دخول اميرالمؤمنين مكة براية رسول الله











دخول اميرالمؤمنين مکة براية رسول الله



ولما أمَرَ رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله سعدَ بن عُبادة بدخول

[صفحه 135]

مکّة بالراية، غَلظ علي القوم وأظهَرَ ما في نفسه من الحنَق عليهم، ودخل وهو يقول:


اَليومُ يــــــومُ المَلْحَـــمه
اَلـــيومُ تــُسـبـَي[1] الحُرمه


فسَمِعَها العباسُ رضي الله عنه فقال للنبي صلّي الله عليه وآله: أما تَسْمَعُ يا رسولَ اللّه ما يقولُ سَعدُ بن عُبادة؟ إنّي لا امَنُ أن يکونَ له في قريش صَوْلةٌ. فقال النبي صلّي اللّه عليه واله لأميرالمؤمنين عليه السلام: «أدرکْ - يا علي - سَعداً فخُذ الرايةَ منه، وکُنْ أنت الذي يَدْخُلُ بها مکّة» فأدرکه أميرُ المؤمنين عليه السلام فأخَذَها منه، ولم يَمْتَنعْ عليه سعدٌ من دفعها.

فکان تلافي الفارط من سَعد في هذا الأمر بأميرالمؤمنين عليه السلام، ولم يَرَ رسولُ الله صلّي الله عليه وآله أحداً من المهاجرين والأنصار يَصْلَح لأخذ الراية من سيّد الأنصار سوي أميرالمؤمنين عليه السلام، وعَلِمَ أنَّه لو رام ذلک غيره لامتَنَع سَعدٌ عليه[2] ، فکان في امتناعه فسادُ التدبير واختلافُ الکلمة بين الأنصار والمهاجرين، ولمّا لم يکن سعدٌ يَخفِضُ جَناحَه لأحدٍ من المسلمين وکافّةِ الناس سوي النبي صلّي اللّه عليه وآله ولم يکن وجهَ الرأي تَوَلّي رسولِ الله عليه السلام أَخْذَ الرايةَ منه بنفسه، وَلّي ذلک من يَقوُم مقامَه ولا يتميَّزُ عنه، ولا

[صفحه 136]

يَعْظُمُ أحدٌ من المقُرّين بالملّة عن الطاعة له، ولا يَراه دونه في الرتبة.

وفي هذا من الفضل الذي تَخَصّصَ به أميرُ المؤمنين عليه السلام ما لم يَشرکه فيه أحدٌ، ولا ساواه في نظيرٍ له مساوٍ، وکان عِلْمُ اللّه تعالي ورسوله عليه السلام في تَمام المصلحة بإنفاذ أميرالمؤمنين عليه السلام دونَ غيره، ما کَشَفَ عن اصطفائه لجسيم[3] الأُمور، کما کان عِلْمُ اللّهِ تعالي فيمن اختارَه للنُبوّة وکمالِ المصلحة ببِعْثته[4] کاشفاً عن کونهم أفضلَ الخلق أجمعين.


صفحه 135، 136.








  1. في «ش»: تستحل، وما أثبتناه من «م» وهامش «ش».
  2. في هامش «ش» و«م»: منه.
  3. في هامش «ش» و«م»: لِحَسْم.
  4. في هامش «ش» و «م»: ببعثه.