ما جاء عن تأمر الخوارج لقتله











ما جاء عن تأمر الخوارج لقتله



ما رواه جماعة من أهل السير: منهم أبو مِخْنَف لوط بن يحيي، واسماعيلُ بن راشد، وأبو هِشام الرِفاعيّ[1] ، وأبو عمرو الثقفيّ، وغيرهم، أنّ نَفَراً من الخوارج إجتمعوا بمکة، فتذاکروا الأمراء فعابوهم وعابوا أعمالهم عليهم وذکروا أهلَ النهروان وتَرَحّمَوا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لوأنّا شَرينا أنفسَنا لله، فأتينا أئمة الضَلال فطَلَبنا غِرَّتَهم فأرَحْنا منهم العبادَ والبلادَ، وثَأرْنا بإخواننا للشُهداءِ بالنَهروان. فتعاهَدوا عند انقضاء الحجّ علي ذلک، فقال عبدُ الرحمن بنُ مُلْجَم: أنا أکْفِيکم

[صفحه 18]

علياً، وقال البُرکْ بن عبداللّه التميميّ: أنا أکْفِيکم معاوية، وقال عَمرو بن بکر التميميّ: أنا أکْفِيکم عَمرو بن العاص؛ (وتعاقدوا)[2] علي ذلک، (وتوافقوا)[3] عليه وعلي الوفاء واتَعَدوا لشهر رمضان في ليلة تسعَ عشرة، ثمّ تفرقوا.

فاقبل ابنُ مُلْجَم - وکان عِدادُه في کِنْدَة - حتي قَدِمَ الکوفة، فلقي بها أصحابه فکتمهم أمرهَ مخافةَ أن يَنْتَشِرمنه شيء، فهوفي ذلک إذ زار رجلاً من أصحابه ذات يوم - من تيم الرِباب - فصادف عنده قَطام بنت الأخضر التيمية، وکان أميرالمؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنَهْروان، وکانت من أجمل نساء زمانها، فلمّا رآها ابنُ مُلْجَم شُغِف بها واشتدّ إعجابُه بها، فسأل في نکاحها وخطبها فقالت له: ما الّذي تُسَمِّي لي من الصَداق؟ فقال لها:احتَکِمي ما بدا لک، فقالت له: أنا محتکمةٌ عليکَ ثلاثَة الاف درهم، ووَصيفاً وخادماً، وقتلَ عليّ بن أبي طالب، فقال لها: لکِ جميعُ ما سألتِ، وأمّا قتلُ عليّ بن أبي طالب فأنّ لي بذلک؟ فقالت: تَلْتَمِس غِرّته، فإن أنت قتلتَه شفيتَ نفسي وهنَّأک العَيش معي، وإن قُتِلتَ فماعند الله خير لک من الدنيا. فقال: أما والله ما أقدمني هذا المصر- وقد کنتُ هارباً منه لا امَنُ مع أهله - إلاّ ما سألتِني من قتلِ علي بن أبي طالب، فلکِ ما سالتِ. قالت: فانا طالبةٌ لکَ بعضَ من يُساعدک علي ذلک ويُقوّيک.

ثمّ بَعَثتْ إلي وَرْدان بن مُجَالِد - من تَيمْ الرِباب - فخبّرتْه الخبرَ

[صفحه 19]

وسألتهْ مَعُونةَ ابنَ مُلْجَم، فتحمّل ذلک لها، وخرج ابن مُلْجَم فاتي رجلاً من أشجع يقال له: شَبيب بن بُجْرة، فقال: يا شَبيب، هل لکَ في شرف الدنيا والآخرة؟ قالَ: وما ذاک؟ قال: تُساعدُني علي قتل عليّ بن أبي طالب. وکان شَبيب علي رأي الخوارج، فقال له: يا ابن ملجم، هَبَلَتْک الهَبُول، لقد جئتَ شيئاً إدّاً، وکيف تقدر علي ذلک؟ فقال له ابنُ مُلْجَم: نَکمن له في المسجد الأعظم فإذا خرج لصلاة الفجرفتکنا به، وإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدرکنا ثأرنا. فلم يزل به حتي أجابه، فأقبل معه حتي دخلا المسجد علي قَطام - وهي معتکفة في المسجد الأَعظم، قد ضربت عليها قبة - فقال لها: قد اجتمع رأيُنا علي قتل هذا الرجل، قالت لهما: فإذا أردتما ذلک فالقياني في هذا الموضع.

فانصرفا من عندها فلبثا أيّاماً، ثمّ أتياها ومعهما الآخر ليلةَ الأربعاء لتسع عشرة ليلة خلتَ من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصبت[4] به صدورهم، وتقلّدوا أسيافَهم ومَضَوْا وجلسوا[5] مقابلَ السُدّة التي کان يخرُج منها أميرالمؤمنين عليه السلام إلي الصلاة، وقد کانوا قبل ذلک ألقَوْا إلي الأشعَث بن قَيْس ما في نفوسهم من العزيمة علي قتل أميرالمؤمنين عليه السلام، وواطَأهم عليه، وحضر الأشعَثُ بن قَيسْ في تلک الليلة لمعونتهم علي ما اجتمعوا عليه.

وکان حُجر بن عَدِيّ - رحمة الله عليه - في تلک الليلة بائتاً في المسجد، فسَمِع الأشعثَ يقول لابن مُلْجَم: النَجاء النَجاء لحاجتک فقد فَضَحک

[صفحه 20]

الصبح، فأحسّ حُجْر بما أراد الأشعث فقال له: قتلتَهُ يا أعْور. وخرج مبادراً ليمْضِي إلي أميرالمؤمنين عليه السلام فيُخْبِرَه الخبر ويُحذِره من القوم، وخالفه أميرالمؤمنين عليه السلام فدخل المسجد، فسبقه ابنُ مُلْجَم فضربه بالسيف، وأقبل حُجْر والناس يقولون: قُتِل أميرُ المؤمنين، قُتِل أميرُالمؤمنين. وذکر محمّدُ بن عبدالله بن محمّد الأزْديّ قال: إني لاُصلّي في تلک الليلة في المسجد الأعظم مع رجال من أهل المصر کانوا يُصَلّون في ذلک[6] الشهر من أوّله إلي اخره، إذْ نظرتُ إلي رجال يُصَلّون قريباً من السُدّة، وخرج عليّ ابن أبي طالب عليه السلام لصلاة الفجر، فاقبل يُنادي «الصلاة الصلاة» فما أدري أنادي أم رأيتُ بَريق السيوف وسمعتُ قائلاً يقول: لله الحُکم - يا علي - لا لکَ ولا لأصحابک. وسمعتُ علياً عليه السلام يقول: «لا يَفُوتَنّکم الرجل» فإذا علي عليه السلام مضروب، وقد ضَرَبه شَبيبُ بن بُجرَة فاخطأه ووقعت ضربتُه في الطاق، وهَرَب القوم نحو أبواب المسَجد وتبادر الناس لأخذهم.

فأمّا شَبيب بن بُجْرة فاخذه رجل فَصَرَعه وجلس علي صدره، وأخذ السيفً من يده ليَقْتُلَه به، فرأي الناسَ يَقْصُدُون نحوَه فخشي أن يعجلوا عليه ولا يَسْمَعوا منه، فوَثَب عن صدره وخَلاّه وطَرَح السيفَ من يده، ومَضي شَبيب هارباً حتّي دخل منزله، ودخل عليه ابنُ عم له فرآه يَحُلّ الحريرَ عن صدره، فقال له: ما هذا، لعلک قتلت أميرالمؤمنين؟ فاراد أن يقول:لا،فقال: نعم، فمض ابنُ عمه فاشتمل علي سيفه، ثمّ دخل عليه فضربه حتّي قتله.

[صفحه 21]

وأمّا ابنُ ملجم،فإنّ رجلاً من هَمْدان لَحِقَه فطَرَح عليه قَطيفة[7] کانت في يده، ثمّ صَرَعه وأخذ السيفَ من يده، وجاء به إلي أميرالمؤمنين عليه السلام، وأفَلَت الثالث فانسلّ بين الناس.

فلمّا اُدْخِلَ ابنُ مُلْجَم علي أميرالمؤمنين عليه السلام نَظَر إليه ثم قال: «النفسُ بالنفس، إن أنا مِتُ فاقْتلُوه کما قَتَلني، وإن سَلِمْتُ رأيتُ فيه رأيي» فقال ابنُ مُلْجَم:

واللّه لقد ابتَعْتُه بالف وسَمَمْتهُ بالف، فإن خانني فأبْعَدَه اللّه.

قال: ونادته اُمّ کلثوم: يا عدوَّ اللّه، قتلتَ أميرَ المؤمنين عليه السلام قال: إنما قتلتُ أباک، قالت: يا عدوَّ الله، إنّي لأرجوأن لا يکونَ عليه بأسٌ، قال لها: فاراکِ إنّما تَبکين علي إذأ، واللّه لقد ضربتهُ ضربةً لو قسِمَتْ بين أهل الأرض لأهلکَتْهم.

فاُخْرِجَ من بين يَدَي أميرالمؤمنين عليه السلام وإنّ الناسَ ليَنْهشون[8] لحمَه باسنانهم کأنهم سِباع، وهم يقولون: يا عدوَّالله، ماذا فعلت[9] !؟ أهلکتَ اُمّة محمّدٍ وقَتَلْتَ خيرَ الناس. وإنّه لصامت ما ينطق. فذُهِبَ به إلي الحبس.

وجاء الناسُ إلي أميرالمؤمنين عليه السلام فقالوا له: يا أميرالمؤمنين مُرْنا بامرک في عدوّ الله، فلقد أهلک الأمّة وأفسد الملّة. فقال لهم أميرالمؤمنين عليه السلام: «إن عِشْتُ رأيت فيه رأي، وإن هَلَکْث فاصنعوا

[صفحه 22]

به[10] ما يُصْنَع بقاتل النبيّ، اقتلوه ثمّ حَرِّقوه بعد ذلک بالنار».

قال: فلمّا قضي أميرُ المؤمنين عليه السلام، وفَرَغ أهلهُ من دفنه، جَلسَ الحسنُ عليه السلام وأمرأن يؤتي بابن مُلْجَم، فجِيء به، فلمّا وقف بين يديه قال له: «يا عدؤَ اللّه، قتلتَ أميرالمؤمنين، وأعظمت الفساد في الدين» ثمّ أمر به فضُرِبَتْ عنقًه، واستَوْهَبتْ اُمّ الهَيْثم بنت الأسود النَخَعيّة جيفَتَه[11] ، منه لتَتَولّي إحراقَها، فوَهَبَهَا لها فاحْرَقَتْها بالنار.

وفي أمر[12] قَطام وقتل أميرالمؤمنين عليه السلام يقول الشاعر:

فلم أرمَهْراً ساقَهُ ذُو سَماحةٍ * کَمَهْرِقَطامٍ من فَصيحٍ وأعْجَم

ثلاثةِ آلافٍ وعبدٍ وقَيْنَةٍ * وضرب عليّ بالحُسام المَصَمَّم[13] .

ولامهرَاً غلي من عليٍّ وإن غلا * ولا فَتْکً إلا دونَ فَتْکِ ابنِ مُلْجَم

و أما الرجلان اللذان کانا مع ابنِ ملجم لعنهم اللّه أجمعين في العقد علي قتل معاوية وعمرو بن العاص، فإنّ أحدَهما ضَرَب معاوية وهو راکع فوقعت ضربتُه في أليته ونجَا منها، فاُخِذَ وقُتِل من وقته.

وأما الآخَرُ فإنّه وافي عَمْراً في تلک الليلة وقد وَجَدَ عِلّةً فاستخلف رجلاً يصَلّي بالناس يُقال له: خارجة بن أبي حَبيبة العامِري، فضربه

[صفحه 23]

بسيفه وهو يَظُن أنّه عمرو، فاُخِذ وأُتي به عَمْرو فقتله، ومات خارجةُ في اليوم الثاني[14] .


صفحه 18، 19، 20، 21، 22، 23.








  1. في «م» وهامش «ش»: أبو هاشم الرفاعي، وما في المتن من «ش» وهو الصواب وهو أبو هشام محمد بن يزيد بن محمد بن کثير بن رفاعة، انظر: انساب السمعاني 6: 143، اللباب لابن الاثير 2: 42 تهذيب التهذيب 9: 526.
  2. في «م» وهامش «ش»: تعاهدوا.
  3. في هامش «ش» و «م» : واوثقوا. وفي «م» وتوافقوا.
  4. في «م» و«خ»:فعصبوا.
  5. في «م» و «ح» وهامش «ش»: فجلسوا.
  6. في هامش «ش»: هذا.
  7. القطيفة: کساء له خمل «النهاية- قطف -4: 84».
  8. في هامش «ش»: لينهسون.
  9. في م وهامش «ش»: صنعت.
  10. في «م» زيادة: مثل.
  11. في هامش «ش»: جثته.
  12. في هامش «ش»: مهر.
  13. في هامش «ش»: المسمّم.
  14. ذکرت هذه الواقعة مقطعة في: تاريخ الطبري 5: 143، مقاتل الطالبيين: 29، طبقات ابن سعد 3: 35، انساب الاشراف 2: 489 / 524، مروج الذهب 2:411، الامامة والسياسة 1: 159، الکامل في التاريخ 3: 389، مناقب الخوارزمي: 380/ 401، مناقب ابن شهر آشوب 3: 311، ونقله العلامة المجلسي في بحار الانوار 42: 228 / 41.