في ذكرمختصرمن قضائه في إِمارة أبي بكر ابن أبي قحافة











في ذکرمختصرمن قضائه في إِمارة أبي بکر ابن أبي قحافة



فمن ذلک ما جاء الخبرُ به عن رجال من العامّة والخاصّة: أنّ رجلاً رُفِع إِلي أَبي ٍبکر وقد شرَب الخمر، فأَراد أَن يُقيم عليه الحَدّ فقال له: إِنّني شَرِبتها ولا علمَ لي بتحريمها، لأنّي نشأتُ بين قومٍ يستحلّونها، ولم أعْلم بتحريمها حتّي الآن.. فارتجّ[1] علي أبي بکر الأمرُ بالحکم عليه، ولم يَعْلَم وجهَ القضاء فيه، فأشارعليه بعضُ من حضره أن يَستخبر أميرَ المؤمنين عليه السلام عن الحکم في ذلک، فأرسل إِليه من سأله عنه، فقال أميرُ المؤمنين عليه السلام: «مُرْ ثِقتين من رجال المسلمين يَطًوفان به علي مجالس المهاجرين والأنصار، ويُناشدانهم الله هل فيهم أحدٌ تلا عليه آيةَ التحريم أو أخبره بذلک عن رسول الله صلّي اللّه عليه وآله؟ فإِن شَهِدَ بذلک رَجلان منهم فأقِمْ الحَدَّ عليه، وِان لمَ يْشَهد أحدٌ بذلک فاستتِبْه وخَلِّ سبيلَه» ففعل ذلک أبو بکر، فلم يَشْهَد عليه أحدٌ من المهاجرين والأنصار أنّه تلا عليه آيةَ التحريم، ولا أخبره عن رسول اللّه صلّي الله عليه وآله بذلک، فاستتابه أبو بکر وخلّي سبيله، وسلَّم لعليّ عليه السلام في القضاء

[صفحه 200]

به[2] .

وروَوْا: أَنّ أَبا بکر سُئل عن قوله تعالي: ، (وَفَاکِهَةً وَأَباً)[3] فلم يعرِف معني الأبّ في القرآن، وقال: أَيُّ سَماء تُظِلّني وأَيِّ[4] أَرض تُقِلّني أَم کيف أَصنع إِن قلتُ في کتاب اللّه تعالي بما لا أَعلم، أَمّا الفاکهة فنَعْرِفها، وأما الأبُّ فاللّه أعلمُ به. فبلغ أميرَ المؤمنين عليه السلام مقالُه في ذلک، فقال: عليه السلام:«يا سبحان اللّه، أما عَلِمَ أنَّ الأبَّ هو الکَلأَ والمَرعي، وأنَّ قوله عزّ اسمه: (وَفَاکِهَةً وَأباً)اعتداد من الله سبحانه بإِنعامه علي خلقه فيما غذّاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم مما تُحيي به أنفسُهم وتَقُوم به أجسادُهم»[5] .

وسُئِل أبو بکر عن الکَلالة فقال: أقول فيها برأيي، فإِن أصبت فمن الله، وِإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان. فبلغ ذلک أميرَ المؤمنين عليه السلام فقال: «ما أغناه عن الرأي في هذا المکان! أما عَلِم أنّ الکَلالة هم الإخْوَة والأخوات من قبَل الأب والأمّ، ومن قِبَل الأب علي انفراده، ومن قِبَل الامّ أيضاً علي حِدَتها، قال اللّه عزّ قائلاً:

[صفحه 201]

( يَسْتَفْتُونَکَ قُلِ الله يُفْتيکُمْ في الْکَلالَةِ إِن امْرُؤ هَلَکَ لَيْسَ لَهُ ولدِّ وله اُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَکَ وَهُوَ يَرثُهَا اِنْ لَمْ يَکُنْ لَهاَ ولد)[6] وقال جلّت عظمته: ( وَاِنْ کَانَ رَجُلٌ يُورثُ کَلالَةً أًوِ امْرَاَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ اُخْتٌ فَلِکلّ وَاحِدٍ مِنْهُما السُّدُسُ فَاِن کانوا اَکْثَرَ مِن ذَلِک فَهُمْ شُرکاءُ في الثُلُثِ)[7] [8] .

وجاءت ألروايةُ: أَنّ بعضَ أَحبار اليهود جاء إِلي أَبي بکر فقال: أَنت خليفةُ نبيّ هذه الأمة؟ فقال له: نعم، فقال: فإِنّا نَجِدُ في التوراة أَنّ خلفاءَ الأَنبياء أَعلمُ أُممهم، فخبرني عن الله تعالي أَين هو في السماء أَم في الأَرض؟ فقال له ابو بکر: في الَسّماء علي العرش، فقال اليهودي: فأَرَي الأَرضَ خاليةً منه، وأَراه علي هذا القول في مکان دون مکان. فقال أَبو بکر: هذا کلامُ الزَنادقة، اُغرُبْ عنّي وإلاّ قتلتُک. فولّي الحَبْر متعجّباً يستهزئ بالإسلام، فاستقبله أَميرُ المؤمنين عليه السلام فقال له: «يا يهودي، قد عرفتُ ما سألتَ عنه، وما أُجِبتَ به، وانّا نقول: إنّ الله جلّ وعزّ أيَّن الأَيْنَ فلا أين له، وجلّ عن أن يحوِيَه مکان، وهو في کلّ مکان بغيرمماسّة ولا مُجاوَرة، يحُيط علماً بما فيها ولا يخلوشيءٌ منها من تدبيره، وإِنّي مُخبرک بما جاء في کتاب من کتبکم يُصَدِّق ما ذکرتُه لک، فان عرفتَه أتؤمِنُ به؟» قال اليهوديُ: نعم، قال: «ألستم تَجِدون في بعض کتبکم أنَ موسي بن عِمران عليه السلام کان ذاتَ يوم جالساً إِذ جاءه مَلَکٌ من المَشرق، فقال له موسي: من أين أَقبلت؟ قال: من عند الله عزّ

[صفحه 202]

وجلّ، ثمّ جاءه مَلَک من المَغرب فقال له: من أين جئتَ؟ قال: من عند الله، وجاءه مَلَک آخر، فقال: قد جئتُک من السماء السابعة من عند الله تعالي، وجاءه مَلَک آخر فقال: قد جئتُک من الأرض السابعة السُفلي من عند الله عزّ اسمه ، فقال موسي عليه السلام: سبحانَ من لا يخَلو منه مکانٌ، ولا يکون إلي مکان أقربَ من مکان» فقال اليهودي: (أشهد أَنَ هذا هو)[9] الحق، وأنک أحقُّ بمقام نبيّک ممّن استولي عليه[10] .

وأمثالُ هذه الأَخبار کثيرة.


صفحه 200، 201، 202.








  1. اُرْتِجَ عليه وارتُجّ عليه: استبهم عليه. «لسان العرب- رتج- 2: 280».
  2. الکافي 7: 216 / 16، و 249 / 4، وتهذيب الأحکام 10: 94 / 361، خصائص الرضي: 81، مناقب آل أبي طالب 2: 356 باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار 79: 159 / 13.
  3. عبس 80: 31.
  4. في هامش «ش»: أم أي.
  5. ذکر صدره ابن شهرآشوب في مناقبه 2: 32، والسيوطي في الدر المنثور 6: 317 عن فضائل أبو عبيد وعبد بن جميل، ونقله البحراني في تفسير البرهان 4: 1/429، والحويزي في تفسير نور الثقلين 5: 14/511، والعلامة المجلسي في البحار 79: 13/159.
  6. النساء 4: 176.
  7. النساء 4: 12.
  8. سنن الدارمي 2: 365، الفصول المختارة من العيون والمحاسن: 161، وشرح النهج 17: 201، وفيها صدر الحديث، ونقله العلامة المجلسي في البحار 104: 344 / 13.
  9. في هامش «ش» و«م»: أشهد أن لا إله إلآ هو، هذا هو.
  10. الاحتجاج 1: 209، ونقله العلامة المجلسي في البحار 40: 248.