باب الخبر عن أميرالمؤمنين











باب الخبر عن أميرالمؤمنين



أوّلُ أئمّة المؤمنين، ووُلاةِ المسلمين، وخلفاء الله تعالي في الدين، بعد رسول الله الصادق الأمين محمّد بن عبدالله خاتم النبيّين، - صلواتُ الله عليه وآله الطاهرين - أخوه وابنُ عمّه، ووزيرُه علي أمره، وصهْرُه علي ابنته فاطمة البتول سيّدة نساء العالمين، أميرُالمؤمنين عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مَناف سيّد الوصيّين -عَليه أفضل الصلاة والتسليم -.

کُنيتُه: أبو الحسن، وُلِد بمکّة في البيت الحرام يومَ الجمعة الثالث عشر من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل، ولم يُولد قبله ولا بعده مولودٌ في بيت الله تعالي سواه إکراماً من الله تعالي له بذلک وإجلالاً لمحلّه في التعظيم.

وأمّه: فاطمة بنتُ أسَد بن هاشم بن عبد مناف رضي الله عنها، وکانت کالاٌمّ لرسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم، رُبي في حِجرها، وکان شاکراً لبرها، وآمَنَتْ به صلّي الله عليه وآله في الأوّلين، وهاجَرَتْ معه في جُملة المهاجرين. ولمّا قبضها الله تعالي إليه کَفّنها النبي صلّي الله عليه وآله بقميصه ليَدْرَأ به عنها هوامَّ الأرض، وتوسّد في قبرها لتَأْمَنَ بذلک من ضَغْطة القبر، ولقّنها الإقرارَ بولاية ابنها - أميرالمؤمنين عليه السلام - لتجيبَ به عند المساءلة بعد الدفن، فخصَّها بهذا الفضل

[صفحه 6]

العظيم لمنزلتها من الله تعالي ومنه عليه السلام، والخبر بذلک مشهور[1] .

فکان أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام وإخوته أوّل من ولده هاشم مرتين[2] ، وحاز بذلک مع النشوء في حجر رسول الله صلّي الله عليه وآله والتأدّب به الشرفين. وکان أوّل من آمن بالله عزّ وجلّ برسوله صلّي الله عليه وآله من أهل البيت والأصحاب، وأول ذَکَرٍ دعاه رسول الله صلي الله عليه وآله إلي الإسلام فأجاب، ولم يزل ينصر الدين، ويجاهد المشرکين، ويذبّ عن الإيمان، ويَقْتُل أهل الزيغ والطغيان، وينشر معالم السنّة والقرآن، ويحکم بالعدل ويأمر بالإحسان. فکان مقامه مع رسول الله صلّي الله عليه وآله بعد البعثة ثلاثاً وعشرين سنة، منها ثلاث عشرة سنة بمکّة قبل الهجرة مشارکاً له في محنه کلّها، متحمّلاً عنه أکثرأثقاله؛ وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة يکافح عنه المشرکين، ويجاهد دونه الکافرين، ويقيه بنفسه من أعدائه في الدين، إلي أن قبضه الله تعالي إلي جنّته ورفعه في عليّين، فمضي - صلّي الله عليه وآله - ولأميرالمؤمنين عليه السلام يومئذ ثلاث وثلاثون سنة.

فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة رسول الله صلّي الله عليه وآله؛ فقالت شيعته - وهم بنو هاشم وسلمان وعمّار وأبوذر والمقداد وخزيمة ابن ثابت ذو الشهادتين وأبو أيّوب الأنصاري وجابر بن عبدالله الأنصاري

[صفحه 7]

وأبو سعيد الخدْري، وأمثالهم من جِلّة[3] المهاجرين والأنصار-: إنّه کان الخليفةَ بعد رسول الله صلّي الله عليه وآله والإمامَ لفضله علي کافّة الأنام بما اجتمع له من خِصال الفضل والرأي والکمال، من سَبْقه الجماعةَ إلي الإيمان، والتبريزِعليهم في العلم بالأحکام، والتقدّم لهم في الجهاد، والبَيْنونةِ منهم بالغاية في الورع والزهد والصلاح، واخصَاصِه من النبي صلّي الله عليه وآله في القُربي بما لم يَشرْکه فيه أحدٌ من ذوي الأرحام.

ثمّ لنصّ الله علي ولايته في القران، حيث يقول جلّ اسمه: (إنَّمَا وَلِيُّکُمُ الله وَرَسُولُه وَألَّذينَ آمَنُوا ألَّذينَ يًقيمُونَ ألصَّلاةَ ويُؤْتونَ الزّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ)[4] ، ومعلومٌ أنّه لم يزکّ في حال رکوعه أحد سواه عليه السلام، وقد ثَبَت في اللغة أنّ الوَلي هو الأولي بلا خلاف.

وإذا کان أميرُ المؤمنين عليه السلام - بحکم القرآن - أولي بالناس من أنفسهم، لکونه وليّهم بالنصّ في التبيان، وَجَبَتْ طاعتهُ علي کافّتهم بجَليّ البيان، کما وَجَبتْ طاعةُ الله وطاعةُ رسوله عليه وآله السلام بما تَضَمَّنه الخبرُ عن ولايتهما للخلق فِي هذه الآية بواضح البرهان.

وبقول النبيّ صلّي الله عليه وآله يومَ الدار، وقد جَمَع بني عبد المطلب - خاصّةً - فيها للإِنذار: «مَنْ يُؤازِرْني علي هذا الأمر يَکُنْ أخي ووصّيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي» فقام إليه أميرُ المؤمنين عليه السلام من بين جماعتهم، وهو أصغرهم يومئذ سنّاً فقال: «أنا اُؤازرک يا رسول الله» فقال له النبي صلّي الله عليه وآله: «اجلس فانت أخي ووصيّي

[صفحه 8]

ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي» وهذا صريحُ القول في الاستخلاف.

وبقوله - أيضاً - عليه السلام يوم غدير خم وقد جمع الأمّة لسماع الخطاب: «ألستُ أولي بکم منکم بانفسکم»؟ فقالوا: اللهم بلي، فقال لهم عليه السلام - علي النسق من غير فصل بين الکلام -: «فمن کنتُ مَوْلاه فعَلي مَوْلاه» فاوجَبَ له عليهم من فرض الطاعة والولاية ما کان له عليهم، بما قرّرهم به من ذلک ولم يتناکروه. وهذا أيضاً ظاهرٌ في النص عليه بالامامة والاستخلاف له في المقام.

وبقوله عليه السلام له عند توجّهه إلي تَبوک: «أنت منّي بمنزلةِ هارون من موسي إلاّ أنّه لا نبيَّ بعدي» فاوجب له الوِزارة والتخصّص بالمودّة والفضل علي الکافّة، والخلافة عليهم في حياته وبعد وفاته، لشهادة القران بذلک کلّه لهارون من موسي عليهما السلام؛ قال الله عزّ وجل مُخبراً عن موسي عليه السلام:(واجعل لي وَزيراً مِنْ أهْلي * هارُونَ اَخي * أشْدُدْ بهِ اَزْري * وَأشْرِکْهُ في اَمْري * کَيْ نُسَبِّحَکَ کَثيراً * في وَنَذْکُرَکَ کَثيراً * اِنَّکَ کُنْتَ بنَا بَصيراً * قَال قَدْ أوتِيتَ سُؤْلَکَ يَامُوسي[5] فثبت لهارون عليه السَلام شرکة موسي في النبوّة، ووِزارتُه علي تادية الرسالة، وشَدُّ أزْرِه به في النصرة. وقال في استخلافه له: أخْلُفْني في قَوْمِي وَاصْلحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ اْلمُفْسِدينَ[6] فثبتت له خلافته بمحکم التنزيل.

فلمّا جعل رسولُ الله صلّي الله عليه وآله لأميرالمؤمنين عليه السلام

[صفحه 9]

جميعَ منازل هارون من موسي عليهما السلام في الحُکمِ له منه إلاّ النبوّة، وجبت له وزارةُ الرسول صلّي اللّه عليه وآله وشدّ الازر بالنصرة والفضل والمحبّة، لما تقتضيه هذه الخصال من ذلک في الحقيقة، ثمّ الخلافةُ في الحياة بالصريح، وبعد النبوّة بتخصيص الاستثناء لما أخرج منها بذکر البَعد، وأمثالُ هذه الحجج کثيرة ممّا يطول بذکرها الکتاب، وقد استقصينا القول في إثباتها في غيرهذا الموضع من کتبنا، والحمد للّه.

فکانت إمامةُ أميرالمؤمنين عليه السلام بعد النبيّ صلّي اللّه عليه واله ثلاثينَ سَنَة، منها أربعٌ وعشرون سنة وأشهرُ ممنوعاً من التصرّف علي أحکامها، مستعملاً للتقية والمداراة. ومنها خمس سنين وأشهر مُمْتَحَناً بجهاد المنافقين من الناکثين والقاسطين والمارقين، مُضطَهَداً بفِتَن الضالّين، کما کان رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحکامها، خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً، لا يتمکّن من جهاد الکافرين، ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين، ثمّ هاجر وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشرکين مُمْتَحَناً بالمنافقين، إلي أن قبضه اللّه - تعالي - إليه وأسکنه جنات النعيم.

وکانت وفاةُ أميرالمؤمنين عليه السلام قبيلَ الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدي وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلاً بالسيف، قتله ابنُ مُلْجَم المُرادي - لعنه اللّه - في مسجد الکوفة؛ وقد خرج عليه السلام يُوقظ الناسَ لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، وقد کان ارتصده من أول الليل لذلک، فلمّا مرّبه في المسجد وهو مُستَخْفٍ بامره مُماکرٌ بإظهار النوم في جملة النيام، ثار إليه فضربه علي

[صفحه 10]

أمّ رأسه بالسيف - وکان مسموماً - فمکث يومَ تسعة عشر وليلةَ عشرين ويومَها وليلةَ إحدي وعشرين إلي نَحْو الثلث الاوّلْ من الليل، ثمّ قَضي نَحْبَه عليه السلام شهيداً ولقي ربَّه - تعالي - مظلوماً.

وقد کان عليه السلام يَعْلَم ذلک قبل أوانه ويُخْبربه الناسَ قبلَ زمانه، وتولّي غسلَه وتکفينَه ابناه الحسن والحسينُ عليهما السلام بامره، وحَمَلاه إلي الغَرِيّ من نَجَفِ الکوفة، فدَفَناه هناک وعَفّيا موضِعَ قبره، بوصيّة کانت منه إليهما في ذلک، لما کان يعلمه عليه السلام من دَوْلة بني أُميّة من بعده، واعتقادهم في عَداوته، وما ينتهون إليه بسوء النيّات فيه من قبيح الفعال والمقال بما تمکّنوا من ذلک، فلم يزل قبرهُ عليه السلام مخفيً حتّي دَلّ عليه الصادقُ جعفرُ بنُ محمّد عليهما السلام في الدَوْلة العبّاسية، وزاره عند وروده إلي أبي جعفر[7] - وهو بالحِيْرة - فعَرَفَتْه الشيعة واستأنَفوا إذ ذاک زيارته عليه السلام وعلي ذُرّيته الطاهرين، وکان سنّه عليه السلام يوم وفاته ثلاثاً وستين سنة.

[صفحه 11]


صفحه 6، 7، 8، 9، 10، 11.








  1. اُنظر الکافي 1: 377 / 2، دعائم الاسلام 2: 361، خصائص الأئمة: 64.
  2. في نسخة «ح»: من ولد من هاشميين.
  3. جلّة: جمع جليل.
  4. المائده: 55.
  5. طه 20: 29 ـ 36.
  6. الأعراف 7: 142.
  7. ابو جعفر المنصور، عبدالله بن محمد بن علي بن العباس، ثاني خلفاء بني العباس، ولد في الحميمة من أرض الشراة سنة95هـ وولي الخلافة بعد وفاة أخيه السفاح سنة 136هـ، توفي ببئر ميمون سنة 158هـ، ودفن في الحجون بمکة وکانت مدة خلافته 22 عاماً، اُنظر «تاريخ بغداد 1: 62، شذرات الذهب 1: 244، تاريخ الطبري 8: 113، العبر1:175، الاعلام 4: 117».