من كلامه في مدح العلماء وتصنيف الناس و فضل العلم والحكمة











من کلامه في مدح العلماء وتصنيف الناس و فضل العلم والحکمة



ما رواه أهل النقل عن کُمَيل بن زياد- رحمه الله-أنّه قال: أخذ بيدي أميرُ المؤمنين عليه السلام ذاتَ يوم من المسجد حتّي أخْرَجَني منه، فلمّا أصْحَرَ تَنَفّس الصُعَداء ثمّ قال: «يا کميل، إِنّ هذه القلوب أوعِيَةٌ، فخيرُها أوعاها، احفَظْ عنّي ما أقولُ:

الناسُ ثلاثة: عالمٌ ربّاني، ومُتعلِّم علي سبيل نَجاة، وهَمَج رَعاع أَتباعُ کلِّ ناعقٍ، يميلون مع کلِّ ريحٍ، لم يَسْتضيؤوا بنور العلم، ولم يَلجؤوا إِلي رُکنٍ وَثيقٍ.

يا کميل، العلم خيرٌ من المال، العلمُ يَحْرسک، وأنت تَحْرس المال، والمال تَنْقُصُه النفقة، والعلم يَزْکو علي الإنفاق. يا کميل، صُحْبَة العالم[1] دِينٌ يُدان به، وبه تَکْمِلةُ الطَاعَة في حَياته، وجميلُ الأحدُوثَةِ بعد مَوْته، والعلم حاکم والمال محکوم عليه.

يا کميل، مات خُزّان الأموال وهم أحياء، والعلماءُ باقون ما

[صفحه 228]

بقيَ الدَهر، أعيانُهم مفقودةٌ وأمثالهُم في القلوب موجودة، هاه هاه إِنّ هاهنا علماً جَمّاً- وأشار بيده إِلي صدره- لوأصَبتُ له حَمَلَةً، بل أُصيب لَقِناً غيرَ مأمونٍ، يَسْتَعمِلُ الة الدين للدنيا، ويستظهرُ بحُجَج الله علي أوليائه، وبنِعَمِه علي کتابه؟أومُنْقاداً للحکمة لا بصيرةَ له في اخباته، يَقْدَحُ الشکً له في قلبه بأوّل عارضٍ من شبهة ، ألا لاذا ولا ذاک، فمنهوم[2] باللذاتِ سَلِسُ القِياد للشهوات، أو مُغْرم[3] بالجمع والادّخار، ليسا منِ رُعاة الدين، أقربُ شَبَهاً بهما الأنعامُ السائِمة، کذلک يَموت العلم بموت حامليه، اللّهم بلي، لا تَخْلُو الأرضُ من حجّة لک علي خلقک، إِمّا ظاهراً معلوماً أو خائِفاً (مغموراً، لئلا)[4] تبْطُل حُججک وبيناتُک، وأين أُولئک؟ الأقلَّون عَدَداً، الأعظمون قَدْراً، بهم يَحْفَظُ اللهُ تعالي حُجَجَه حتّي يوُدِعوها قلوبَ أشباههم، هَجَمَ بهم العلمُ علي حقائق الايمان، فاستلانوا رُوْحَ اليقين، فأنِسوا بما استوحش منه الجاهلون، واستلانوا ما استَوْعَره المُتْرَفون، صَحِبُوا الدنيا بأبدان أرواحُها معلّقةٌ بالمحلّ الأعلي، أُولئک خلفاءُ الله في أرضه، وحُجَجُه علي عباده- ثمّ تنفس الصعداء وقال- هاه هاه، شَوْقاً إِلي رُؤيتهم» ونَزَع يده عن يدي وقال لي: «انصَرِفْ إِذا شئت»[5] .

[صفحه 229]


صفحه 228، 229.








  1. في «م» وهامش «ش»: محبة العالم.
  2. في «م» وهامش «ش»: فمنهوماً.
  3. في «م» وهامش «ش»: مغرماً.
  4. في هامش «ش»: مغلوباً کي لا.
  5. الغارات 1: 148، تاريخ اليعقوبي 2: 205، العقد الفريد 2: 81، الخصال: 186 / 257، کمال الدين: 290، تحف العقول: 113، آمالي المفيد: 247 / 3، امالي الطوسي 1: 19، تاريخ بغداد 6: 379 وفيه الي قوله:.. يستعمل آلة الدين في الدنيا، مناقب الخوارزمي:365 / 383، والتفسير الکبير للفخر الرازي 2: 192 وفيهما الي قوله: والمال محکوم عليه. (1) في هامش «ش»: شاهد.