استصحاب رسول الله اهل بيته للمباهلة مع نصاري نجران











استصحاب رسول الله اهل بيته للمباهلة مع نصاري نجران



فلمّا صلّي النبي صلّي الله عليه وآله العصرَتوجّهوا إليه يَقْدُمًهم الأسقُف، فقال له: يا محمّد، ما تقول في السيد المسيح؟ فقال النبي عليه وآله السلام: «عبدٌ لله اصطفاهُ وانتَجَبَه» فقال الأسْقف: أتَعْرِفُ له - يا محمّد - أباً ولده؟ فقال النبي عليه وآله السلام: «لم يَکُنْ عن نکاح فيکونُ له والد» قال: فکيف قلت: إِنَّه عبد مخلوق، وأنت لم تَرَ عبداً مخلوقاً إلاّ عن نکاح وله والد؟ فانزل اللهُ تعالي الايات من سورة آل عمران إلي قوله:

(إنَ مَثَلَ عيسَي عِنْدَ اللهِ کَمَثَلِ ادَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ کُنْ فَيَکُونُ *الْحَقُّ مِنْ رَبّکَ فَلاتَکُنْ مِنَ المُمْتَرين * فَمَنْ حَاجَّکَ فيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَکَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدعُ اَبْنَاءَنَا وَابنَاءَکُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَکُمْ وَانفُسَنَا وَانفُسَکُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَي الْکَاذِبينَ)[1] فتلاها النبي صلّي الله عليه وآله علي النصاري، ودعاهم إلي المباهلة، وقال: «إنّ الله عزًّ اسمه أخبَرَني أنّ العذابَ يَنْزِلُ علي المُبْطِل عقيبَ المباهلة، ويُبَينِّ الحقَّ من الباطل بذلک» فاجتمع الأسْقُف مع عبد المسيح والعاقب علي المشورة، فاتّفق رأيُهم علي استنظاره إلي صَبيحةِ غدٍ من يومهم ذلک.

فلمّا رجعوا إلي رِحالهم قال لهم الأسْقُف: انْظُروا محمّداً في غَدٍ، فان غَدا بولده واهله فاحذَروا مباهلته، وإن غدا باصحابه فباهلوه،

[صفحه 168]

فإنّه علي غيرشيء.

فلمّا کان من الغد جاء النبي عليه وآله السلام آخذاً بيد أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب والحسن والحسين بين يديه يَمشِيان وفاطمة - صلوات الله عليهم - تَمشي خلفَه، وخرج النصاري يَقْدُمُهم أُسْقُفهم.

فلمّا رأي النبيَ صلّي الله عليه وآله قد أقبل بمن معه، سأَل عنهم، فقيل له: هذا ابنُ عمّه عليّ بن أبي طالب وهو صِهره وأبو ولده وأحبُّ الخلق إليه، وهذان الطفلان ابنا بنته من عليِّ وهما من أحبِّ الخلق إليه، وهذه الجاريةُ بنتُه فاطمة أعزُّ الناس عليه وَأقربُهم إلي قلبه.

فنَظَر الأسْقُف إلي العاقب والسيد وعبد المسيح وقال لهم: انظُروا إليه قد جاء بخاصّته من ولده وأهله ليُباهِلَ بهم واثقاً بحقّه، والله ما جاء بهم وهويتخوّف الحجةَ عليه، فاحذَروا مباهلته، والله لولا مکانُ قَيْصَر لأسلمت له، ولکن صالحوه علي ما يتفق بينکم وبينه، وارْجِعُوا إلي بلادکم وارتَؤُوا لأنفسکم، فقالوا له: رأيُنا لرأيک تَبَعٌ، فقال الأسْقًف: يا با القاسم إنّا لا نُباهِلک ولکنّا نصالِحُک، فصالحنا علي ما نَنْهَضُ به.

فصالحهم النبيُ صلّي الله عليه وآله علي ألفَيْ حُلّة من حُلَل الأواقي قيمةَ کلّ حُلةٍ أربعون درهماً جياداً، فما زاد أو نقص کان بحساب ذلک، وکتب لهم النبي صلّي الله عليه وآله کتاباً بما صالحهم عليه، وکان الکتاب:

[صفحه 169]

بسم الله الَّرحمن الَّرحيم

هذا کتابٌ من محمّدٍ النبي رسولِ الله لنَجْران وحاشيتها، في کلّ صَفراء وبَيضاء وثَمرَةٍ ورقيقٍ، لا يُؤْخَذُ منه شيءّ منهم غيرُ ألْفَيْ حُلّةٍ من حُلَلَِ الأواقِي ثمنُ في «م» وهامش «ش»: قيمة.

کلّ حُلّةٍ أربعون درهماً، فما زاد أو نقص فعلي حساب ذلک، يُؤَدّون ألفاً منها في صَفَرٍ، وألفاً منها في رجب، وعليهم أربعون ديناراً مثواةَ رسولي ممّا فوقَ ذلک، وعليهم في کلّ حَدَثٍ يکون باليمن من کلّ ذي عَدْنٍ عاريةٌ مضمونةٌ ثلاثون دِرعاً وثلاثون فرساً وثلاثون جَمَلاً عاريةٌ مضمونةٌ، لهم بذلک جوارُ الله وذمّةُ (محمّد بن عبدالله)في «م»: رسول الله.

، فمن أکل الرِبا منهم بعد عامهم هذا فذمّتي منه بريئة.

وأخذ القومُ الکتابَ وانصرفوا.


صفحه 168، 169.








  1. آل عمران 3: 59 - 61.