فضله و رتبته











فضله و رتبته



ثمّ کان ممّا أَکَّدَ له الفضلَ وتخصّصه منه بجليل رتبته، ما تَلا حجّةَ الوداع من الأُمور المُتَجدِّدة لرسول الله صلّي الله عليه واله والأحداثِ التي اتّفقت (بقضاء الله وقدره)[1] وذلک أنه عليه واله السلام تَحَقَّق من دُنُوّ أجله ما کان (قَدَّم الذِکرَ)[2] به لأمتّه، فَجَعَل عليه السلام يَقوم مَقاماً بعد مَقام في المسلمين يُحذِّرُهم من الفتنةِ بعده والخلافِ عليه، ويُؤکِّد وَصاتَهم بالتمسک بسنته والاجتماع عليها والوفاق، ويحُثُّهم علي الاقتداء

[صفحه 180]

بعِترته والطاعة لهم والنصرة والحِراسة، والاعتصام بهم في الدين، ويَزْجُرهم عن الخلاف والارتداد. فکان فيما ذکره من ذلک عليه وآله السلام ما جاءت به الرواة علي اتفاق واجتماع من قوله عليه السلام:

«أيّها الناس، إنّي فَرَطُکم وأنتم واردون عليَّ الحوض، ألا وانّي سائلُکم عن الثقلين، فانظُروا کيف تَخْلُفوني فيهما، فإنّ اللطيفَ الخبيرَ نبّأني أنّهما لن يفترقا حتي يَلْقَياني، وسألتُ ربّي ذلک فأعطانيه، ألا وإِنّي قد تَرَکتُهما فيکم: کتاب الله وعترتي أهل بيتي، فَلا تَسبقوهم فتفرّقوا، ولا تُقَصِّروا عنهم فتَهْلِکوا، ولا تعَلِّموهم فإنّهم أعلم منکمَ.

أيّها الناس، لا ألفِينّکم بعدي تَرجِعون کُفّاراً يَضرب بعضُکم رقابَ بعض، فتَلقَوْني في کَتيبةٍ کمَجَرّ السيل الجرّار (ألا وان عليّ بن أبي طالب أخي)[3] ووصيّي، يُقاتل بعدي علي تأويل القرآن کما قاتلت علي تنزيِله»[4] .

فکان عليه وآله السلام يَقوم مجلساً بعد مجلس بمثل هذا الکلام ونحوه.

ثمّ إنّه عَقَد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرةَ، ونَدَبه أن يَخْرُجَ بجمهور الاًمّة إلي حيث أصيب أبوه من بلاد الروم، واجتمع رأيهُ عليه السلام علي إخراج جماعة من متقدّمي المهاجرين والأنصار في

[صفحه 181]

معَسْکَره، حتّي لا يَبقي في المدينة عند وفاته صلّي الله عليه وآله من يَختلف في الرئاسة، ويَطْمَع في التقدّم علي الناس بم الإمارة، ويستتِبُّ الأمرُلمن استخلفه من بعده، ولا يُنازِعُه في حقّه مُنازع، فعَقَد له الإمرةَ علي من ذکرناه.

وجدَّ عليه وآله السلام في إخراجهم، فأمَرَ أًسامةَ بالبرُوز[5] عن المدينة بمُعَسکره إلي الجُرْف[6] ، وحَثَ الناسَ علي الخروج إليه والمسير معه، وحَذَّرَهم من التَلَوّم والإبطاء عنه.


صفحه 180، 181.








  1. في هامش «ش»: بعون الله وقدرته.
  2. في هامش «ش»: تقدم الذکر.
  3. في نسخة «ش»: الا علي بن ابي طالب فانه اخي، وفي «م» وهامش «ش»: او علي بن ابي طالب فانه اخي، واثبتنا مافي نسخة العلامة المجلسي
  4. وردت قطع من الحديث في الطبقات الکبري 2: 194، تأريخ اليعقوبي 2: 111 و 112، صحيح مسلم 4: 1873، مسند أبي يعلي 2: 297، 303، مستدرک الحاکم 3: 109، مصباح الأنوار: 285. ونقله العلامة المجلسي في البحار 22: 465 / 19.
  5. في «م» وهامش «ش»: بالخروج.
  6. الجرف: موضع علي ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. «معجم البلدان 2: 128».