استخلاف رسول الله له في رد ودائعه











استخلاف رسول الله له في رد ودائعه



ومن ذلک أنّ النبي کان أمينَ قريش علي وَدائعهم، فلمّا فجأه من الکفّار ما أحْوَجَه الي الهَرب من مکّة بغتةً، لم يَجِد في قومه وأهله مَنْ يأتَمِنهُ علي ما کان مؤتمناً عليه سوي أميرالمؤمنين عليه السلام فاستخلفه في ردّ الودائع إلي أربابها، وقضاءِ ما عليه من دَيْن لمستحقّيه، وجَمْع بَناته ونساء أهله وأزواجه والهِجرة بهم إليه، ولم يَرَ أنّ أحداً يَقوم مقامه في ذلک من کافّة النَاس، فوَثق بامانته، وعَوّلَ علي نجْدته وشَجاعته، واعتمد في الدفاع عن أهله وحامَّته علي بأْسه وقدرته، واطمأن إلي ثقته علي أهله وحُرَمه، وعَرَفَ من ورعه وعصمته

[صفحه 54]

ما تَسْکُن النفسُ معه إلي ائتمانه[1] علي ذلک.

فقام عليه السلام به أحسنَ القيام، وردّ کلَّ وديعة إلي أهلها، وأعطي کلَّ ذي حقّ حقّه، وحَفظَ بناتِ نبيّه عليه السلام واله وحُرمه، وهاجر بهم ماشياً علي قَدَمِه[2] ، يَحوُطُهم من الأعداء،،يکْلَؤُهم[3] من الخُصَماء، ويَرفق بهم في المسير حتي أوردهم عليه المدينة، علي أتمّ صيانة وحَراسة ورِفْق ورَأفة وحسن تدبير، فأنزله النبي صلّي الله عليه وآله عند وروده المدينةَ دارَه، وأحلّه قرارَه، وخَلَطَه بحرُمَه وأولاده، ولم يُميّزه من خاصّة نفسه، ولا احتشمه في باطن أمره وسرّه.

وهذه منقبة تَوَحّد بها عليه السلام من کافّة أهل بيته وأصحابه، ولم يَشْرکه فيها أحدٌ من أتباعه وأشياعه، ولم يحصُل لغيره من الخلق فضلٌ سواها يُعادلها عند السَبْر، ولا يُقاربها علي الأمتحان، وهذه[4] مُضافَةٌ إلي ما قدّمناه من مناقبه، الباهرِ فضْلُها القاهرِ شرفُها قلوبَ العقلاء[5] .


صفحه 54.








  1. في هامش «ش» و«م»: امانته.
  2. في هامش «ش» و«م»: قدميه.
  3. في هامش «ش» و«م»: نسخة اُخري: ويکنفهم.
  4. في «م» وهامش «ش» نسخة اُخري: وهي.
  5. انظر- علي سبيل المثال لا الحصر- في قضية رد ودائع النبي صلّي اللّه عليه وآله الياصحابها وقضاء ما کان عليه من دين: طبقات ابن سعد 3: 22، تاريخ مدينة دمشق 1: 154 - 155، اُسد الغابة 4: 19.