ما جاء عن شجاعته في الحديبية











ما جاء عن شجاعته في الحديبية



وقد روي الناسُ له عليه السلام في هذه الغَزاة - بعد الذي ذکرناه - فضيلتين اختَصَّ بهما، وانضافا إلي فضائله العِظام ومناقبه الجِسام:

فروي إبراهيم بن عُمَر، عن رجاله، عن (فايد مولي عبداللّه بن سالم)[1] قال: لمّا خرج رسولُ الله صلّي اللّه عليه وآله في عمرة[2] الحدَيْبيّة نزل الجُحْفَة فلم يجِد بها ماءً، فبعث سعدَ بن مالک بالرَوايا، حتَّي إذا کان غيرَبعيد رَجَع سعدٌ بالرَوايا فقال: يا رسولَ اللّه، ما أستطيع أن أمضي، لقد وقفَتْ قَدَماي رُعباً من القوم فقال له النبي عليه وآله

[صفحه 122]

السلام: «اِجْلِس».

ثمّ بعث رجلاً آخر، فخرج بالرَوايا حتي إذا کان بالمکان الذي انتهي اليه الأوّل رجع، فقال له النبيّ عليه السلام: «لمَ رجعت؟» فقال: والّذي بَعَثک بالحقّ ما استطعتُ أن أمضِيَ رُعباً.

فدعا رسولُ الله أميرَ المؤمنين عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهما فأرسله بالرَوايا، وخرج السُقاة وهم لا يَشُکّون في رجوعه، لما رأوا من رجوع[3] من تقدّمه.

فخرج عليّ عليه السلام بالرَوايا حتّي وَرَد الحَرار[4] فاستقي، ثم أقبل بها إلي النبيّ صلّي الله عليه واله ولها زَجَل[5] .

فکبّرالنبي صلّي اللّه عليه وآله ودعا له بخير[6] .

وفي هذه الغَزاة أقبل سُهَيل بن عَمْرو إلي النبي صلّي الله عليه وآله فقال له: يا محمّد إنّ أرقّاءَنا لَحِقوا بک فاردُدهم علينا. فغَضِبَ رسولُ الله عليه السلام حتّي تبيّن الغضبً في وجهه، ثمّ قال: «لَتَنتهُنَّ - يا معشر قريش - أو ليَبْعَثَنَّ الله عليکم رجلاً امتحَنَ اللة قلبَه للإيمان، يَضْرِب رِقابَکم علي الدين».

فقال بعض من حضر: يا رسولَ الله، أبو بکر ذلک الرجل؟ قال: «لا» قيل: فعُمَر قال: «لا، ولکنّه خاصف النعل في الحُجرة» فتبادر

[صفحه 123]

الناسُ إلي الحُجرة يَنْظُرَون، مَن الرجل؟ فإذا هو أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام.

وروي هذا الحديث جماعةٌ عن أميرالمؤمنين عليه السلام وقالوا فيه: إنّ علياً قصّ هذه القصّة، ثمّ قال: «سَمِعتُ رسول الله صلّي اللّه عليه واله يقول: من کَذَبَ عليَّ مُتعقَداً فلَيَتَبَوّأ مقعدَه من النار»[7] .

وکان الذي أصلَحَه أميرُ المؤمنين من نعل النبي صلّي الله عليهما شِسْعَها[8] ، فإنّه کان انْقطَعَ فخَصَف موضِعَه وأصلحه.

وروي إسماعيل بن عليّ العَمّي، عن نائل بن نَجِيح[9] ، عن عَمْرو بن شمرٍ، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: «انقَطَع شِسْعُ نعلِ رسول الله صلّي اللّه عليه وآله فَدَفَعها إلي عليّ عليه السلام يُصلِحُها، ثمّ مشي في نَعل واحدةَ غَلْوةً[10] - أونحوها- وأقبل علي أصحابه فقال: إنّ منکم من يُقاتِل علي التأويل کما (قاتل معي[11] علي التنزيل».

فقال أبو بکر: أنا ذاک، يا رسول اللّه؟ قال: «لا» فقال عمر:

[صفحه 124]

فانا يا رسول اللّه؟ قال: «لا» فأمْسَکَ القومً ونَظَر بعضُهم إلي بعض، فقال رسول الله صلّي الله عليه وآله: «لکنّه خاصف النعل - وأومأ إلي عليّ ابن أبي طالب عليه السلام - وإنّه المُقاتل علي التأويل إذا تُرِکَتْ سنّتي ونُبذَتْ، وحُرّف کتابُ اللّه، وتکلّم في الدين من ليس له ذلک، فيُقَاتلهم علي عليه السلام علي إحياء دين اللّه عزّ وجل»[12] .


صفحه 122، 123، 124.








  1. في متن النسخ والبحار: قائد، وفي هامش «ش» و «م» عن نسخة: فائد، والمظنون صحة فائد فانه أشهر من قائد، وقد أورد الخبر في الاصابة في باب الفاء في ترجمة فائد مولي عبدالله بن سلام وقال: أخرج له المفيد بن النعمان الرافضي في مناقب علي حديثاً.
  2. في «م» وهامش «ش»: غزو.
  3. في هامش «ش» و«م»: من جزع.
  4. الحرار: جمع حرّة، وهي أرض ذات حجارة سود نخرة. «الصحاح -حرر- 2: 626».
  5. الزَجَل: رفع الصوت الطرب. «لسان العرب -زجل - 11: 302».
  6. الاصابة في معرفة الصحابة 3: 199 عن المؤلّف، مناقب آل أبي طالب 2: 88 باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار20: 359.
  7. روي في کفاية الطالب: 96، مصباح الأنوار: 121، وباختلاف يسير في سنن الترمذي 5: 297، إعلام الوري: 191، ونحوه في المستدرک علي الصحيحين 4: 298، تاريخ بغداد 1: 133، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 20: 360.
  8. شسع النعل: ما يدخل بين الاصبعين في النعل العربي ممتدّاً علي ظهر القدم.

    «مجمع البحرين - شسع - 4: 353».

  9. ضبطه في متن «ش» و«م» مکبراً، وفي هامشهما مصغراً بضم النون، ونجيح مکبراً أشهر.
  10. الغلوة: مقدار رمية سهم. «الصحاح -غلا- 6: 2448».
  11. في هامش «ش»: قاتلت.
  12. ورد نحوه في مسند أبي يعلي الموصلي 2: 1 34، المستدرک علي الصحيحين 3: 122، مسند أحمد 3: 82، شرح نهج البلاغة الحديدي 3: 206.