وأوج الکمال

قصر طيب الوصل من عمرها
فلم تکن إلا کحل العقال


واتصل الفجر بها بالعشا
وهکذا عمر ليالي الوصال


إذ أخذت عيني في نومها
وانتبه الطالع بعد الوبال


فزرته في الليل مستعطفا
أفديه بالنفس وأهلي ومال


وأشتکي ما أنا فيه البلي
وما الاقي اليوم من سوء حال


فأظهر العطف علي عبده
بمنطق يزري بنظم اللآل


فيالها من ليلة نلت في
ظلامها ما لم يکن في خيال؟


أمست خفيفات مطايا الرجا
بها وأضحت بالعطايا ثقال


سقيت في ظلمائها خمرة
صافية صرفا طهورا حلال


وابتهج القلب بأهل الحمي
وقرت العين بذاک الجمال


ونلت مانلت علي أنني
ما کنت استوجب ذاک النوال


ولشيخنا البهائي في مدح الکاظمية مشهد الامامين الکاظم وحفيده الجواد عليهماالسلام قوله:


أيا قاصد الزوراء! عرج
علي الغربي من تلک المغاني

[صفحه 279]

ونعليک اخلعن واسجد خضوعا
إذا لاحت لديک القبتان


فتحتهما لعمرک نار موسي
ونور محمد متقارنان


ومن شعره رائيته المشهورة في الامام المنتظر صلوات الله عليه تناهز 49 بيتا شرحها العلامة المرحوم الشيخ جعفر النقدي بکتابه الموسوم ب د (منن الرحمان) في مجلدين طبع في النجف الاشرف سنة 1344 ومستهل القصيدة:


سري البرق من نجد فهيج تذکاري
وأجج في أحشائنا لاهب النار


هذه القصيدة المهدوية جاراها جمع من الاعلام الشعراء منهم: العلامة الامير السيد علي بن خلف المشعشعي الحويزي بقصيدة مهدوية مطلعها:


هي الدارما بين العذيب وذي قار
عنت غير سحم ما ثلاث وأحجار


ومنهم: العلامة الشيخ جعفر بن محمد الخطي معاصر شيخنا المترجم له اجتمع معه في اصفهان فأنشده الشيخ رائيته وطلب منه معارضتها وأجل مدة فاستأجل ثلثا ثم لم يقبل لنفسه إلا في المجلس فارتجل قصيدة أولها:


هي الدار تستسقيک مد معک الجاري
فسقيا فخير الدمع ما کان للدار


وهي مذکورة بتمامها في الجزء الثاني من (الرائق) للعلامة السيد أحمد العطار وذکرها الشيخ جعفر النقدي في (منن الرحمان) ج 41:1.

ومنهم: الشاعر الفاضل علي بن زيدان العاملي المتوفي 1260 بمعرکة وله عقب هنالک جاري قصيدة شيخنا البهائي بقصيدة أولها:


حنانيک هل في وقفة ايها الساري
علي الدار في حکم الصبابة من عار؟


لفت نظر

قد يعزي في غير واحد من معاجم الادب[4] إلي شيخنا البهائي:


لا يغرنک من المرء
قميص رقعه


أو إزار فوق کعب إلساق
منه رفعه


أو جبين لاح فيه
أثر قد قلعه


ولدي الدرهم فانظر
غيه أو ورعه

[صفحه 280]

وهذا العز ولا يتم وإنما الابيات لبعض الشعراء المتقدمين ذکرها الغزالي المتوفي قبل ولادة شيخنا البهائي بأربعمائة وسبع وأربعين سنة في (إحياء العلوم) 73:2.

وذکر السيد في السلافة لشيخنا البهائي:


بالذي ألهم تعذيبي
ثناياک العذايا


ما الذي قالته عيناک
لقلبي فأجابا؟


وهما من أبيات للصوري السابق ذکره، وقد نسبهما البهائي نفسه إلي الصنوبري، راجع ما أسلفناه في ج 229:4 ط 2.

ولادته

ذکر شيخنا البحراني في (لؤلؤة البحرين) ص 20، والشيخ ميرزا حيدر علي الاصبهاني في إجازته الکبيرة، وغير واحد من أصحابنا: انه ولد ببعلبک غروب يوم الخميس لثلث عشر بقين من شهر المحرم سنة 953، وقال سيدنا المدني في (سلافة العصر): مولده بعلبک عند غروب الشمس يوم الاربعاء لثلث عشر بقين من ذي الحجة سنة 953، وحکاه عنه المحبي في (خلاصة الاثر) ، لکن المعتمد عليه في تاريخ ولادته ما وجده صاحب (رياض العلماء) من المنقول عن خط والده المقدس الشيخ حسين من کتاب له ذکره في ترجمته وفيه ما نصه: ولدت المولودة الميمونة بنتي ليلة الاثنين ثالث شهر صفر سنة خمسين وتسعمائة، وأخوها أبوالفضايل محمد بهاء الدين أصلحه الله وأرشده عند غروب الشمس يوم الابعاء سابع عشرين ذي الحجة سنة ثلث وخمسين و تسعمائة.

وفاته

قال السيدان صاحبا (السلافة) و (الروضة البهية) والشيخ صاحب الحدايق في (لؤلؤة البحرين): انه توفي لاثنتي عشرة خلون من شوال 1031 وقيل 1030 و عن العلامة المجلسي الاول المتوفي سنة 1070 في (شرح الفقيه): أنه مات في شوال سنة 1030. ويقويه ما في (أمل الآمل): قد سمعنا من المشايخ انه مات سنة 1030، فکأن القول بوفاته سنة 1030 کان هو المعتمد عليه عند المشايخ، وأرخها بثلاثين تلميذه العلامة الشيخ هاشم الاتکاني في ظهر اثني عشريات استاذه المترجم له قرأها عليه

[صفحه 281]

سنة 1030 واجاز له استاذه في شهر رجب وکتب اجازته عليه، وقال صاحب (مفتاح التواريخ) ما معناه: إنه توفي يوم الثلثا 12 شوال سنة 1030. توفي باصبهان ونقل جسمانه قبل الدفن إلي مشهد الرضا عملا بوصيته ودفن بها في داره قريبا من الحضرة المشرفة، وقدا تيحت لي زيارته سنة 1348، رثاه تلميذه العلامة الشيخ إبراهيم العاملي البازروني


بقوله: شيخ الانام بهاء الدين لابرحت
سحائب العفو ينشيها له الباري


مولي به اتضحت سبل الهدي وغدا
لفقده الدين في ثوب من القار


والمجد أقسم لا تبدو نواجده
حزنا وشق عليه فضل أطمار


والعلم قد درست آياته وعفت
عنه رسوم أحاديث وأخبار


کم بکر فکر غدت للکون فاقدة
ما دنستها الوري يوما بأنظار؟


کم خر لما قضي للعلم طود علا
ما کنت أحسبه يوما بمنهار؟


وکم بکته محاريب المساجد إذ
کانت تضيئ دجي منه بأنوار؟


فاق الکرام ولم تبرح سجيته
إطعام ذي سغب مع کسوة العاري


جل الذي اختار في طوس له جدثا
في ظل حامي حماها نجل أطهار


الثامن الضامن الجنات أجمعها
يوم القيامة من جود لزوار


صفحه 273، 274، 275، 276، 277، 278، 279، 280، 281.








  1. اشارة إلي ما خوطب به موسي الکليم عليه السلام من قوله تعالي: واخلع نعليک انک بالوادي المقدس طوي.
  2. ابوالفتح النيسابوري من معاصري أبي حامد الغزالي توفي سنة 517 طبعت رباعياته في أرجاء الدنيا عدة مرات.
  3. في النسخة: طرسو. اعده من جنايات يد الطباعة والنشر.
  4. راجع سلافة العصر ص 300 وغيره.