غزوة وادي الرمل و فعال امير المؤمنين فيها











غزوة وادي الرمل و فعال امير المؤمنين فيها[1]



.

وقد کان من أميرالمؤمنين عليه السلام في غَزوة وادي الرَمْل، ويُقال: إِنَّها کانت تًسَمّي بغزوة السَلسلة، ما حَفِظه العلماء، ودَوَنه الفقهاء ونَقَله أصحابُ الآثار، ورواه نَقَلةُ الأخبار، ممّا يَنضاف إلي‎‎

[صفحه 114]

مناقبه عليه السلام في الغزوات، ويُماثل فضائله في الجهاد، وما توحّد به في معناه من کافّة العباد.

وذلک أنّ أصحابَ السِيرذکروا: أنّ النبيَّ صلّي الله عليه وآله کان ذاتَ يوم جالساً، إذ جاءه أعرابيٌّ فجَثا بين يديه، ثمّ قال: اني جئتک لأْنصَحَک، قال: «وما نصيحتک؟» قال: قوم من العرب قد عَمِلوا علي أن يُثْبتوک[2] بالمدينة، ووَصَفهم له.

قال: فأمر أميرَ المؤمنين عليه السلام أن يُنادي بالصلاة جامعةً، فاجتمع المسلمون، فصَعِد المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: «أيّها الناس، إنّ هذا عدوّ اللّه وعدوَّکم قد[3] اقبْلَ إليکم، يَزْعَم أنَّهُ يُثبِتکم[4] بالمدينة، فمَنْ للوادي؟».

فقام رجل من المهاجرين فقال: أنا له يا رسول الله. فناوله اللواء وضمَّ إليه سبعمائة رجل وقال له: «اِمض علي اسم اللّه».

فمضي فَوافي[5] القومَ ضَحْوةً، فقالوا له: مَن الرجل؟ قال: أنا رسول لرسول الله، إمّا أن تقولوا: لا إله إلاّ الله وحده لا شريک له وأن محمداً عبده ورسوله، أو لأضْرِبنّکم بالسيف؟ قالوا له: اِرجعْ إلي صاحبک، فإنّا في جمع لا تقوم له.

فرجع الرجل، فأخبررسولَ الله صلّي اللّه عليه وآله بذلک، فقال

[صفحه 115]

النبي صلّي اللّه عليه وآله: «مَنْ للوادي؟» فقام رجل من المهاجرين فقال: أنا له يا رسولَ الله.

قال: فدَفَع إليه الرايةَ ومضي، ثمّ عاد بمثل ما عاد به صاحبهُ الأول.

فقال رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله: «أينَ عليُّ بن أبي طالب؟» فقام أميرُ المؤمنين عليه السلام فقال: «أنا ذا يا رسولَ اللّه؟» قال: «اِمض إلي الوادي» قال: «نعم» وکانت له عِصابة لا يَتَعصّب بها حتّي يَبْعَثَه النبيُّ عليه السلام في وجهٍ شديدٍ.

فمضي إلي منزل فاطمة عليها السلام، فالتمس العصابةَ منها؟ فقالت: «أين تُريد، أين بَعَثَک أبي؟ قال: إلي وادي الرَمْل» فبکَتْ إشفاقاً عليه.

فدخل النبيّ صلّي اللّه عليه وآله وهي علي تلک الحال. فقال لها: «ما لکِ تَبکين؟ أتَخافين أن يُقْتَل بعلًک؟ کلاّ، إن شاءَ اللّه» فقال له علي عليه السلام: «لا تَنْفَس[6] عليّ بالجنّة، يا رسولَ اللّه».

ثمّ خرج ومعه لِواء النبي صلّي اللّه عليه وآله فمضي حتي وافي القومَ بسَحَر فأقام حتّي ِ أصبح، ثمّ صلّي بأصحابه الغَداةَ وصَفَهم صُفوفاً، واتکأ علي سيفه مقبِلاً علي العدُوّ، فقال لهم: «يا هؤلاء، أنا رسولُ رسول اللّه إليکم، أن تقولوا لا إله إلاّ الله وأنَ محمّداً عبدُه ورسوله، وإلاّ ضرَبتُکم بالسيف،.

[صفحه 116]

قالوا: اِرجِعْ کما رجَعَ صاحباک.

قال: «أنا أرْجِع؟! لا والله حتي تُسْلِموا أو أضْرِبکم بسيفي هذا، أنا عليُّ بن أبي طالب بن عبد المُطَّلب».

فاضطرب القومُ لمّا عَرَفوه، ثمّ اجترؤوا علي مُواقَعته، فواقعهم عليه السلام، فقتَلَ منهم ستةً أو سبعةً، وانهزم المشرکون، وظَفِر المسلمون وحازوا الغنائم، وتوجّه إلي النبي صلّي اللّه عليه وآله.

فروي عن امّ سَلَمة- رحمة الله عليها-قالت: کان نبيُّ الله عليه السلام قائلاً[7] في بيتي إذ انْتَبَهَ فَزَعاً من منامه، فقلت له: اللّه جارک، قال: «صدقتِ، اللّه جاري، لکنّ هذا جَبرئيل عليه السلام يُخبِرني: أنّ علياً قادم» ثمّ خرج إلي الناس فأمَرَهم أن يَسْتَقبلوا علياً عليه السلام وقام المسلمون له صَفّين مع رسول اللّه صلّي اللّه علَيه واله.

فلمّا بَصرَ بالنبي صلّي اللّه عليه وآله ترجّل عن فرسه وأهوي إلي قدمَيْه يُقبّلهما، فقال له عليه السلام: «إرْکَبْ فإنّ اللّه تعالي ورسوله عنک راضيان» فبکي أميرُ المؤمنين عليه السلام فَرَحاً، وانصرف إلي منزله، وتسلّم المسلمون الغنائمَ.

فقال النبي صلّي اللّه عليه وآله لبعض من کان معه في الجيش: «کيف رأيتمُ أميرَکم؟» قالوا: لم نُنِکْر منه شيئاً، إلاّ أنّه لم يَؤُمَ بنا في صلاة إلاّ قرأ بنا فيها بقُلْ هو الله أحد. فقال النبي صلّي الله عليه وآله «سأسأله عن ذلک».

[صفحه 117]

فلمّا جاءه قال له: «لمَ لم تَقْرَأ بهم في فَرائِضک إلاّ بسورة الإخلاص؟» فقال: «يا رسولَ الله أحبَبْتها» قال له النبي عليه السلام: «فإن الله قد أحَبّک کما أحبَبْتَها».

ثم قال له: «يا عليّ، لولا أنّني أشْفِقُ أن تقولَ فيک طوائفٌ ما قالت النصَاري في عيسي بن مريم، لقلتُ فيک اليومَ مَقالاً لا تَمُرّ بملأٍ منهم إلاّ أخَذوا التراب من تحت قَدَمَيْک».


صفحه 114، 115، 116، 117.








  1. سقط هذا الفصل من نسخة «ش» و «ح» إلي قوله:«ثم کان من بلائه عليه السلام ببني المصطلق» الآتي في ص 118.
  2. في هامش «م»: يبيتوک.
  3. نسخة في «م»: وقد.
  4. في هامش «م»: يبيتکم.
  5. في هامش «م»: فوافق.
  6. لا تَنْفَس: لا تبخل: «النهاية 5: 97».
  7. قائلاً: من القيلولة، وهي نومة نصف النهار. «مجمع البحرين - قيل - 5: 459».