ارسال رسول الله له إلي بني جذيمة











ارسال رسول الله له إلي بني جذيمة



ومن ذلک أنّ اللّه تعالي خصّه بتلافي فارِطِ من خالَفَ نبيَّه صلّي اللّه

[صفحه 55]

عليه وآله في أوامره، وإصلاحِ ما أفسدوه، حتّي انتظمت به أسبابُ الصَلاح، واتَّسق بيُمْنه وسعادةِ جَدّهِ وحُسْنِ تدبيره والتوفيقِ اللازم له أمورُ المسلمين، وقام به عمودُ الدين.

ألا تري أنّ النبي صلّي اللّه عليه وآله أنفذ خالد بن الوَليد إلي بني جُذيمَة داعياً لهم إلي الإسلام، ولم ينفْذه مُحارِباً، فخالف أمرَه صلّي الله عليه واله ونَبَذَ عَهْدَه، وعاند دينَه، فقتل القومَ وهم علي الإسلام، وأخْفَرَ ذمّتهم وهم أهلُ الإيمان، وعَمِلَ في ذلک علي حَمِيّة الجاهليّة وطريقةِ أهل الکفر والعدوان، فشانَ فعالُه الإسلامَ، ونَفَّرَ به عن نبيّه عليه وآله السلام من کان يدعوه إلي الإيمان، وکاد أن يَبْطلَ بفعله نظام التدبير في الدين.

ففَزِعَ رسولُ اللّه صلّي الله عليه وآله في تلافي فارطه، وإصلاحِ ما أفسده، ودفعِ المَعَرّة عن شَرْعِه بذلک إلي أميرالمؤمنين عليه السلام فانفذه لعَطْف القوم وسَلِّ سخائمهم والرِفْق بهم، في تثبيتهم علي الإيمان، وأمَرَه أن يَدِيَ القتلي، ويرضي بذلک أولياءَ دمائهم الأحياءَ.

فبَلَغ أميرُ المؤمنين عليه السلام من ذلک مبلغَ الرضا، وزاد علي الواجب بما تبرّع به عليهم من عَطِيّة ما کان بقي في يده من الأموال، وقال لهم: «قد اَدّيتُ[1] ديات القَتْلي، وأعطيتُکم بعدَ ذلک من المال ما تعودون به علي مُخَلّفيهم[2] ليرضي اللّه عن رسوله صلّي اللّه عليه واله وترضَوْن بفضله عليکم» وأظهر رسولُ الله صلّي اللّه عليه وآله بالمدينة ما

[صفحه 56]

اتّصل بهم من البراءة من صَنيع خالِد بهم، فاجتمع براءة رسول اللّه صلّي اللّه عليه واله ممّا جناه خالِد، واستعطاف أميرالمؤمنين عليه السلام القومَ بما صَنَعَه بهم، فتَمّ بذلک الصلاحُ، وانقطعت به موادّ الفَساد، ولم يتولَّ ذلک أحدٌ غيرُ أميرالمؤمنين عليه السلام ولا قام به من الجماعة سواه، ولا رَضيِ رسولُ الله صلّي اللّه عليه واله لتکليفه أحداً ممنّ عداه.

‎ وهذه منقبة يزيد شرفها علي کلّ فضل يُدَّعي لغير أميرالمؤمنين عليه السلام ـ حقّاً کان ذلک أم باطلاً - وهي خاصة لأميرالمؤمنين عليه السلام لم يَشْرکه فيها أحدٌ منهم، ولا حَصَلَ لغيره عِدْلٌ لها من الأعمال[3] .


صفحه 55، 56.








  1. في«م» وهامش «ش»: وديت.
  2. في «ش»: مُخلّفيکم.
  3. انظر تاريخ اليعقوبي 2: 61، مغازي الواقدي 3: 875، الطبقات الکبري 2: 147، دلائل النبوة 5:113 - 118، سيرة ابن هشام 4: 70 - 73، فتح الباري 8: 6 4، تاريخ الطبري 5: 66 - 67، الکامل في التاريخ 2: 255 - 256.