مبيته في فراش رسول الله











مبيته في فراش رسول الله



ومن ذلک أن النبيّ عليه السلام لما أًمِرَ بالهجرة - عند اجتماع الملأ من قريش علي قتله، فلم يتمکن عليه السلام من مُظاهَرَتهم - بالخروج من[1] مکّة، وأراد الأستسرارَ بذلک وتعميةَ خبره عنهم، لِيَتِمَّ له الخروجُ علي السلامة منهم، ألقي خبرَه إلي أميرالمؤمنين عليه السلام واستکتمه إيّاه، وکَلَّفه الدفاعَ عنه بالمبيت علي فراشه من حيث لا يعلمون أنّه هو البائت علي الفِراش، وبَظُنّون أنّه النبيّ صلّيالله عليه وآله بائتاً[2] علي حاله التي کان يکون عليها فيما سلف من الليالي.

[صفحه 52]

فوَهَب أميرُ المؤمنين عليه السلام نفسَه للّه وشراها من الله في طاعته، وبَذَلها دونَ نبيّه عليه وآله السلام ليَنْجُوَ به من کيد الأعداء، وتَتِمً له بذلک السلامةُ والبقاءُ، وينتظم له به الغرضُ في الدعاء إلي الملّة وإقامة الدين واظهار الشريعة. فبات عليه السلام علي فِراش رسول اللّه صلّي اللّه عليه واله مستتراً[3] بازاره، وجاءه القومُ الذين تمالَؤُوا[4] علي قتله فأحْدَقُوا به وعليهم السِلاح، يرصدُون طلوعَ الفجر لِيَقْتُلوه ظاهراً، فيذهَبَ دمُه فِرغاً[5] بمشاهدة بني هاشم قاتليه من جميع القبائل، ولا يَتِمّ لهم الأخذُ بثاره منهم، لا شتراک الجماعة في دمه، وقعودِ کل قبيل عن قتال رَهْطه ومباينة أهله.

فکان ذلک سببَ نجاة رسول الله صلّي اللّه عليه واله وحفظِ دمه، وبقائهِ حتي صدع بأمر ربه، ولولا أميرُ المؤمنين عليه السلام وما فعلّه من ذلک، لما تَمَّ لنبيّ اللّه صلّي اللّه عليه واله التبليغُ والأداء، ولا استدام له العمرُ والبقاء، ولظَفَرَ به الحَسَدةُ والأعداء.

فلمّا أصبح القومُ وأرادوا الفَتْکَ به عليه السلام ثار إليهم، فتفرّقوا عنه حين عَرَفوه، وانصرفواعنه وقد ضلّت حِيَلهم[6] في النبي صلي اللّه عليه وآله،وانتقض ما بَنَوه من التدبيرفي قتله، وخابت ظُنونهم، وبَطَلتْ آمالهم، فکان بذلک انتظامُ الإيمان، وإرغامُ الشيطان، وخِذلانُ أهل الکفر والعُدوان.

[صفحه 53]

ولم يَشْرک أميرَ المؤمنين عليه السلام في هذه المنقبة أحدٌ من أهل الإسلام، ولا اختصَّ بنظير لها علي حال، ولا مقاربِ لها في الفَضْل بصحيح الأعتبار.

وفي أميرالمؤمنين عليه السلام ومبيته علي الفِراش، أنزل اللّه تعالي (وَمِنَ ألنّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللّه وَاللّه رَؤوفٌ بِالْعِبَادِ)[7] و[8] .


صفحه 52، 53.








  1. في «م» و«ش»:عن.
  2. في هامش «م»: نائماً.
  3. في «م» وهامش «ش»: متستراً.
  4. تمالؤوا: اجتمعوا. «الصحاح - ملأ - 1: 73».
  5. ذهب دمه فرغاًَ أي هدراً «الصحاح - فرغ - 4: 1324».
  6. في هامش «ش» و «م»: حيلتهم.
  7. البقرة 207:2.
  8. ورد حديث المبيت في تاريخ مدينة دمشق - ترجمة أميرالمؤمنين عليه السلام - 1: 153- 155، تاريخ بغداد 13: 191، أُسد الغابة 4: 19، تاريخ اليعقوبي 2: 39، المستدرک علي الصحيحين 3: 4، مسند أحمد 1: 348، التفسير الکبير للفخر الرازي 15: 155، ذخائر العقبي: 87.