نتف مما روي عن دوره في غزوة بدر











نتف مما روي عن دوره في غزوة بدر



فمن مختصر الأخبار التي جاءت بشرح ما أثبتناه، ما رواه شُعْبةَ، عن أبي إسحاق، عن حارث بن مضَرّب قال: سمعت عليَّ بن أبي طالب عليه السلام يقول: «لقد حضرنا بدراً وما فينا فارسٌ غير المِقْدَاد بن الأسود، ولقد رأيتُنا ليلةَ بدرٍ وما فينا إلاّ من نام، غير رَسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله فإنّه کان مُنْتَصِباً في أصل شجرةٍ يُصلّي ويَدْعُوحتّي الصباح»[1] .

وروي عليّ بن هاشم، عن محمّد بن عُبَيد اللّه بن أبي رافع، عن أبيه، عن جدّه أبي رافع مولي رسول الله صلّي اللّه عليه واله - قال: لمّا أصبح الناسُ يومَ بدر، اصطفّتْ قريش أمامَها عُتْبَة بن رَبيعة وأخوه شَيْبة وابنهً الوَليد، فنادي عُتْبَةُ رسولَ الله صلّي اللّه عليه والهَ فقال: يا محمّد، أخْرِجْ إلينا اکفاءَنا من قريش. فَبَدر[2] إليهم ثلاثةٌ من شُبّان الأنصار فقال لهم عُتْبَة: من أنتم؟ فانتسبوا له، فقال لهم: لا حاجةَ بنا إلي مبارَزتکم، إنّما طَلَبْنا بني عمّنا.

فقال رسول اللّه صلّي اللّه عليه وآله للأنصار: «اِرجِعوا إلي

[صفحه 74]

مَواقِفکم» ثمّ قال: «قُمْ يا عليّ، قُمْ يا حمزة، قُمْ يا عُبَيْدة، قاتلوا علي حقّکم الذي بَعَث اللّه به نبيَّکم، إذ جاؤوا بباطلهم ليُطْفِؤُوا نورَ الله» فقاموا فصَفّوا للقوم، وکان عليهم البَيْض فلم يُعْرَفوا، فقال لهم عُتْبَة: تکلّموا، فإن کنتم أکفاءَنا قاتلناکم. فقال حمزة: أنا حمزةُ بن عبد المطّلب، أسد الله وأسد رسوله،فقال عُتْبة: کُفوٌ کريم. وقال أميرالمؤمنين عليه السلام: «أنا عليّ بن أبي طالب بن عبد المطّلب» وقال عُبيدة: أنا عُبيدة بن الحارثِ بن عبد المطّلب.

فقال عُتبة لابنه الوَليد: قم يا وليد، فبرز إليه أميرالمؤمنين عليه السلام - وکانا إذ ذاک أصغرِي الجماعة سنّاً - فاختلفا ضربتين، أخطأتْ ضربةُ الوليد أميرَ المؤمنين عليه السلام واتقي بيده اليُسري ضربةَ أميرالمؤمنين عليه السلام فأبانَتْها.

فرُوِي أنّه کان يذکُر بدراً وقَتْلَه الوليدَ، فقال في حديثه: «کانّي أنظُر إلي وَميض خاتمه في شِماله، ثمّ ضرَبته ضربةً أخري فصَرَعتُه وسَلَبتُه، فرأيتُ به رَدْعا[3] من خَلوق[4] ، فعَلِمتُ أنّه قريبُ عهدٍ بعُرْس».

ثم بارزعُتبة حمزة رضي اللّه عنه فقتله حمزة، ومشي عُبيدة- وکان أسنَّ القوم - إلي شَيبة، فاختلفا ضربتين، فأصاب ذُباب سيف[5] شَيبة عَضَلة ساق عُبيَدة فقَطَعَتْقا، واستنقَذَه أميرُ المؤمنين عليه السلام وحمزةُ منه وقَتلا شيبةَ، وحُمِلَ عُبَيدة من مکانه فمات بالصَفراء[6] .

وفي قتل عُتْبةَ وشَيْبة والوليد تقول هند بنت عُتبة:


([أ] ياعين)[7] جُودي بدَمْع سَرِب
علي خيرخِنْدِف لم يَنْقَلِب


تَداعي له رَهْطُه غُدَوةً
بنوهاشمٍ وبنوالمطّلب


يُذيقونة حَر[8] أسيافِهم
يَجُرُّونه[9] بعدَما قد شَجِب[10] و

.


وروي الحسين بن حُمَيد قال: حدَّثنا أبوغسّان قال: حدَّثنا أبو إسماعيل عُمَير بن بَکّار، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أميرالمؤمنين عليه السلام: لقد تعجَّبتُ يومَ بدر من جُرأة القوم، وقد قتلتُ الوليدَ بن عُتبة وقتل حمزةُ عتبةَ وشَرِکتهُ في قتلِ شَيبة، إذْ أقبل إليّ حَنْطَلة بن أبي سفيان، فلمّا دنا منّي ضربتهُ ضربةً بالسيف فسالتْ عيناه، فلَزِم الأرضَ قتيلاً»[11] .

وروي أبو بکر الهُذَلي، عن الزُهْري، عن صالح بن کَيْسان قال: مرّ عُثمان بن عَفّان بسعيد بن العاص فقال: إِنطلقْ بنا إلي أميرالمؤمنين عُمَر بن الخطّاب نتحدّث عنده، فانطلقا، قال: فأمّا عُثمان فصار إلي مجلسه الذي يَشتهيه[12] ، وأمّا أنا فمِلْت في ناحية القوم، فنظر إليّ عُمَر

[صفحه 76]

وقال: ما لي أراک کأنّ في نفسک عليّ شيئاً؟ أتظُنُّ أنّي قتلتُ أباک؟ والله لوَدِدتُ أني کنتُ قاتلَه، ولو قتلتهُ لم أعتذرْ من قتل کافرٍ، لکننّي مررتُ به يومَ بدرٍ فرأيتهُ يَبْحَث للقتال کما يَبْحَث الثورُ بقَرْنه، وإذا شِدْقاه قد أزْبَدا کالوَزَغ، فلما رأيتُ ذلک هِبْتُه ورُغْتُ عنه، فقال: إلي أين يا ابن الخطّاب؟ وصَمَد له علي فتناوله، فواللّه ما رِمْتُ مکاني حتّي قتله.

قال: وکان عليّ عليه السلام حاضراً في المجلس فقال: «اللّهم غَفْراً، ذَهَب الشرکُ بما فيه، ومَحا الإسلام ما تقدّم، فما لک تَهيج الناسَ!؟» فکَفّ عُمَر، قال سعيد: أما إنّه ما کان يَسًّرني أن يکون قاتل أبي غيرَ ابن عمّه عليّ بن أبي طالب، وأنشا القوم في حديث اخر[13] .

وروي محمّد بن إسحاق، عن يزيدَ بن رُوْمان، عن عرُوة بن الزبير: أنّ علياً عليه السلام أقبل يومَ بدر نحو طُعَيْمَة بن عَدِيّ بن نَوْفَل فشَجَره بالرُمح، وقال له: «واللة، لا تخاصِمُنا في اللّه بعد اليوم أبداً»[14] .

وروي عبد الرَزاق، عن مَعْمَر، عن الزُهْريّ قال: لمّا عَرَف رسول اللّه صلّي اللّه عليه واله حضور نَوْفَل بن خُويَلد بدراً قال: اللّهم اکفِني نَوْفلاً«فلما انکشفَتْ قريش رآه عليّ بن أبي طالب عليه السلام وقد تحيّر لا يَدري ما يَصْنع، فصَمَدَ له ثمّ ضربه بالسيف فنَشِبَ في حَجَفته[15] فانتزعه منها، ثمّ ضرب به ساقَه - وکانت دِرعه مُشَمّرَة -

[صفحه 77]

فقطعها، ثمّ أجهزعليه فقتله. فلما عاد إلي النبي صلّي اللّه عليه وآله سَمِعه يقول: «مَنْ له علمً بنَوْفل؟ فقال له: أنا قتلتُه يا رسولَ اللة» فکبّر النبي صلّي اللّه عليه وآله وقال: «الحمد للّه الذي أجاب دعوتي فيه»[16] .


صفحه 74، 76، 77.








  1. تاريخ الطبري 2: 426، مصباح الأنوار:304، ارشاد القلوب: 239، وورد باختلاف يسير في مسند أحمد 1: 125، ودلائل النبوة 3: 49، ونقله العلامة المجلسي في بحار الأنوار 19: 279 / 17.
  2. في هامش «ش» و «م»: فخرج.
  3. الردع: اللطخ والأثر من الطيب. «الصحاح - ردع - 3: 1218».
  4. الخلوق: نوع من الطيب. «الصحاح - خلق - 4: 472 1».
  5. ذباب السيف: طرفه الذي يضرب به. «الصحاح - ذبب - 1: 126».
  6. الصفراء: وادٍ بين مکة والمدينة. «معجم البلدان 3: 412».
  7. في «ش»و«م»: يا عين، وما أثبتناه مِنَ البحار، وفي سيرة ابن هشام: أعينيّ جُودا.
  8. في هامش «ش» و «م»: حَرَّ. وما أثبتناه من هامشها.
  9. في «م» و «ح» وهامش «ش»: يُعَرّونه.
  10. شجب: هلک. «الصحاح - شجب - 1: 151».
  11. إعلام الوري: 86، وذيله في إرشاد القلوب: 240، ونقله العلامة المجلسي في البحار 19: 280.
  12. في «ش» و«م»: يشبهه، وما اثبتناه من «ح».
  13. مغازي الواقدي 1: 92، وشرح النهج لابن ابي الحديد 14: 144 باختلاف يسير، ونقله العلامة المجلسي في البحار 19: 280.
  14. شرح النهج الحديديَ 14: 145، ونقله العلامة المجلسي في البحار 19: 281.
  15. الحجفة: يقال للترس اذا کان من جلود ليس فيها خشب ولا عقب. «الصحاح - حجف - 4: 1341.
  16. ارشاد القلوب:240، ونقله المجلسي في البحار 19: 281، ونحوه في مغازيَ الواقدي1: 91، ودلائل النبوة 3: 94، وشرح نهج البلاغة 14: 144.