من كلامه في وجوب المعرفة بالله و التوحيد له











من کلامه في وجوب المعرفة بالله و التوحيد له



فمن ذلک ما رواه أبو بکر الهُذَليّ، عن الزهري وعيسي بن يزيد، عن صالح بن کيسان: أنّ أميرَ المؤمنين عليه السلام قال في الحَثّ علي معرفة الله تعالي والتوحيد له: «أوّلُ عبادةِ الله معرفتُه، وأصلُ معرفته توحيدُه، ونظامُ تَوْحيدِه نفيُ التشبيه عنه، جَلَّ عَنْ أنْ تَحلّه الصفات، لشهادة العقُول أنَّ کلَّ مَنْ حَلّته الصفات مصنوعٌ، وشهادةِ العقول أنّه- جَلّ جلالُه- صانع ليس بمصنوع، بصُنْع الله يُسْتدَلّ

[صفحه 224]

عليه، وبالعقول تُعْتَقَد معرفتُه، وبالنظر تَثْبُتُ حجَّتُه، جَعَل الخلقَ دليلاً عليه، فکشَفَ به عن رُبُوبيّته، هو الواحد الفَرْد في أزَليّته، لا شريکَ له في إلهيّته، ولأ نِدّ له في ربُوبيّته، بمضُادّته بينَ الأشياءِ المتَضادة عُلِمَ أنْ لا ضِدَّ له، وبمُقارَنَته بينَ الأمور المُقْترِنة عُلِمَ أنْ لا قرينَ له»[1] .

في کلام يطول بإِثباته الکتاب.

وممّا حفظ عنه عليه السلام في نفي التشبيه عن الله عز اسمه، ما رواه الشعبي قال: سمع أميرُ المؤمنين عليه السلام رجلاً يقول: والذي احْتَجَب بسبع طباق، فعلاه بالدرّة[2] ، ثمّ قال له: «يا ويلک، إنّ الله أجلّ من أن يحتجب عن شيء، أويحتجب عنه شيء، سبحان الذي لا يَحْوِيه مکان، ولا يَخْفي عليه شيءٌ في الأرض ولا في السماء» فقال الرجل: أفأُکَفِّر عن يميني، يا أميرَ المؤمنين؟ قال: «لا لَمْ تحلف بالله فتَلْزَمُک کفّارة، وانّما حلفتَ بغيره»[3] .

وروي أهل السيرة وعلماء النقلة: انّ رجلاً جاء إِلي أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: يا أميرالمؤمنين، خبّرني عن الله تعالي، أرأيته حين

[صفحه 225]

عبدتَه؟ فقال له أمير إلمؤمنين عليه السلام: «لم أکُ بالذي[4] أعْبُدُ مَنْ لم أرَه» فقال له: کيف رأيتَه؟ فقال له: «يا وَيحَک لم تَرَه العيون بمشاهَدَة الأبصار، ولکنْ رأته القلوب بحَقائق الإيمان، معروفٌ بالدِلالات، منعوتٌ بالعلامات، لا يُقاس بالناس، ولا تُدرکه الحواسّ» فانصرف الرجل وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالاته[5] .

وفي هذا الحديث دليل علي أنّه عليه السلام کان ينفي عن الله سبحانه رؤية الأبصار.

وروي الحسن بن أبي الحسن البصري قال: جاء رجل إِلي أميرالمؤمنين عليه السلام بعد انصرافه من حرب صِفّين فقال له: يا أميرالمؤمنين، خَبِّرنا عمّا کان بيننا وبين هؤلاء القوم من الحرب، أکان ذلک بقضاء من الله تعالي وقَدَر؟ فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: «ما عَلَوْتم تَلْعَةً ولا هَبَطْتُم وادياً، إلاّ وللهّ فيه قضاء وقَدَر» فقال الرجل: فعند الله أحتسب عنائي يا أميرالمؤمنين، فقال له: «ولِمَ؟» قال: إذا کان القضاء والقدر ساقانا إلي العمل، فما وجهُ الثواب لنا علي الطاعة؟ وما وجهُ العقاب لنا علي المعصية؟ فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: «أوَظَنَنْت يا رجَلُ أنّه قضاء حَتْم، وقدرٌ لازم، لا تظُنَّ ذلک فإِنّ القولَ به مقالُ عَبَدَةِ الأوثان، وحِزْب الشيطان، وخُصَماء الرحمن، وقَدَريَةِ هذه الأُمّةِ ومَجُوسِها، إِنّ الله جلَّ جلاله أمَرَ تخييراً، ونهي تحذيراً، وکلّف يَسيراً، ولم يُطَع مُکْرهاً، ولم يًعْصَ مغلوباً،

[صفحه 226]

ولم يَخْلق السماء والأرض وما بينهما باطلاً (ذَلِکَ ظَنُّ ألذِينَ کَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلّذِينَ کَفَرُوا مِنَ النار)[6] » فقال له الرجل: فما القضاء والقَدَر الذي ذکرتَه يا أميرالمؤمنين؟ قال: «الأمرُ بالطاعة، والنهيُ عن المعصية، والتمکينُ من فعل الحسنة وترک السيئة، والمعونةُ علي القربة إِليه، والخِذْلانُ لمن عصاه، والوعدُ والوعيدُ والترغيبُ والترهيبُ، کلُّ ذلک قضاء الله في أفعالِنا وقدرهُ لأعمالِنا، فأمّا غيرذلک فلا تظنّه، فإِنّ الظن له مُحبِط للأعمال» فقال الرجل: فرّجتَ عنّي يا أميرَ المؤمنين فرَّج الله عنک، وأنشأ يقول:


أنت الإمام الذي نرجو بطاعته
يومَ المَآب مِنَ الرَّحمن غفْرانا


أوضحتَ مِنْ دينِنا ما کان مُلْتَبِساً
جزاک ربًک بالإحسانِ إحسانا[7] .


وهذا الحديث موضح عن قول أميرالمؤمنين عليه السلام في معني العدل، ونفي الجبر، وِاثبات الحکمة في أفعال الله تعالي، ونفي العبث عنها.

[صفحه 227]


صفحه 224، 225، 226، 227.








  1. وردت الخطبة في الاحتجاج: 200، وباختلاف يسير في تحف العقول: 43، وبعضها في الکافي 1: 4/108، التوحيد: 308، وامالي المرتضي 1: 103، ونهج البلاغة 2: 144 / 181، ونقله العلامة المجلسي في البحار 4: 253.
  2. الدِرّة: التي يًضرب بها «الصحاح- درر- 2: 656».
  3. ورد نحوه في الغارات 1: 112، والتوحيد: 184، ونثر الدر 1: 296، وذکره المؤلف باختلاف يسير في الفصول المختارة: 38، ونقله العلامة المجلسي في البحار 3: 310 / 3 و 104: 205 / 1.
  4. بالذي: سقطت من «ش» و «م» واثبتناها من «ح».
  5. الاحتجاج: 209، وامالي المرتضي 1: 104، وفيه: عن الامام الصادق عليه السلام. ونقله العلامة المجلسي في البحار 4: 8/32.
  6. ص 38: 27.
  7. التوحيد: 380، عيون أخبار الرضا عليه السلام 1: 138، مصباح الأنوار: 187، الفصول المختارة: 42، تحف العقول: 349، الاحتجاج: 208 باختلاف في الالفاظ، ونقله العلامة المجلسي في البحار5: 125 /74.