مقدم أبي سفيان إلي المدينة، و توسله بأميرالمؤمنين و اهل بيته











مقدم أبي سفيان إلي المدينة، و توسله بأميرالمؤمنين و اهل بيته



ولمّا دخل أبو سفيان المدينةَ لتجديد العهد بين رسول الله صلّي الله عليه وآله وبين قريش، عندما کان من بني بکْرِفي خُزاعة وقتلهِم من قتلوا منها، فقَصَد أبو سفيانَ ليتلافي الفارطَ من القوم، وقد خاف من نصرة رسول اللة صلّي الله عليه وآله لهم، وأَشْفَقَ ممّا حلّ بهم يوم الفتح. فأتي النبي صلّي الله عليه وآله وکلّمه في ذلک، فلم يَرْدُدْ عليه جواباً.

فقام من عنده، فلَقِيه[1] ابو بکر فتشبًثَ به وظنّ أنّه يُوصِله إلي بغْيته من النبي صلّي اللّه عليه وآله فسأله کلامَه له، فقال: ما أَنا بفاعل. لعلم أبي بکر بأنّ سؤاله في ذلک لا يُغني شيئاً.

فظنّ أبوسفيان بعمر بن الخطاب ما ظنّه بأبي بکر فکلّمه في ذلک، فدفعه بغِلظةٍ وفَظاظَةٍ کادت أن تفسِدَ الرَّأيَ علي النبي صلي اللّه عليه وآله.

فعدل[2] إلي بيت أميرالمؤمنين علَيه السلام فاستأذن عليه، فأذِن له وعنده فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال له: يا علي، إنّک أمسُّ القوم بي رَحِماً، وأقربهُم منّي قرابةً، وقد جئتُک فلا أَرجِعَنً کما جئتُ خائباً، إشفَعْ لي إلي رسول الله فيما قصدتُه. فقال له: «ويْحَکَ - يا باسفيان - لقد عَزَم رسول اللّه صلّي الله عليه واله علي

[صفحه 133]

أمرٍ ما نستطيع أن نُکَلِّمَه فيه» فالتفتَ أبو سفيان إلي فاطمة عليها السلام، فقال لها: يا بنتَ محمّد هل لکِ أن تَأمُري ابنَيْک[3] أن يُجِيرا بين الناس فيکونا سيدَي العرب إلي آخر الدهر. فقالت: «ما بَلَغ بنَيّاي أن يُجِيرا بين الناس، وما يُجير أحدٌ علي رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله».

فتحيّر أبو سفيان (وسُقِطَ في يده)[4] ، ثمّ أقبل علي أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: يا با الحسن، أري الأمورَ قد التبستْ عَلَيّ فانصَحْ لي[5] . فقال له أميرُ المؤمنين: «ما أري شيئاً يُغني عنک ولکنّک سيّدُ بني کِنانة فقُمْ فأجِرْ بين الناس، ثمّ اِلحَقْ بأرضک» قال: فتري ذلک مُغنياً عنّي شيئاً؟ قال: «لا والله ما أظُنّ ولکنّي لا أجِدُ لک غيرَ ذلک».

فقام أبو سفيان في المسجد فقال: أيّها الناس، إنّي قد أَجَرْت بين الناس. ثمّ رَکِبَ بعيرَه فانطلق.

فلمّا قَدِمَ علي قريش قالوا: ما وراءَک؟ قال: جئتُ محمّداً فکلّمتُه، فواللّه ما رَدّ عليّ شيئاً، ثمّ جئتُ ابن أبي قحافَة فلم أَجِد فيه خيراً، ثمّ لَقِيتُ ابنَ الخطاب فوجدته فَظّاً غليظاً لا خيرَ فيه، ثم أتيت علياً فوجدتُه ألين القوم لي، وقد أشارعليَّ بشيء فصنعتُه، واللّه ما أدري يُغني عنّي شيئاَ أم لا، فقالوا: بما أمَرک؟ قال: أمرني أن

[صفحه 134]

أُجِيرَ بين الناس ففعلت: فقالوا له: فهل أجاز ذلک محمّد؟ قال: لا. قالوا: ويلک واللّه ما زاد الرجل علي أن لَعِبَ بک، فما يُغني عنک؟ قال أبو سفيان: لا واللّه ما وَجَدتُ غيرَ ذلک.

وکان الذي فعله أميرُ المؤمنين عليه السلام بأبي سفيان من أصوب رأيٍ لتمام أمر المسلمين وأصحّ تدبير، وبه تَمّ للنبي صلّي اللّه عليه وَآله في القوم ما تمَّ.

ألا تري أنَّه عليه السلام صَدَق أبا سفيان عن الحال، ثمّ لان له بعضَ اللين حتّي خَرَج عن المدينة وهو يَظُنُّ أنّه علي شيء، فانقطع بخروجه علي تلک الحال موادُّ کيده التي کان يتشعَّثُ بها الأمرُعلي النبي صلّي الله عليه وآله.وذلک أنّه لوخرج آئِساً حَسَب ما أيْأسَه الرجلان، لتجدَّدَ للقوم من الرأي في حَربه عليه السلام والتحرّزمنه ما لم يخطر لهم ببال، مع مجيء أبي سفيان إليهم بما جاء، أوکان يقيم بالمدينة علي التمحّل لتمام مراده بالاستشفاع إلي النبي صلّي اللّه عليه وآله فيتجدّدُ بذلک أمرٌ يَصُدّ النبيَ صلّي اللّه عليه وآله عن قَصد قريش، أويُثَبِّطه عنهم تثبيطاً يفوته معه المرادُ، فکان التوفيقُ من اللّه تعالي مقارناً لرأي أميرالمؤمنين عليه السلام فيما رآه من تدبير الأمر مع أبي سفيان، حتي انتظَمَ بذلک للنبي صلّي اللّه عليه وآله من فتح مکةّ ما أراد


صفحه 133، 134.








  1. في هامش «ش» و«م»: فاستقبله.
  2. في «ح» وهامش «ش» و «م»: فغدا.
  3. في «م» وهامش «ش»: بنيّيک.
  4. في هامش «ش»: أسقط.
  5. في «م» و«ح» وهامش «ش»: فانصحي.