لجؤ كبار الصحابة إلي علي في حل معضلات الامور











لجؤ کبار الصحابة إلي علي في حل معضلات الامور



فأما الأَخبارُ التي جاءت بالباهر من قضاياه عليه السلام في الدين، وأحکامه التي افتقر إليه في علمها کافّةُ المؤمنين، بعد الذي أثبتناه من جملة الوارد في تقدّمه في العلم، وتبريزِه علي الجماعة بالمعرفة والفهم، وفَزَعِ علماء الصحابة إليه فيما اَعْضَل من ذلک، والتجائِهم إليه فيه وتسليمِهم له القضاء به، فهي أکثرُمن أن تُحصي وأجلُّ من أن تُتعاطي، وأنا مُورِدٌ منها جملةً تدلّ علي ما بعدها إن شاء اللّه.

[صفحه 193]

فمن ذلک ما رواه نَقلةُ الاثار من العامّة والخاصّة في قضاياه ورسول الله صلّي الله عليه وآله حي فصوَّبه فيها، وحَکَم له بالحقّ فيما قضاه، ودعا له بخير وأثني عليه به، وأبانه بالفضل في ذلک مِن الکافة، ودَلَّ به علي استحقاقه الأمرَ من بعده، ووجوب تقدّمه علي من سواه في مقام الإمامة، کما تضمّن ذلک التنزيلُ فيما دلّ علَي معناه وعُرِف به ما حواه التأويل، حيث يقول الله عزّ اسمه:(اَفَمَنْ يَهْدِي اِلَي الْحَقِّ أحقُّ اَنْ يُتَّبَعَ اَمَّن لا يَهِدِي اِلاّ أنْ يُهْدي فَمَا لَکُمْ کَيْفَ تَحْکُمُونَ)[1] وقوله تعالي ذکره: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ألَّذينَ يَعْلَمُونَ وَألَّذينَ لا يَعْلَمُونَ اِنماَ يَتَذَکرُ أُولُوا الالْبَاب)[2] وقوله تعالي سبحانه في قصّة آدم عليه السلام وقد قالت الملائکةَ: (اَتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفْسِدُ فيهَا وَيسفِکُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِکَ وَنُقَدس لَکَ قَالَ إِني اَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ، وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ کُلَهَا ثَم عَرَضَهُمْ عَلَي اْلمَلائِکَةِ فَقَالَ أنْبِؤُني باَسْمَاءِ هؤُلاَءِ اِنْ کُنْتُمْ صَادِقينَ، قَالوُا ْسبحانک لا عِلْمَ لَنَا إلاّ مَا عَلًّمْتَنَا اِنّکَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَکيمُ، قَالَ يَا آدَمُ اَنْبِئْهُمْ باَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا اَنْبَأهُمْ بِاَسْمَائِهِمْ قَالَ اَلَمْ اَقُلْ لَکُمْ اِنّي اَعْلَمُ غَيْبَ السماوات وألارْضِ وَاَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا کًنْتُمْ تَکْتُمُونَ)[3] .

فنَبَّه الله سبحانه الملائکةَ علي أنّ ادم أحقُّ بالخلافة منهم، لأنّه أعلمُ منهم بالأسماء وأفضلُهم في علم الأنباء.

[صفحه 194]

وقال جلّ ذکره في قصّة طالوت: (وَقَالَ لهَمْ نَبِيّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَکُمْ طَالوتَ مَلِکآَ قَالُوا اَنّي يَکُونُ لَهُ الْمُلْک عَلَيْنا وَنَحْن أحَقٌّ بِالمُلکِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ اِنَّ الله اصْطَفَاة عَلَيْکمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فيِ الْعِلْمِ والْجِسْمِ وَاللّهُ يؤتيِ مُلْکَهُ مَنْ يَشَاءُ واللّه وَاسِعٌ عَليم)[4] .

فجعل جهةَ حقّه في التقدم عليهم ما زاده اللّهُ من البسطة في العلم والجسم، واصطفاءهُ إيّاه علي کافّتهم بذلک، فکانت هذه الآيات موافقةً لدلائل العقول في أنّ الأعلمَ أحقُّ بالتقدّم في محلّ الإمامة ممّن لا يُساويه في العلم، ودلّت علي وجوب تقدّم أميرالمؤمنين عليه السلام علي کافّة المسلمين في خلافةِ الرسول صلّي اللّه عليه وآله وإمامةِ الأمّة لتقدّمه عليهم في العلم والحِکمة، وقصُورهم عن منزلته في ذلک.


صفحه 193، 194.








  1. يونس 10: 35.
  2. الزمر 39: 9.
  3. البقرة 2: 30 ـ 33.
  4. البقرة 2: 247.