مناقب أميرالمؤمنين في هذه الغزاة











مناقب أميرالمؤمنين في هذه الغزاة



فانظر الان إلي مناقب أميرالمؤمنين عليه السلام في هذه الغَزاة، وتامَّلها وفَکِّرْ في معانيها، تَجدْه عليه السلام قد تَوَلّي کلَّ فضلٍ کان فيها، واختصّ من ذلک بما لم يَشْرکه فيه أحدٌ من الاُمّة.

وذلک أنّه عليه السلام ثَبَتَ مع النبي صلّي الله عليه وآله عند انهزامِ کافّةِ الناس، إلاّ النَفَر الذين کان ثبوتُهم بثبوته عليه السلام.

وذلک أنّا قد أحَطْنا عِلْماً بتقدُّمه عليه السلام في الشَجاعة والبَأْس والصَبر والنَجْدة، علي العبّاس والفَضْل - ابنِه - وأبي سُفيان بن الحارِث، والنَفَر الباقين، لظُهُورِ أمره في المقامات التي لم يَحْضَرْها أحدٌ منهم، واشتهارِ خبره في مُنازَلَةِ الأقران وَقتْل الأبطال، ولم يًعْرَف لأحدٍ من هؤلاء مقامٌ من مقاماته، ولا قتَيل عُزِيَ إليهم بالذِکر.

فعلِمَ بذلک أنَّ ثبوتَهم کان به عليه السلام، ولولاه کانت

[صفحه 150]

الجنايةُ علي الدين لا تُتَلافي، وأنَّ بَمقامه ذلک المَقام وصَبرِه مع النبي عليه واله السلام کان رجوعُ المسلمين إلي الحَرْب وتشجُّعِهم في لقاء العدُوّ.

ثمّ کان مِن قَتْله أبا جَرْوَل متقدّمَ المشرکين، ما کان هو السببَ في هَزيمة القوم وظَفَرِ المسلمين بهم، وکان مِن قَتْله عليه السلام الاربعين الذين تَوَلّي قَتْلهم الوهنُ علي المشرکين وسببُ خذلانهم وهلعهم، وظفر المسلمين بهم، وکان من بليَةِ المتقدم عليه في مقام الخِلافة من بعد رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله أن عانَ المسلمينَ بإعجابه بالکَثْرة، فکانت هَزيمتُهم بسبب ذلک، أوکان أحدٌ أسبابها.

ثُمّ کان من صاحبه في قتل الأسْري من القوم، وقد نَهَن النبيُ عليه واله السلام عن قتلهم، ما ارتکَبَ به عظيمَ الخلاف للّه تعالي ولرسوله، حتّي أَغْضَبه ذلک وآسَفَه فأنکره وأکبره.

وکان من صَلاح أمر الأنصار بمَعونته للنبي صلّي اللّه عليه وآله في جمعهم وخِطابهم، ما قَويَ به الدين وزال به الخوفُ من الفتنة التي أظلّت القومُ بسبب القسمة، فساهم رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه واله في فضل ذلک وشَرِکَه فيه دون من سواه.

وتولّيّ من أمر العبّاس بن مِرداس ما کان سببَ استقرار الإيمان في قلبه، وزَوال الرَيْب في الدين من نفسه، والانقيادِ إلي رسول اللّه صلّي الله عليه وآله والطاعة لأمره والرضا بحکمه.

ثمّ جَعَل رسولُ اللّه صلّي الله عليه وآله الحُکْمَ علي المُعتِرض في قضائه عَلماً علي حقّ أميرالمؤمنين عليه السلام في فعاله، وصوابه في

[صفحه 151]

حرُوبه، ونَبّه علي وجوب طاعته وحَظْرِمعصيته، وأنَّ الحَقَّ في حَيِّزه وجَنْبَتِه،وشَهِدَ له بأنّه خيرُ الخليقة.

وهذا يُباين ما کان من خُصومة الغاصبين لمقامه من الفِعال، ويُضادُّ ما کانوا عليه من الأعمال، ويُخْرِجُهم من الفَضْل إلي النَقْص الذي يُوبِقُ صاحبَه -أو يکاد - فضلاً عن سُمُوّه علي أعمال المُخْلِصين في تلک الغَزاة وقُرْبهم بالجهاد الذي تَوَلَّوه، فبانوا به ممن ذکرناه بالتقصير الذي وصفناه.


صفحه 150، 151.