غزوة بدر و فضله في انتصار المسلمين











غزوة بدر و فضله في انتصار المسلمين



فمن ذلک ما کان منه عليه السلام في غَزاة بدر المذکورة في القرآن، وهي أوّلُ حرب کان بها الامتحانُ، وملأت رَهْبَتُها صدورَ المعدودين من المسلمين في الشجعان، وراموا التاخّرَ عنها لخوفهم منها وکَراهتهم لها، علي ما جاء به مُحکم الذِکر في التبيان، حيثُ يقول - جلّ جلاله - فيما قصّ به من نبأهم[1] علي الشرح والبيان (کَمَا اَخْرَجَکَ رَبُّکَ مِنْ بَيْتِکَ باِلحَقِّ وَاِنَّ فَريقأ مِنَ اْلمؤمِنينَ لَکَارِهُونَ *يُجَادِلُونَکَ في الحق بَعْدَ مَا تَبَينِّ کَاَنَّمَا يُسَاقوُنَ اِلَي المَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ)[2] في الآي المتصلة بذلک الي قوله تعالي: (وَلاَ تَکَوُنوا کَآلَّذينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ ألنّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبيلِ أللّه وَأللّه بمَا يَعْمَلوُنَ محيطٌ)[3] إِلي آخر

[صفحه 68]

السورة. فإنّ الخبرَعن أحوالهم فيها يتلُو بعضه بعضاً، وإن اختلفت ألفاظُه واتّفقت معانيه.

وکان من جملة خبر هذه الغزاة، أنّ المشرکين حضروا بدراً مُصرِّين علي القتال، مُستظهِرين فيه بکثرة الأموال، والعَدَد والعُدّة والرجال، والمسلمون إذ ذاک نفر قليل عددهم هناک، حضرتْه طوائفٌ منهم بغير اختيار، وشَهِدَتْه علي الکُرْه منها له والاضطرار، فتحدَّتْهم قريش بالبِراز ودَعَتْهم إلي المُصافّة والنِزال[4] ، واقترحَتْ في اللقاء منهم الأکفاء، وتطاولت الأنصارُ لمبارَزَتهم فمنعهم النبي صلّي اللّه عليه وآله من ذلک، وقال لهم: «إنّ القومَ دَعَوْا الأکفاء منهم» ثمّ أمر علياً أميرَ المؤمنين عليه السلام بالبرُوز إليهم، ودعا حمزةَ بن عبد المطّلب وعُبَيْدَة بن الحارث - رضي اللّه عنهما- أن يَبْرُزا معه.

فلمّا اصطفُّوا لهم لم يُثْبِتهم[5] القوم، لأنهم کانوا قد تَغَفروا[6] فسألوهم: من أنتم،فانْتَسَبوا لهم، فقالوا: أکْفاءٌ کِرامٌ. ونَشِبَتْ الحربُ بينهم، وبارز الوَليدُ أميرَ المؤمنين عليه السلام فلم يُلَبِّثه[7] حتّي قتله، وبارَزَ عُتْبَةُ حمزةَ - رضي اللّه عنه - فقتله حمزة، وبارز شَيبةُ عُبَيدةَ ـ رحمه الله - فاختلفت بينهما ضربتان، قَطَعت إحداهما فخِذَ عُبَيدة، فاستنقذه أميرُ المؤمنين عليه السلام بضربة بَدَر بها شَيْبَة فقتله،

[صفحه 69]

وشرَکَه في ذلک حَمْزَة- رضوان اللّه عليه - فکان قتل هؤلاء الثلاثة أوّل وَهْن لَحِق المشرکين، وذُلٍّ دَخَل عليهم، ورَهْبةٍ اعتراهم بها الرعْب من المسلمين، وظَهَر بذلک أماراتُ نصر المسلمين.

ثمّ بارز أميرُ المؤمنين عليه السلام العاصَ بن سعيد بن العاص، بعد أن أحجم عنه من سواه فلم يُلَبّثه أن قتله. وبَرَز إليه حَنْظَلةُ ابنُ أبي سفيان فقتله، وبَرَز بعده طُعيْمَةَ بن عَدِيّ فقتله، وقتل بعده نَوْفَلَ بنَ خُوَيْلِد - وکان من شياطين قريش - ولم يزل عليه السلام يقتل واحداً منهم بعد واحد، حتي أتي علي شَطْر المقتولين منهم، وکانوا سبعين قتيلاً[8] تولّي کافّة من حَضَرَ بدراً من المؤمنين مع ثلاثة آلافٍ من الملائکة المسوّمين قتلَ الشَطْر منهم،وتولّي أميرالمؤمنين قتلَ الشَطْر الآخر وحده، بمعونة اللة له وتوفيقه وتاييده ونصره، وکان الفتحُ له بذلک وعلي يديه، وختم الأمر بمناوَلة النبي صلّي اللّه عليه وآله کفّاً من الحَصي[9] ، فرمي بها في وجوههم وقال: «شاهَت الوجوه» فلم يبقَ أحدٌ منهم إلاّ ولّي الدُبر لذلک منهزمأ، وکفي الله المؤمنين القتال بامير المؤمنين عليه السلام وشُرَکائه في نُصرْة الدين من خاصّة (آل الرسول)[10] - عليه وآله السلام - ومن أيّدهم به من الملائکة الکرام عليهم التحية والسلام کما قال اللّه عزّ وجلّ:(وکفي اللّه المؤْمِنينَ الْقِتَالَ وکَانَ أللّه قَوِيّاً عَزيزاً)[11] .

[صفحه 70]


صفحه 68، 69، 70.








  1. في «م» و «ح» وهامش «ش»: نياتهم.
  2. الأنفال 8:5 - 6.
  3. الأنفال 8: 47.
  4. في «م»: والقتال.
  5. في «ح»: يتبينهم.
  6. تغفّروا: أي لبسوا المغافر، والمِغفر: زَرَد ينسج من الدرع علي قدر الرأس، يلبس تحت القلنسوة: «الصحاح -غفر- 2: 771».
  7. في «ش» و«م»: يُلبثه.
  8. في هامش «ش» و«م»: رجلاً.
  9. في هامش «ش» و«م»: الحصباء.
  10. في هامش «ش» و«م»: الرسول.
  11. الأحزا ب 33: 25.