صلح الحديبية و ما بان من فضله في هذا الامر











صلح الحديبية و ما بان من فضله في هذا الامر



ثم تلا بني المُصْطَلِق الحُدَيْبِيَّة، وکان اللِواء يومئذ إلي أميرالمؤمنين عليه السلام کما کان إليه في المشاهد قبلها، وکان من بلائه في ذلک اليوم عند صَفّ القوم في الحرب للقتال ما ظهر خبرُه واستفاض ذِکرُه.

وذلک بعد البَيعة التي أخذها النبي صلّي اللّه عليه وآله علي أصحابه والعهود عليهم في الصبر، وکان أميرُ المؤمنين عليه السلام المبايعَ للنساء عن النبي عليه وآله السلام،وکانت بيعته لهنّ يومئذ أن طَرَحَ ثوباً بينه وبينهنّ ثمّ مسحه بيده، فکانت مبايَعتهنّ للنبي عليه السلام بمَسح الثوب، ورسول الله صلّي الله عليه وآله يَمْسَحُ ثوبَ عليّ بن أبي طالب عليه السلام ممّايليه.

ولما رأي سُهَيل بنُ عَمْرو توجهَ الأمر عليهم، ضرَعً إِلي النبي عليه السلام في الصلح، ونَزَل عليه الوحي بالإجابة إلي ذلک، وأن يَجْعَل أميرَ المؤمنين عليه السلام کاتبَه يومئذ والمتولّيَ لعقد الصلح بخطّه.

فقال له النبي عليه وآله السلام: «اُکتب يا عليّ: بسم اللّه الرحمن الرحيم».

فقال سهيل بن عَمْرو: هذا کتابُ بيننا وبينک يا محمّد،

[صفحه 120]

فافتَتِحْه بما نعْرِفُه[1] ، واکتُب: باسمک اللّهم.

فقال رسولُ اللّه صلّي الله عليه وآله لأميرالمؤمنين: «اُمْح ما کتبتَ واکتب: باسمک اللّهمّ».

فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: «لولا طاعتُک يا رسولَ الله لما محوتُ بسم الله الرّحمن الرّحيم» ثمّ محاها وکتب: باسمک اللهمّ.

فقال له النبي عليه السلام: «اُکتب: هذا ما قاضي عليه محمّد رسولُ الله سُهَيلَ بن عَمْرو،).

فقال سُهَيل: لوأجبتُک في الکتاب الذي بيننا إلي هذا، لأقررتُ لک بالنبوّة! فسواء شَهدتُ علي نفسي بالرضا بذلک أو أطلقتُه من لساني، اُمْحُ هذا الاسمَ واکتُب: هذا ما قاضي عليه محمّد بن عبد الله. فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: «إنّه والله لَرسول اللّه علي رَغْم أنفک».

فقال سُهَيل: اُکتب اسمَه يَمضِي الشرط.

فقال له أميرالمؤمنين عليه السلام: «ويلک يا سُهَيل، کُفَّ عن عِنادک».

فقال له النبي عليه السلام: «اُمْحُها يا عليّ».

فقال: «يا رسولَ اللّه، إنّ يدي لا تَنطلق بمحو اسمک من النبوّة».

[صفحه 121]

قال له: «فَضَعْ يدي عليها» فمحاها رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله بيده، وقال لأميرالمؤمنين عليه السلام: «ستُدعي إلي مثلِها فتُجيب وأنت علي مَضَض».

ثمّ تممّ أميرالمؤمنين عليه السلام الکتاب.

ولما تمّ الصلحُ نحر رسولُ الله صلّي الله عليه وآله هديَه في مکانه.

فکان نظام تدبير هذه الغَزاة مُعَلَّقاً بأميرالمؤمنين عليه السلام، وکان ما جري فيها من البيعة وصفِّ الناس للحرب ثمّ الهُدنةِ والکتاب کلّهِ لأميرالمؤمنين عليه السلام، وکان فيما هيّأه اللّه تعالي له من ذلکَ حقْن الدماء وصلاح أمر الإسلام.


صفحه 120، 121.








  1. في هامش «ش»: نعرف.