غزوة احد و ما ظهر فيما من عظيم فضله و شجاعته











غزوة احد و ما ظهر فيما من عظيم فضله و شجاعته



ثمّ تلت بدراً غَزاةُ احًد، فکانت رايةُ رسول اللّه صلّي اللّه عليه واله بيد أميرالمؤمنين عليه السلام فيها، کما کانت بيده يومَ بدر، فصار اللِواءُ إليه يومئذ ففاز بالراية واللِواء جميعاً، وکان الفتحُ له في هذه الغزاة کما کان له ببدر- سواء - واختصّ بحسن البلاء فيها والصبر، وثبوتِ القدم عندما زلّت من غيره الأقدامُ، وکان له من الغَناء عن رسول اللّه صلّي اللّه عليه واله ما لم يکن لسواه من أهل الإسلام، وقَتَل الله بسيفه رؤوسَ أهل الشرک والضَلال، وفرّج اللّه به الکَرْبَ عن نبيّه عليه السلام، وخَطَبَ بفضله في ذلک المقام جبرئيلُ عليه السلام في ملائکة الأرض والسماء، وأبانَ نبيُّ الهدي عليه وآله السلام من اختصاصه به ما کان مستوراً عن عامّة الناس.

فمن ذلک ما رواه يحيي بن عُمارَة قال: حدثني الحسن بن موسي

[صفحه 79]

ابن رَباح[1] - مولي الأنصار - قال: حدَّثني أبو البَخْتِريّ القُرشيّ قال: کانت رايةُ قريش ولواؤها جميعا ً بيد ُقصيَّ بن کِلاب، ثمّ لم تَزَل الرايةُ في يد ولد عبد المطّلب يحمِلُها منهم من حَضر الحربَ، حتّي بعث اللّه رسولَه صلّي اللّه عليه وآله فصارت رايةُ قريش وغير ذلک إلي النبي صلّي الله عليه وآله فاقرّها في بني هاشم، وأعطاها رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله عليَّ ابن أبي طالب عليهما السلام في غَزاة وَدّان[2] وهي أوّلُ غَزاة حُمِل[3] فيها راية في الإسلام مع النبي صلّي اللّه عليه وآله ثمّ لم تَزَل معه في المشاهد، ببدر وهي البَطْشة الکبري، وفي يوم اُحد وکان اللِواء يومئذ في بني عبد الدار، فأعطاه رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله مُصْعَبَ بن عُمَير، فاستشهد ووقع اللِواء من يده فتشوفته القبائلُ، فاخذه رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله فدفعه إلي عليّ بن أبي طالب عليه السلام فجُمِع له يومئذ الراية واللواءُ، فهما إلي اليوم في بني هاشم[4] .

وقد روي المُفَضّل بن عبدالله، عن سِماک، عن عِکرْمة، عن عبدالله بن العباس أنه قال: لعلي بن أبي طالب عليه السلام أربعٌ ما هن لأحد: هو أوّل عَرَبيّ وعَجَميّ صلّي مع النبي صلّي الله عليه وآله. وهو صاحب لِوائه في کلّ زَحْف. وهو الذي ثبت معه يوم المِهراس[5] .

[صفحه 80]

- يعني يومَ اُحد - وفَرَّ الناس. وهو الذي أدخله قبرَه[6] .

وروي زيد بن وَهبْ الجُهَنِي قال: حدَّثنا أحمد بن عمّار قال حدَّثني: الحِمّاني قال: حدَّثنا شرِيک، عن عُثمان بن المُغيرة، عن زيد بن وَهْب، قال: وَجَدْنا من عبداللّه بن مسعود- يوماً - طيب نفس فقلنا له: لو حدّثتَنا عن يوم اُحد، وکيف کان؟.

فقال: أجَلْ - ثمّ ساق الحديث حتي انتهي إلي ذکر الحَرْب - فقال: قال رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله: «أُخْرُجوا إليهم علي اسم اللّه» فخَرَجْنا فصَفَفْنا لهم صفّاً طويلاً، وأقام علي الشِعْب خمسين رجلاً من الأنصار، وأمَّر عليهم رجلاً منهم، وقال: «لا تَبْرَحُوا عن مکانکم هذا وان قُتِلنا عن آخرنا، فإنّما نُؤتي من موضعکم هذا» قال: وأقام أبو سفيان بن حَرْب بإزائهم خالدَ بن الوليد، وکانت الألوِيةُ من قريش مع بني عبد الدار، وکان لِواءُ المشرکين مع طَلْحة بن أبي طَلْحة، وکان يُدْعي کَبْشَ الکَتِيبة.

قال: ودَفَعَ رسولُ اللّه صلّي الله عليه وآله لواءَ المهاجرين إلي عليّ ابن أبي طالب عليه السلام وجاء حتّي قام تحت لِواء الأنصار.

قال: فجاء أبو سفيان إلي أصحاب اللِواء فقال: يا أصحاب الألْوِية، إنّکم قد تعلمون أنّما يُؤتَي القومُ من قبل ألويتهم، وإنّما أتِيتم

[صفحه 81]

يوم بدرمن قبل ألويتکم، فإن کنتم تَرَون أنکم قد ضَعُفْتم عنها فادفعوها إلينا نَکْفِکموها.

قال: فغَضِب طَلحة بن أبي طَلحة وقال: ألنا تقول هذا؟ والله لأورِدنّکم بها اليوم حِياضَ الموت. قال: وکان طَلحة يُسمّي کَبْشَ الکَتِيبة.

قال: فتقدّم وتقدّم عليّ بن أبي طالب عُليه السلام فقال عليّ: «من أنت؟» قال: أنا طَلحة بن أبي طَلحة، أنا کَبشُ الکَتيبة فمن أنت؟ قال: «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب» ثمّ تقاربا فاختلفت بينهما ضربتان، فضربه عليّ بن ابي طالب عليه السلام ضربةً علي مقدّم رأسه، فبدرت عيناه وصاح صيحةً لم يُسْمَع مثلها قطّ وسَقَط اللواء من يده، فأخذه أخ له يقال مُصْعَب، فرماه عاصم بن ثابت فقتله، ثمّ أخذ اللواء أخ له يقال له عثمان، فرماه عاصم - أيضاً - فقتله، فأخذه عبد لهم يقال له صواب - وکان من أشدّ الناس - فضرب عليُّ بن أبي طالب عليه السلام يدَه فقطعها، فأخذ اللِواء بيده اليُسري، (فضرَبه)[7] علي يده فقطعها، فأخذ اللِواءَ علي صدره وجمع يديه وهما مقطوعتان عليه، فضربه عليّ عليه السلام علي أمّ رأسه فسَقَط صريعاً وانهزم القوم، وأکمت المسلمون علي الغنائم.

ولأ رأي أصحابُ الشِعْب الناسَ يَغْنمون[8] قالوا: يَذْهَب هؤلاء بالغنائم ونبقي نحن؟! فقالوا لعبدالله بن عمرو بن حَزْم، الذي کان رئيساً

[صفحه 82]

عليهم: نريد أن نَغْنَم کما غَنِم الناسُ، فقال: إن رسولَ اللّه صلّي اللّه عليه وآله أمرني أن لا أبرَحَ من موضعي هذا، فقالوا له: إنه أمرک بهذا وهو لا يَدْري أنّ الأمرَ يَبْلُغَ إلي ما تري، ومالوا إلي الغنائم وترکوه، ولم يَبْرحَ هومن موضعه، فحَمَل عليه خالدُ بن الوليد فقتله.

وجاء من ظَهْر رسول اللّه صلي اللّه عليه وآله يرُيده، فنظر إلي النبيّ في حَفٍّ من أصحابه، فقال لمن معه: دُونکم هذا الذي تَطْلُبون، فَشَانکم به، فَحمَلوا عليه حملةَ رجل واحد ضرباً بالسيوف وطَعْناً بالرماح ورَمْياً بالنَبْل ورَضْخاً بالحجارة، وجعل أصحاب النبي صلّي اللّه عليه وآله يقاتلون عنه حتي قتل منهم سبعون رجلأ، وثبت أميرالمؤمنين عليه السلام وأبو دُجانَة الأنصاري وسَهْل بن حُنَيْف للقوم يَدْفَعون عن النبي صلّي اللّه عليه وآله وکَثُرعليهم المشرکون، ففَتَح رسولُ اللّه صلّي اللّه عليه وآله عَيْنَيْه فنظر إلي أميرالمؤمنين عليه السلام - وقد کان اُغمِيِ عليه ممّا ناله - فقال: «يا عليّ، ما فعل الناس؟ قال: نَقَضوا العهد ووَلَّوُا الدُبُر، فقال له: فاکفِني هؤلاء الذين قد قصدوا قصدي» فحمل عليهم أميرالمؤمنين عليه السلام فکَشَفهم، ثمّ عاد إليه - وقد حملوا عليه من ناحية اُخري - فکرَّ عليهم فکشَفَهم، وأبو دُجانَة وسَهْل بن حُنيْف قائمان علي رأسه، بيد کلّ واحد منهما سيفهُ ليَذُبَّ عنه.

وثاب إليه من اصحابه المنهزمين أربعةَ عشر رجلاً منهم طَلحة بن عُبَيد اللّه وعاصم بن ثابت. وصَعِد الباقون الجبَل، وصاح صائحٌ بالمدينة: قُتِل رسولُ اللّه، فانخلعت القلوبُ لذلک، وتحيّر المنهزمون فأخذوا يميناً وشِمالاً.

[صفحه 83]

وکانت هندٌ بنت عتبة جَعَلتْ لوحشيٍ جُعْلاًعلي أن يَقْتُل رسولَ اللة صلّي اللة عليه وآله أو أميرَالمؤمنين علي بن أبي طالب أو حمزةَ بن عبد المطّلب عليهما السلام فقال لها: أما محمّد فلا حيلة لي فيه، لاّنّ أصحابه (يُطيفون به)، وأما عليّ فإنّه إذا قاتل کان أحذَر من الذِئب، وأمّا حمزة فإني أطْمَع فيه، لأنه إذا غَضِب لم يُبْصِر بين يديه.

وکان حمزة - يومئذ - قد أعْلَمَ بريشةِ نَعُامة في صدره، فکَمن له وحشي في أصل شجرة، فرآه حمزة فبدر اليه بالسيف فضربه ضربةً أخطأت رأسَه، قال وحشي: وهَزَزتُ حَرْبتي حتّي إذا تمکّنت منه رميته، فأصبتهُ في أُربِيّته[9] فأنفذتُه، وترکتهُ حتّي إذا برد صِرت إليه فاخذت حَربتي، وشُغِل عني وعنه المسلمون بهزيمتهم.

وجاءت هند فأمَرَتْ بشَقّ بطن حمزة وقطع کَبده والتمثيل به، فجَدَعوا أنفه واُذَنَيْه ومَثّلوا به، ورسولُ الله صلّي الله علَيه واله مشغولٌ عنه، لا يَعْلَم بما انتهي إليه الأمرُ.

قال الراوي للحديث - وهو زيد بن وَهْب - قلت لابن مسعود: انهزم الناس عن رسول الله حتّي لم يبقَ معه إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام وأبو دُجانَة وسهل بن حًنَيْف؟!

قال: انهزم الناس إلاّ علي بن أبي طالب وحده وثاب الي رسول الله صلّي اللّه عليه وآله نفر، وکان أولهم عاصِم بن ثابت وأبو دُجانة وسَهْل

[صفحه 84]

ابن حُنَيف ولحقهم طَلحة بن عُبَيداللّه.

فقلت له: فأين کان أبو بکر وعمر؟!

قال: کانا ممّن تنحّي.

قال، قلت: فأين کان عثمان؟!

قال: جاء بعد ثلاثة من الوَقْعة، فقال له رسول اللّه صلّي الله عليه وآله: «لَقدْ ذَهَبْتَ فيها عَرِيضة»[10] .

قال، فقلت له: فأين کنتَ أنت؟.

قال: کنتُ فيمن تنحّي.

قال فقلت له: فمن حدَّثک بهذا؟.

قال: عاصم وسهل بن حنيف.

قال، قلت له: إنّ ثبوتَ علي عليه السلام في ذلک المقام لعَجَبٌ.

فقال: إن تعجّبت من ذلک، لقد تعجّبتْ منه الملائکة، أما علمتَ أنّ جبرئيل قال في ذلک اليوم - وهويَعْرج إلي السماء -: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتي إلاّ علي.

فقلت له: فمن أين عُلِم ذلک من جبرئيل؟.

فقال: سَمِعَ الناس صائحاً يَصيح في السماء بذلک، فسألوا النبي

[صفحه 85]

صلّي الله عليه وآله عنه فقال: «ذاک جبرئيل»[11] .

وفي حديث عِمران بن حُصَيْن قال: لمّا تفرقّ الناسُ عن رسول اللّه صلّي الله عليه وآله في يوم أُحد، جاء عليّ مُتَقلّداً سيفَه حتّي قام بين يديه، فرفع رسولُ اللّه صلّي الله عليه وآله رأسَه إليه فقال له: «ما لک لم تَفِرَّ مع الناس؟ فقال: يا رسول اللّه أأرجع کافراً بعد إسلامي!» فاشارله إلي قوم انحَدَرُوا من الجبل فحَمَلَ عليهم فهَزَمهم، ثمّ أشار لَه إلي قوم آخرين فحمل عليهم فهَزَمهم، ثمّ أشار إلي قوم فحَمَل عليهم فهَزَمهم، فجاء جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله، لقد عَجِبتِ الملائکة (وعَجبنا معهم)[12] .

وروي الحَکَم بن ظُهير[13] ، عن السُدِّي، عن أبي مالک، عن ابن عبّاس رحمة الله عليه: انّ طلحة بن أبي طَلحة خرج يومئذ فوقف بين

[صفحه 86]

الصفين، فنادي: يا اصحاب محمّد، إنّکم تَزْعمُون أنّ الله تعالي يُعَجّلنا بسيوفکم إلي النار، ويُعَجّلکم بسيوفنا إلي الجنّة، فأيّکم يَبْرُز إلي؟ فبرز إليه أميرالمؤمنين عليه السلام فقال: «واللّه لا أفارقُک اليومَ حتي أُعَجّلک بسيفي إلي النار» فاختلفا ضربتين، فضربه علي بن أبي طالب علي رِجْلَيه فقطعهما، وسقَطَ فانکشف عنه، فقال: أنشدک اللّه - يا بن عَمّ - والرَحِم. فانصرف عنه إلي موقفه، فقال له المسلمون: (ألا أجزت)[14] عليه؟ فقال: «ناشدني الله والرَحِم، وواللّه لا عاش بعدها أبداً» فمات طَلحة في مکانه، وبشر النبيُ صلّي اللّه عليه وآله بذلک فَسُرَّبه وقال: «هذا کَبْش الکَتِيبة»[15] .


صفحه 79، 80، 81، 82، 83، 84، 85، 86.








  1. في «ش» و«ح»: رياح وما اثبتناه من «م».
  2. ودّان: موضع بين مکة والمدينة. سميت الغزوة به. «معجم البلدان 5: 365».
  3. في «م» وهامش «ش»: حملت.
  4. مناقبوب 3: 299، کفاية لام الوري: 193، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20: 80.
  5. المهراس: ماء بجل أُحد. «معجم البلدان 5: 232».
  6. المستدرک علي الصحيحين 3: 111، الاستيعاب 3: 27، شرح نهج البلاغة 4: 116،کفاية الطالب: 336، وذکره الصدوق في الخصال 1: 210 / 33 بأختلاف يسير، ونقله المجلسي في البحار 20: 81.
  7. في «م» وهامش «ش»: فضرب.
  8. في «م» وهامش «ش»: يغتنمون.
  9. فيه هامش «ش»: ثُنّته وکلاهما معني واحد، وهي ما بين السرة والعانة. «الصحاح. ثنن- 5: 209»
  10. کناية عن هزيمته التي ابعد فيها - زماناً ومکاناً - عن محل الواقعة.
  11. نقلت فقرات من الواقعة في مصباح الأنوار: 314، اعلام الوري: 193، ارشاد القلوب: 241، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20: 81 - 85.
  12. ذکره بسند آخر الطبري في تاريخه 2: 514، وابن شهرآشوب في المناقب 3: 124، وقطع منه في مجمع الزوائد 6: 114، وشرح النهج 13: 261، 14 / 250، ونقله العلامة المجلسي في البحار 20:85.
  13. ضبط کلمة ظهيرفي «ش» و «م» مصغراً (بضم الظاء) ولکن في هامشهما: ظَهيرمکبراً (بفتح الظاء). وهامش اخر في «ش»: کان الاسم مصغراً ]في[ نسخة الشيخ ]رضي [، الله عنه، وفي هامش اخر في «ش» و «م»: والمعروف عند أصحاب الحديث مصغراً. وضبط الکلمة بالتصغير في تقريب التهذيب 1: 191.
  14. في «ش» و «م»: اجزت، وهي لغة في اجهزت، فکلاهما بمعني واحد، وما أثبتناه من هامشهما.
  15. ورد في الفصول المهمة: 57، وباختلاف يسير في تاريخ الطبري 2: 509، تفسير القمي 1: 112، مناقب آل أبي طالب 3: 123، ونقله العلامة المجلسي في البحار20: 86.