ارسال رسول الله له لتحطيم الاصنام











ارسال رسول الله له لتحطيم الاصنام



ولمّا فَضَّ اللّه تعالي جمعَ المشرکين بحُنَين، تفرّقوا فِرْقتين: فأخَذَتِ الأعرابُ ومن تَبِعهم إلي أوْطاس[1] ، وأخَذَتْ ثَقيف ومن تَبِعها إلي الطائف. فبعَثَ النبيُ صلّي الله عليه واله أبا عامرٍ الأشعريّ إلي أوْطاس في جماعة منهم أبو موسي الأشعري، وبَعَث أبا سفيانَ صَخْرَ بنَ حَرْبٍ إلي الطائف.

فاما أبو عامر فإنّه تقدّم بالراية وقاتل حتّي قُتِل، فقال المسلمون لأبي موسي: أنت ابنُ عَمّ الأمير وقد قُتِل، فخُذِ الرايةَ حتّي نقاتِل دونَها، فاخذها أبو موسي،فقاتل المسلمًون حتّي فَتَح اللهُ عليهم.

وأما أبوسفيان فإنّه لَقِيَتْه ثقيف فضَرَبوه علي وجهه، فانهزم ورَجَعَ إلي النبي صلّي اللّه عليه وآله فقال: بَعَثْتَني مع قومٍ لا يُرْقَعُ بهم

[صفحه 152]

الدِلاء من هُذَيل والأعراب، فما أغْنَوا عنيّ شيئاً، فسکت النبي صلّي اللّه عليه وآله عنه.

ثمّ سار بنفسهِ إلي الطائف، فحاصرهم أَيّاماً، وأنفَذَ أميرَ المؤمنين عليه السلام في خَيْل، وأمَرَهُ أن يَطَأ ما وَجَد، ويکْسِرَ کلَّ صَنَمٍ وَجَده.

فخَرَج حتي لَقِيَتْه خيلُ خَثْعم في جمع کثير، فبرزَ له رجل من القوم يُقال له شِهاب، في غَبْش الصبح، فقال: هل من مبارز؟ فقال أميرُ المؤمنين عليه السلام: «من له؟» فلم يَقُمْ احدٌ، فقام اليه أميرالمؤمنين عليه السلام فوثب ابو العاص بن الرَبيع زوجُ بنت رسول الله صلّي الله عليه وآله فقال: تُکْفاه أيها الأمير، فقال: «لا، ولکن إنْ قُتِلْت فانت علي الناس» فبرز إليه أميرُ المؤمنين عليه السلام وهو يقول:


«إِنَّ علي کُلِّ رئيسٍ حَقّا
أنْ يُرْوِيَ الصَعْدَة[2] أوْتًدَقّا[3] ».


ثمّ ضربه فقتله، ومَضي في تلک الخَيْل حتّي کَسَر الأصنام، وعاد إلي رسول الله صلّي اللّه عليه وآله وهو مُحاصر لأهل الطائِف.

فلمّا رآه النبي عليه وآله السلام کبَّر للفتح، وأخَذَ بيده فخلا به وناجاه طويلاً.

[صفحه 153]

فروي عبدُ الرحمن بن سَيابَة والأجْلَح - جميعاً - عن أبي الزُبَير، عن جابر بن عبداللّه الأنصاريّ: أنّ رسولَ الله صلّي اللّه عليه وآله لمّا خلا بعليّ بن أبي طالب عليه السلام يومَ الطائف، أتاه عُمر بن الخَطّاب فقال: أتناجيه دوننا وتَخْلُو به دوننا؟ فقال: «يا عُمَر، ما أنا اِنْتَجَيْتُه، بل الله انتجاه»[4] .

قال: فأعْرَض عُمر وهو يقول: هذا کما قلتَ لنا قبلَ الحُدَيْبِيّة: (لَتَدْخُلُنَّ اْلمَسْجدَ الْحَرَامَ إنْ شَاءَ اللّهُ آمِنين)[5] فلم نَدْخُله وصُدِدْنا عنه، فناداه النبيَ صلّي اللّه عليه وآله: «لم أَقُلْ إنَّکم تدخُلونه في ذلک العام!»[6] .

ثمّ خرج من حِصْن الطائف نافع بن غَيْلان بن مُعْتِب في خَيْلٍ من ثَقيفٍ، فلَقِيَه أميرُ المؤمنين عليه السلام بَبطْن وَجٍّ[7] فقَتَله، وانهزم المشرکون ولَحِقَ القومَ الرعبُ، فنزل منهم جماعة إلي النبي صلّي الله عليه واله فأسلَموا، وکان حِصار النبي صلّي اللّه عليه وآله الطائفَ بِضْعَةَ عشريوماً.

[صفحه 154]


صفحه 152، 153، 154.








  1. أوطاس: وادٍ في ديار هَوازن کانت فيه وَقعة حُنَين. «معجم البلدان 1: 281».
  2. الصعدة: القناة المستوية من منبتها لا تحتاج إلي تعديل. انظر «الصحاح - صعد - 2: 498».
  3. في هامش «م»: تَنْدَقّا.
  4. روي باختلاف يسير في سنن الترمذي 5: 303، تأريخ بغداد 7: 402، مناقب المغازلي: 124، اُسد الغابة 4: 27، کفاية الطالب: 327.
  5. الفتح 48: 27.
  6. إعلام الوري: 124، وانظر قطع منه في سنن الترمذي 5: 3726/639. جامع الاصول 8: 658 / 6505، تاريخ بغداد 7: 402، مناقب المغازلي: 124 / 163، کفاية الطالب: 327، أُسد الغابة 4: 27، مصباح الانوار: 88، کنز العمال 11: 652 / 33098 عن الترمذي والطبراني.
  7. وَجّ: الطائف. «معجم البلدان 5: 361».