نزول آية التبليغ علي رسول الله بحق علي











نزول آية التبليغ علي رسول الله بحق علي



وکان سببُ نزوله في هذا المکان نزولَ القرآن عليه بنَصْبه أميرَ المؤمنين عليه السلام خليفةً في الاُمّة من بعده، وقد کان تَقَدَّم الوحيُ إليه في ذلک من غيرتوقيتٍ له فأخَّرَه لحضُور وقتٍ يَأْمَنُ فيه الاختلافُ منهم عليه، وعَلِمَ اللهُ سبحانه أنّه إن تجاوز غديرَ خُمّ انفصل عنه کثيرٌ من الناس إلي بلادهم وأماکنهم وبواديهم، فأراد اللهُ تعالي أن يَجْمعَهم لسِماع النصّ علي أميرالمؤمنين عليه السلام تأکيداً للحُجّة عليهم فيه. فأنْزَل جلّت عظمته عليه: (يَا اَيُّهَا الرَّسولُ بَلِّغْ مَا اُنْزِلَ اليْکَ مِنْ رَبِّکَ)[1] يعني في استخلاف عليّ بن أبي طالب أميرالمؤمنين عليه السلام والنصّ بالإمامة عليه (وَاِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ)[2] فأکَّد به الفرضَ عليه بذلک، وخوَّفَه من تأخيرالأمرِ فيه، وضمِنَ له العِصمةَ ومَنْعَ الناس منه.

فنزل رسولُ الله صلّي الله عليه وآله المکانَ الذي ذکرناه، لما وَصَفناه من الأمر له بذلک وشرحناه، وَنَزَلَ المسلمون حوله، وکان يوماً قائظاً شديد الحَرّ، فأمر عليه السلام بدَوْحاتٍ هناک فقُمَّ ما تحتها، وأمر بجمع الرِحال في ذلک المکان، ووَضْعِ بعضها علي بعض، ثمَّ أمَرَ مناديه فنادي في الناس بالصلاة. فاجتمعوا من رِحالهم إليه، وإنَّ أکثرَهم ليلُفُّ رداءه علي قدمَيْه من شدّة الرَمْضاء. فلمّا اجتمعوا صَعِدَ عليه واله السلام علي تلک الرِحال حتي صار في ذِرْوَتها، ودَعا أميرَ المؤمنين عليه السلام فرَقي معه حتّي قام عن يمينه،

[صفحه 176]

ثمَّ خَطَبَ للناس فحَمَد الله وأثني عليه، ووَعَظَ فابلغ في الموعظة، ونَعي إلي الأُمّة نفسَه، فقال عليه واله السلام: «إني قد دُعِيْت ويُوشِک أن أُجِيب، وقد حان مني خفوفٌ[3] من بين أظْهُرکم، وإنّي مُخلِّفٌ فيکم ما إن تَمَسّکتم به لن تَضِلّوا أبداً[4] : کتاب الله وعترتي أهلَ بيتي، وإنَّهما لن يَفْتَرِقا حتّي يَرِدا عَليَّ الحوضَ».

ثمّ نادي بأعلي صوته:[5] «ألَسْتُ أولي بکم منکم بأنفسکم؟» فقالوا: اللهم بلي، فقال لهم علي النَسَق، وقد أخذ بضَبْعَيْ[6] أميرِالمؤمنين عليه السلام فرَفَعَهما حتّي رُئيَ بياضُ إِبْطَيْهما وقال: «فَمَنْ کُنتُ مَوْلاه فهذا عليٌّ مَوْلاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عَاداه، وانْصر من نَصَره، واخْذُل من خَذَله».

ثمَّ نَزَل صلّي الله عليه وآله - وکان وقت الظَهيرة - فصَلّي رکعتين، ثمّ زالتِ الشمس فأَذَّن مُؤَذنُه لصلاة الفَرْض فصَلّي بهم الظهر، وجَلَس صلّي الله عليه وآله في خَيمته، وأمَرعلياً أن يَجْلِس في خَيمةٍ له بازائه، ثُمّ أمَرَ المسلمين أن يَدْخُلوا عليه فَوْجاً فَوْجاً فَيُهَنَؤوه بالمَقام، ويُسلِّموا عليه بإمْرَة المؤمنين، ففعل الناسُ ذلک کلُّهم، ثمّ أمَرَ أزواجَه وجميعَ نِساء المؤمنين معه أن يَدْخُلن عليه، ويُسَلِّمن عليه بإمْرَة المؤمنين ففَعلنَ.

[صفحه 177]

وکان ممّن أطْنَبَ في تَهنئته بالمَقام عُمَر بن الخَطّاب فأظْهَر له المسَرّة به وقال فيما قال: بَخٍ بَخٍ يا عليّ، أصبحتَ مَولاي ومَولي کلِّ مُؤمنٍ ومُؤمنةٍ.


صفحه 176، 177.








  1. المائدة5: 67.
  2. المائدة5: 67.
  3. يقال خف القوم خفوفاً: أي قلوا، وهي کناية منه صلي الله عليه وآله عن ارتحاله من الدنيا. انظر«الصحاح - خفف - 4: 1353».
  4. أبداً: ليس في «ش» و«ح» وأثبتناها من «م» وهذا الموضع منها بخط متأخرعن زمن نسخها.
  5. في «م» زيادة: أيها الناس. وهذا القطعة من النسخة: بخط متاخر عن زمن نسخها.
  6. الضّبْع: بسکون الباء، وسط العضد، وقيل:هوما تحت الإبط. «النهاية - ضبع - 3:73».