في ذكر ما جاء من قضاياه في إمارة عُمَر بن الخَطّاب











في ذکر ما جاء من قضاياه في إمارة عُمَر بن الخَطّاب



فمن ذلک ما جاءت به العامّة والخاصّة في قصّة قُدامَة بن مَظْعُون وقد شَرِب الخمرَ فأراد عمرُ أن يَحُدّه، فقال له قُدامة: إِنّه لا يجب عليَّ الحَدُّ، لأنَّ الله تعالي يقول: (لَيْسَ عَلَي ألَّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا ألصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فيما طَعِموا إِذَا مَا اتَّقَوا وَآمَنُوا وَعَمِلوا

[صفحه 203]

الصَّالِحَاتِ ثَمَّ اتَّقَوْا وآمَنُوا )[1] فدرأ عمرُ عنه الحدّ، فبَلَغ ذلک أميرَ المؤمنين عليه السلام فمشي إِلي عُمَر فقال له: «لمَ تَرَکْتَ إِقامةَ الحدّ علي قُدامة في شُربه الخمر؟» فقال له: إِنّه تلا عليّ الآية، وتلاها عمر علي أميرالمؤمنين عليه السلام، فقال له أميرالمؤمنين عليهه السلام: «ليس قًدامَة من أَهل هذه الاية، ولا مَنْ سَلَک سبيله في ارتکاب ما حرّم اللهُ عزّوجلّ، إِنّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات لا يستحلّون حراماً، فاردُدْ قُدامة واستَتِبْه ممّا قال، فإن تاب فأَقِمْ عليه الحدّ، وإِن لم يَتُبْ فاقتًله فقد خَرَج عن المِلّة» فاستيقظ عُمَر لذلک، وعرف قُدامة الخبر، فأظهر التوبةَ والإقلاع، فدرأَ عمر عنه القتلَ، ولم يَدْرِ کيف يَحُدّه. فقال لأميرالمؤمنين: أَشر عليَّ في حدّه، فقال: «حدّه ثمانين، إِنّ شاربَ الخمر إِذا شَرِبها سَکر، وإِذا سَکَر هذي، وإذا هَذي افتري» فَجَلده عمر ثمانين وصار إِلي قوله في ذلک[2] .

وروَوْا: أنَّ مجنونة علي عهد عمر فَجَر بها رجلٌ ، فقامت البيّنةُ عليها بذلک، فأمر عمر بجلدها الحَدّ، فمُرّ بها علي أميرالمؤمنين عليه السلام لتُجْلَد فقال:«ما بالُ مجنونة آل فلان تعتل[3] ؟» فقيل له:أنّ رجلاً َفجَر بها وهَرَب، وقامت البيّنةُ عليها، فأمر عمر بجلدها، فقال لهم: «رُدّوها إليه وقولوا له: أما علمتُ أنّ هذه مجنونةُ آل فلان! وأنّ النبيَّ صلّي الله

[صفحه 204]

عليه وآله قال: رُفع القلمُ عن ثلاثة: عن المجنون حتي يفيق! إِنّها مغلوبةٌ علي عقلها ونفسها»، فرُدّت إِلي عمر، وقيل له ما قال أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: فرّج اللهُ عنه لقد کدتُ أَن أَهْلکَ في جَلدْها.ودرأ عنهأ الحَد[4] .

وروَوْا: أَنّه أتي بحاملٍ قد زنت فأَمر برجمها، فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: «هَبْ لک سبيلٌ عليها، أيّ سبيل لک علي ما في بطنها!؟ والله تعالي يقول:(وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ اُخْري )[5] » فقال عمر: لا عِشْتُ لمُعضلةٍ لا يکون لها أبو حسنِ، ثمّ قال: فما أَصنع بها؟ قال: «اِحتَطْ عليها حتّي تَلِد، فإِذا وَلَدتْ ووَجَدتَ لولدِها من يکفلُه فأقِم الحدَّ عليها» فسُرّي بذلک عن عمر وعوّل في الحکم به علي أميرِ المؤمنين عليه السلام[6] .

وروَوْا: أنه استدعي امرأةً تتحدّثُ عندها الرجال، فلمّا جاءها رسلُه فزعت وارتاعت وخرجت معهم، فأملصت[7] فوقع إِلي الأرض ولدُها يَسْتهِلّ ثمّ مات، فبلغ عمر ذلک فجمع أصحابَ رسول الله

[صفحه 205]

صلي الله عليه وآله وسألهم عن الحکم في ذلک، فقالوا بأجمعهم: نراک مؤدِّباً ولم ترِد إلاّ خيراً ولا شيءَ عليک في ذلک. وأميرُ المؤمنين عليه السلام جالس لا يتکلّم في ذلک، فقال له عمر: ما عندک في هذا يا أبا الحسن؟ قال: «قد سمعتَ ما قالوا» قال: فما تقول أنت؟ قال: «قد قال القومُ ما سمعتَ» قال: أقسمت عليک لتقولَنَّ ما عندک، قال: «إِن کان القوم قاربوک فقد غَشّوک، وإن کانوا ارتؤوا فقد قَصّروا، الديةُ علي عاقِلتک لأنَّ قتلَ الصبي خطأ تعلّق بک» فقال: أَنت والله نَصَحْتَني من بينهم، والله لا تبرَح حتي تُجزِّئ الديةَ علي بني عَديّ، ففعل ذلک أميرُ المؤمنين عليه السلام[8] .

وروَوْا: أنَّ امرأتين تنازعَتا علي عهد عمر في طفلٍ ادّعته کلُ واحدة منهما ولداً لها بغيربيّنة، ولم يُنازِعهما فيه غيرُهما، فالتبس الحکم في ذلک علي عمر وفَزِعَ فيه إِلي أميرالمؤمنين عليه السلام، فاستدعي المرأتين ووعظهما وخوَّفهما فأقامتا علي التنازع والاختلاف، فقال عليه السلام عند تماديهما في النزاع: «ايتوني بمنْشار» فقالت له المرأتان: ما تصنع؟ فقال: «أقُدّه نصفين، لکَلّ واحدة منکما نصفه» فسکتت احداهما وقالت الاخري: الله الله يا أَبا الحسن، إِن کان لا بُدَّ من ذلک فقد سمحتُ به لها، فقال: «الله اکبر، هذا ابنک دونها، ولو کان ابنها لرقَّت عليه وأشفقَتْ» فاعترفتِ المرأة الأخري بأنَّ الحقّ

[صفحه 206]

مع صاحبتها والولدُ لها دونه، فسُرِي عن عمر ودعا لأميرالمؤمنين عليه السلام بما فَرّج عنه في القضاء[9] .

ورُوِي عن يونس، عن الحسن: أن عمر أُتي بامرأةٍ قد وَلَدت لستة أشهر فهمَّ برجمها، فقال له أميرُ المؤمنين عليه السلام: «إِنْ خاصمتک بکتاب الله خَصَمْتُک، إِنّ الله عزّ اسمه يقول: (وَحَمْلهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً)[10] ويقول تعالي: (وَاْلوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ اَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ کَامِلَيْن لمِنْ اَرَادَ اَنْ يُتِمَّ آلرَّضَاعَةَ)[11] فإِذا تَمّمت المرأة الرَضاعة سنتين، وکان حَمله وفصاله ثلاثين شهراً، کان الحمَل منها ستة أشهر» فخلّي عمر سبيلَ المرأة وثبت الحکم بذلک، يعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنه إِلي يومنا هذا[12] .

وروَوْا: أنَّ امراةً شَهِد عليها الشهودُ أَنّهم وجدوها في بعض مياه العرب مع رجل يَطؤها ليس ببعلٍ لها، فأمر عمر برَجمها وکانت ذات بَعْل، فقالت: اللهم إِنّک تعلم أني بريئة، فغضب عمر وقال: وتَجْرَح الشهودَ أَيضاً، قال أميرُ المؤمنين عليه السلام: «رُدّوها واسألوها، فلعلّ لها عُذراً» فرُدَّت وسُئلت عن حالها فقالت: کان لأهلي إِبل فخرجتُ في إِبل أَهلي وحَمَلْتُ معي ماء ولم يکن في إِبلي لَبنٌ ، وخرج معي

[صفحه 207]

خليطُنا وکانت في إِبله لبنٌ، فنَفِذَ مائي، فاستسقيتهُ فأبي أن يسقِيَني حتّي أُمکَنَه من نفسي، فأبيتُ ، فلمّا کادت نفسي تخْرُج أمکنتهُ من نفسي کُرْهاً. فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: «الله أکبر (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ )[13] » فلمّا سَمِع ذلک عمر خلّي سبيلها[14] .


صفحه 203، 204، 205، 206، 207.








  1. المائدة5: 93.
  2. روي نحوه في الکافي 7: 215 / 10، التهذيب 10: 93، تفسير العياشي 1: 341 / 289، علل الشرائع: 539 / 7، سنن الدار قطني 3: 166، والدر المنثور 3: 161 دامة بن مظعون، ونقله العلامة المجلسي في البحار40: 249 /43، 79: 159 / 14.
  3. تعتل: تجذب جذباً عنيفاً. «الصحاح-عتل- 5: 1758».
  4. مناقب ال أبي طالب 2: 366، وروي نحوه في مسند أحمد 1: 154، سنن أبي داود 4: 140، مسند أبي يعلي 1: 440، المستدرک علي الصحيحين 2: 59، سنن الدارقطني 3: 138 / 173، سنن البيهقي 8: 264، سنن سعيد بن منصور 2: 67، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 79: 6/88.
  5. الانعام 6: 164، الإسراء 17: 15، فاطر35: 18، الزمر 39: 7.
  6. روي باختصار في الاختصاص: 111، مناقب آل أبي طالب 2: 362، کفاية الطالب: 227، إرشاد القلوب: 213، ونقله العلامة المجلسي في البحار 79: 49 / 35.
  7. أملصت المرأة بولدها؟ أسقطته. «الصحاح- ملص- 3: 1057».
  8. رواه ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب 2: 366، ونحوه في أنساب الأشراف 2: 187، الکافي 7: 374 / 11، تهذيب الأحکام 10: 312 / 1165، شرح نهج البلاغة 1: 174، ونقله العلامة المجلسي في البحار 104: 394 / 31.
  9. مناقب آل أبي طالب 2: 367، ونحوه في فضائل شاذان: 64، ونقله العلامة المجلسي في البحار 40: 252 / 26.
  10. الأحقاف 46: 15.
  11. البقرة 2: 233.
  12. روي نحوه في الدر المنثور 1: 288، و 6: 40، سنن سعيد بن منصور 2: 66، السنن الکبري 7: 442، مناقب آل أبي طالب 2: 365، ونقله الحويزي في تفسير نور الثقلين 5: 14 / 19، والعلامة المجلسي في البحار 40: 252 / 27.
  13. البقرة 2: 173.
  14. مناقب آل أبي طالب 2: 369، وروي نحوه في تفسير العياشي 1: 74، الفقيه 4: 25: التهذيب 10: 49 / 186، کنز العمال 5: 456، ونقله العلامة المجلسي في البحار 40: 253 / ذخ 27، و 79، 50 / 36.