تقسيم رسول الله لغنائم حنين و اعترض بعض الانصار











تقسيم رسول الله لغنائم حنين و اعترض بعض الانصار



فبَعَث النبي صلّي الله عليه وآله إلي الأنصار وهو مغْضَب فقال: «ماحَمَلَکم علي قَتْله، وقد جاءکم الرسولُ ألاّ تقتلوا أسيراً؟» فقالوا: إنّما قَتَلْنا بقول عمر. فأعرض رسولُ اللّه صلّي الله عليه وآله حتي کلّمه عُمَيْربن وَهْب في الصَفْح عن ذلک.

وقسّم رسول الله صلّي الله عليه وآله غنائمَ حُنَين في قريش خاصّة، وأجْزَلَ القِسْمَ للمؤلّفة قلوبهُم کأبي سفيان بن حَرْب، وعِکْرِمة بن أبي جهل، وصَفوان بن أُميّة، والحارث بن هِشام، وسُهَيْل ابن عَمرو، وزُهَير بن أبي أُميّة، وعبداللة بن أبي اُميّة، ومعُاوية بن أبي سفيان، وهِشام بن المُغيرة، والأَقرع بن حابس، وعُيَيْنة بن حِصْن في امثالهم.

وقيل: إنّه جَعَل للأنصار شيئاً يسيراً، وأعطي الجمهورَ لمن سميناه، فغَضِبَ قومٌ من الأنصار لذلک، وبلغ رسولَ الله صلّي اللّه عليه وآله عنهم مقالٌ سَخِطَه، فنادي فيهم فاجتمعوا ثم قال لهم: «اجْلُسوا، ولا يَقْعُد معکم أحدٌ من غيرکم» فلمّا قَعَدوا جاء النبي عليه السلام يَتْبَعُه أميرُ المؤمنين عليه السلام حتّي جَلَس وَسْطهم، فقال لهم: «إنّي سائلُکم عن أمرٍ فاجيبوني عنه» فقالوا: قل يا رسولَ الله، قال: «ألستُم کُنتم ضالين فهداکم الله بي؟» قالوا: بلي، فللّه المنّةُ ولرسوله. قال: «ألم تکونوا علي شَفا حُفرة من النار، فأَنْقَذَکم اللّهُ بي؟» قالوا: بلي، فللّه المنّةً ولرسوله. قال: «ألم تکونوا قليلاً فکَثَّرکَم اللّهُ بي؟» قالوا: بلي، فللّه المنّةُ ولرسوله. قال: «ألم تکونوا أعداءً فألَّفَ اللهُ

[صفحه 146]

بين قلوبکم بي؟» قالوا: بلي، فللّه المنّةُ ولرسوله.

ثمّ سکت النبي صلّي الله عليه وآله هُنَيْهَةً ثمّ قال: «ألأ تُجيبوني بما عندکم؟» قالوا: بمَ نُجيعُک فِداک آباؤُنا وامّهاتنا، قد أجبناک بانّ لک الفضلَ والمَنَّ والطَوْلَ عَلينا. قال: «أَمَ لوشئتُم لقلتم: وأنتَ قد کنتَ جِئْتَنا طَريداً فآويناک، وجئتَنا خائِفاً فآمنّاک، وجئتَنا مُکَذَّباً فصَدَّقناک».

فارتفعَتْ أصواتُهم بالبُکاء وقام شيوخُهم وساداتُهم إليه فَقَّبلوا يدَيْه ورِجْلَيْه، ثُم قالوا: رَضِينا باللّه وعنه، وبرسوله وعنه، وهذه أموالُنا بين يَدَيْک، فإن شِئْتَ فاقْسِمْها علي قومک، وإنّما قال مَنْ قال منّا علي غير وَغْر صدرٍ[1] وغِلٍّ في قلب، ولکنّهم ظَنُّوا سُخْطاً عليهم وتقصيراً بهم، وقد استغْفروا اللّه من ذنوبهم، فاستغفِرلهم يا رسولَ اللّه. فقال النبيُ صلّي اللّه عليه واله: «اللهمَّ اغْفِرْ للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار. يا معشرَ الأنصار، أما تَرْضَوْن أن يرجِعَ غيرکم بالشاة والنِعَم، وتَرْجِعون أنتم وفي سَهْمِکم رسولُ الله؟» قالوا: بلي رَضِينا. فقال النبي صلّي ُ الله عليهِ وآله: «الأنصارُ کِرشي وعَيْبَتي[2] ، لو سَلَکَ الناسُ وادياً وسَلَکتِ الأنصارُ شِعْباً، لسلکتُ شِعْبَ الأنصار، اللّهم اغفِر للأنصار».

وقد کان رسولُ الله صلّي الله عليه واله أعطي العبّاسَ بن مِرْداس أربعاً من الإبل يومئذ فسخِطها، وانشأ يقول:

[صفحه 147]

(أتجعَلُ نَهبي)[3] ونَهْبَ العُبَيـْ
ــدِ[4] بَيْنَ عُيَيْنَة والأقْرَع


فما کان حِصْنٌ ولا حابِسٌ
يَفوقان شَيْخي في المَجْمَعِ


وماکنتُ دونَ أمرِئٍ منهما
ومَنْ تَضَعِ اليومَ لايرْفَع


فبلغ النبي صلّي الله عليه وآله قولهُ فاستحَضرَه وقال له: «أنتَ القائل:


أتجعَل نَهْبي ونَهْبَ العبيـ
--دِ بين الأقْرَع وعُيَيْنَة»


فقال له أبو بکر: بأبي أنت واُمّي، لستَ بشاعر، قال: «وکيف؟» قال، قال: بين عُيَيْنَة والأقْرَع.

فقال رسولُ الله صلّي الله عليه وآله لأميرالمؤمنين عليه السلام: «قُمْ - يا عليّ -إليّه فاقطَعْ لسانه»[5] .

قال: فقال العبّاس بن مِرداس: فواللّه لَهذه الکَلِمة کانت أشدَّ عَلَيً من يَوم خَثْعَم، حين أتونا في ديارنا. فأخَذَ بيدي عليّ بن أبي طالب فانطَلَقَ بي، ولو أري أنَ أحداً يُخَلّصني منه لدعوتُه، فقلت: يا

[صفحه 148]

عليّ، إنّک لقَاطع لساني؟ قال: «إنّي لمُمْضٍ فيک ما أُمرتُ».

قال: ثمَّ مَضي بي، فقلت: يا عليّ إنّک لقَاطعٌ لساني؟ قال: «إنّي لممضٍ فيک ما اُمِرْت»، قال: فما زال بي حتّي أدْخَلَني الحَظائر[6] ، فقال لي: «اعتَذَ ما بينَ أربع إلي مائة» قال، قلت: بأبي أنتم واُمّي، ما أکْرَمَکم وَألْحَمکم وأَعْلَمکم!.

قال: فقال: «إنّ رسول الله صلّي الله عليه وآله أعطاکَ أربعاً وجَعَلک مع المهاجرين، فإن شئت فخُذْها، وإن شئتَ فخِذِ المائة وکُنْ مع أهل المائة».

قال، قلتُ: أَشرِ عَلَيّ، قال: «فإني امُرُکَ أن تاخُذَ ما أعطاک وترضي».

قلت: فإنّي أفعل.


صفحه 146، 147، 148.








  1. وغر الصدر: الضغن والعداوة. «الصحاح - وغر- 2: 846».
  2. في الحديث: «الأنصار کرشي وعيبتي» أراد أنهم بطانته وموضع سره وأمانته والذين يعتمد عليهم في اُموره. «النهاية 4: 163».
  3. في سيرة ابن هشام 4: 132، ومغازي الواقدي 3: 947، والطبري 3: 91 «فأصبح نهبي».
  4. العُبيد: کزبير، فرس. «القاموس المحيط -عبد- 1: 311».
  5. جاء في حاشية «ش» و «م» ما لفظه: ذکروا لما قال النبي عليه السلام: «اقطعوا عني لسانه» قام عمر بن الخطاب فأهوي إلي شفرة کانت في وسطه ليسلها فيقطع بها لسانه، فقال النبي عليه السلام لأميرالمؤمنين عليه السلام: «قُم أنت فاقطع لسانه» أو کما قال.
  6. الحظائر: جمع حظيرة، وهي ما يعمل للإبل من شجر يقيها الحرّ والبرد. «مجمع البحرين - حظر - 3: 273».