حسان بن ثابت بعد مبايعة المسلمين لعلي بالخلافة
يُناديهمُ يومَ الغَديرِ نَبيُّهُمْ وقالَ: فمَنْ مَولاکم ووَلِيّکم؟ إلهًک مَوْلانا وأنْتَ وَليّنا فقال له: قُمْ يا عليّ فإِنّني فَمَنْ کُنْتُ مَولاه فَهذا وَلِيُّه هُناکَ دَعا: اللهُمَّ والِ وَلِيَّه فقال له رسولُ الله صلّي الله عليه وآله: «لا تَزال - يا حَسّان - مُؤيّداً بروحِ القدُسُ ما نَصَرْتَنا بلِسانک». وإنّما اشترط رسولُ الله صلّي الله عليه وآله في الدعاء له، لعلمه بعاقبة أمره في الخِلاف، ولو عَلِمَ سلامته في مستقبل الأحوال لدعا له علي الأطلاق، ومثلُ ذلک ما اشترط اللهُ تعالي في مدح أزواج النبي عليه السلام، ولم يَمْدَحْهُنَّ بغير اشتراط، لعلمه أنَّ منهنّ من يتغيّر بعد [صفحه 178] الحال عن الصلاح الذي يُستَحَقّ عليه المدحُ والإکرامُ، فقال عزّ قائلاً: (يَا نِسَاءَ ألنّبِيّ لَسْتُنَّ کَأحَدٍ مِنَ ألنِسَاءِ إن اتَّقَيْتُنَ)[2] ولم يَجْعَلهن في ذلک حسبَ ما جَعَلَ أهلَ بيت النبي صلّي الله عليه وآله في محلّ الأکرام والمِدْحَة، حيث بَذَلوا قوتهم للمسکين واليتيم والأسير، فأنزل اللهُ سبحانه وتعالي في عليّ بن أبي طالب وفاطمةَ والحسنِ والحسين عليهم السلام وقد آثَروا علي أنفسهم مع الخَصاصة التي کانت بهم، فقال جلّ قائلاً: (وَيُطْعِمونَ الطَعَامَ عَلي حُبّهِ مِسْکيناً وَيَتيماً وَاَسيراً، اِنَّما نُطْعِمُکُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُريدُ مِنْکُمْ جَزَاءً وَلاَ شُکورأَ، اِنّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبوساً قَمْطَريراً، فَوَقاهًمُ الله شَرَ ذَلِکَ أليَوْم وَلَقّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً، وَجَزَاهُمْ بِمَا َصبروا جنّة وَحَريراً)[3] فقَطَعَ لهم بالجزاء، ولم يَشْتَرِط لهم کما اشتَرط لغيرهم، لعلمه باختلاف الأحوال علي ما بيّناه.
وجاء حَسّان إلي رسول الله صلّي الله عليه والهِ فقال له: يا رسولَ اللهِ، إئْذَن لي أن أقول في هذا المقام ما يَرضاه الله؟ فقال له: «قل يا حَسّان علي اسم الله» فوَقَف علي نَشَزٍ[1] من الأرض، وتَطاول المسلمون لسماع کلامه، فأنشأ يقول:
بخُمٍّ وأسمِعْ بالرسولِ مُنادِيا
فقالوُا ولم يَبدُوا هُناک التعادِيا
ولَنْ تَجِدن مِنّا لکَ اليومَ عاصِيا
رَضيتُک مِنْ بَعدي إِماماًوهادِيا
فُکُونُوا لَهُ أنصارَصِدْقٍ موالِيا
وَکُنْ لِلّذي عادي عَلِيّاً مُعادِيا
صفحه 178.