حديثه مع ميثم التمار و ما جري عليه بعد ذلك











حديثه مع ميثم التمار و ما جري عليه بعد ذلک



ومن ذلکَ ما رَوَوْه: أنّ مِيْثَمَ[1] التّمّارَ کانَ عبداً لامرأةٍ من بني أسَدٍ، فاشتراه أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ منها وأعتقَه وقالَ له: «ما اسمکَ؟» قالَ: سالِم، قال: «أخبرَني رسولُ اللّهِ صلّي اللّهُ عليهِ وآلهِ أنّ اسمَکَ الّذي سمّاکَ به أبَوَاکَ في العَجمِ مِيْثَم» قالَ: صدَقَ اللّه ورسوله وصَدَقْتَ يا أميرَ المؤمنينَ، واللّهِ إِنّه لاسمي، قالَ: «فارجِعْ إِلي اسمِکَ الّذي سمّاکَ به رسولَ اللهِ صلّي اللّهُ عليهِ وآلهِ ودَعْ سالِماً» فرجعَ إِلي مِيْثَم واکتني بأبي سالِم.

فقالَ له عليّ عليهِ السّلامُ ذاتَ يومِ: «إِنّکَ تُؤخَذُ بعدي فتُصْلَب وتُطْعَن بحَرْبةٍ، فإِذا کانَ اليومُ الثالثَُ ابتدرَ مَنْخِراکَ وفَمُکَ دماً فيَخْضبُ لحيتَکَ، فانتظرْ ذلکَ الخِضابَ، وتُصْلَبُ علي باب دارِ عَمْرِو ابن حُرَيْثٍ عاشر عَشرةٍ أنتَ أقصرُهم خَشَبَةً وأقربهم مِنَ الَمَطْهَرة[2] ، وامضِ حتّي أُرِيَکَ النّخلةَ التّي تُصْلَبُ علي جِذْعِها» فأراه إِيّاها.

فکان مِيْثَم يأتيها فيصلِّي عندَها ويقولُ: بورکتِ من نخلةٍ، لکِ

[صفحه 324]

خُلِقْتُ ولي غُذَيْتِ. ولم يَزَلْ يَتعاهَدُها حتّي قُطِعَتْ وحتّي عرفَ المَوضع الّذي يُصْلَبُ عليها[3] بالکُوفةِ. قالَ: وکانَ يَلقي عَمْرَو بنَ حُرَيْثٍ فيقول له: إِنِّي مُجاوِرُکَ فأحْسِنْ جِواري، فيقولُ له عَمْرٌ و: أتُريدُ أن تَشتريَ دارَ ابنِ مَسْعود أو دارَ ابنِ حکيم؟ وهو لا يَعلمُ ما يُريدُ.

وحَجّ في السّنةِ التّي قُتِلَ فيها فدخلَ علي أُمَ سَلَمَةَ رضيَ الله عنها فقالتْ: مَنْ أنتَ؟ قال: أنا مِيْثَم، قالتْ: واللّهِ لَربما سمعتُ رسولَ اللهِ صلّي اللّهُ عليهِ وآلهِ يُوْصِي بِکَ علياً في جَوْفِ الليل. فسألَها عنِ الحُسينِ، قالتْ: هو في حائطٍ له، قالَ: أخبِرِيهِ أنِّي قد أَحبَبْتُ السّلامَ عليه، ونحنُ مُلتَقُونَ عندَ ربِّ العالَمِينَ إِنْ شاءَ الله. فدَعَتْ له بطيبٍ فطيّبتْ لحيتَه، وقالتْ له: أمَا إِنها ستُخْضَبُ بدم.

فقَدِمَ الکوفةَ فأخذَه عبيْدُاللّه بن زياد فاُدخلَ عليه فقيلَ: هذا کانَ من آثَر النّاس عندَ عليّ، قالَ: ويَحْکم، هذا الأعجميّ؟ قيلَ له: نعم، قالَ له عُبَيْدُاللّهِ: أَينَ ربُّکَ؟ قالَ: بالمِرصادِ لِکلِّ ظالم وأنتَ أحدُ الظَّلَمةِ، قالَ: إِنکَ علي عُجمتِکَ لَتَبْلُغُ الّذي تُريدُ، ما أخبرکَ صاحبُک أنِّي فاعلٌ بکَ؟ قالَ: أخبرَني أنّکَ تَصلِبُني عاشِرَ عَشرة، أنا أقصرُهم خَشَبَة وأقربُهم مِنَ المَطْهَرَةِ، قالَ: لَنُخالِفَنَّه، قالَ: کيفَ تُخالِفُه؟ فواللّهِ ما أخبرَني إلاّ عنِ النبي صلّي اللهُ عليهِ وآلهِ عن جَبْرئيْلَ عنِ اللّهِ تعالي، فکيفَ تُخالِفُ هؤلاءِ!؟ولقدعَرفتُ الموضعَ الّذي أُصلَبُ عليه أينَ هو مِنَ الکُوفةِ، وأنا أوّلُ خَلْقِ الله أُلْجَمُ[4] في الإسلام، فحبسَه وحبسَ معَه المُختارَ بنَ أبي عُبَيْدٍ، فقالَ مِيْثَم التّمّارُ للمُختارِ: إِنّکَ تُفْلِتُ وتَخْرُجُ ثائراً بدم الحُسين فتَقتُلُ هذا الّذي يَقتُلُنا. فلآ دعا عُبَيْدُالله

[صفحه 325]

بالمُختارليقتلَه طلعَ بَريْد بکتاب يَزيْدَ إِلي عُبَيْدِاللهِ يأْمرُه بتَخليةِ سبيلهِ فخلاه، وأمرَ بمِيْثَم أَنْ يُصلَبَ، فاُخرِجَ فقَالَ له رجلٌ لَقِيَه: ما کانَ أغناک عن هذا يا مِيْثَمُ! فتبسّمَ وقالَ وهو يومئ إِلي النّخلة: لها خُلِقْتُ ولي غُذِّيَتْ، فلمّا رُفعَ علي الخَشَبةِ اجتمعَ النّاسُ حولَه علي باب عَمْرِو بنِ حُرَيْثٍ. قالَ عَمْرٌ و: قد کان واللهِ يقولُ: إِنِّي مُجاوِرُکَ. فلما صلِبَ أمرََ جاريتَه بکَنْس تحت خَشَبتهِ ورشِّه وتجميرِه، فجعلَ مِيْثَم يُحدِّثُ بفضائلِ بني هاشِمٍ، فقيلَ لابنِ زِيادٍ: قد فَضَحَکم هذا العَبْدُ، فقالَ: ألجِموه، فکانَ أوّلَ خلقِ اللهِ أُلجِمَ في الإسلام. وکانَ مَقْتَلُ مِيْثَم رحمةُ اللهِ عليه قبلَ قُدوم الحسينِ بنِ عليٍّ عليهِ السّلامُ الَعِراقَ بعشرةِ أيّامِ، فلمّا کانَ يومُ الثّالث من صًلبه، طُعِنَ مِيْثَم بالحَرْبةِ فکبّرَثمّ انبعثَ في آخرِ النّهَارِ ُفمه وأنفُه دماً[5] .

وهذا من جملةِ الاخبار عنِ الغُيوب المحفوظةِ عن أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ، وذِکْرُه شائعٌ والرِّوايةَ به بينَ العلماَءِ مستفيضة.


صفحه 324، 325.








  1. في «م»: ميثماً.
  2. المطهرة: اناء يتطهر به وتزال به الأقذار «مجمع البحرين- طهر- 3: 382».
  3. کذا في النسخ.
  4. في «م» وها مش «ش»: أُ لجِمَ.
  5. رجال الکشي 1: 293 / 136، الاختصاص:75، شرح النهج لابن أبي الحديد 2: 291، وابن حجر في الاصابة 3: 504، ونقله العلامة المجلسي في البحار 42: 124 /7.