ما رواه جندب الازدي عنه في النهروان











ما رواه جندب الازدي عنه في النهروان



وروي أصحابُ السيرة عن جُندب بنِ عبدِاللهِ الأزْدِيِّ قالَ: شَهِدتُ معَ عليٍّ عليهِ السّلامُ الجَمَلَ وصِفَيْنَ لاَ أشُکُّ في قتالِ من قاتَله، حتي نزلْنا النهروَانَ فدخلني شکّ وقلتُ: قُراؤنا وخِيارُنا نقتلهُم!؟ إِنّ هذا لأمرٌ عظيمٌ. فخرجت غُدْوَةً أمشي ومعي إداوةُ ماءٍ حتّي برزتُ عنُِ[1] .

[صفحه 318]

الصًّفوفِ، فرَکَزتُ رُمحي ووضعتُ تُرسي إليه واستترت منَ الشّمس، فإِنّي لَجالسٌ حتّي وردَ علي أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ فقالَ لي: «يا أخا الأزدُ[2] ، أمعَکَ طَهورٌ؟» قلت: نعم، فناولتُه الإداوةَ، فمض حتّي لم أرَهُ ثمّ أَقبلَ وقد تَطَهَّرَ فَجَلَسَ في ظِلِّ التُرْسِ، فإِذا فارسٌ يَسألُ عنه، فقلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ هذا فارسٌ يُريدُکَ، قالَ: «فأشِرْ إِليه» فأشرتُ إِليه فجاءَ فقالَ: يا أميرَالمؤمنينَ قد عبرَالقومً وقد قطعوا النّهرَ، فقالَ: «کلا ما عبروا» قالَ: بلي واللّهِ لقد فعلوا، قالَ: «کلا ما فعلوا» قالَ: فإِنّه لکذلکَ إذ جاءَ آخرُ فقالَ: يا أميرَ المؤمنينَ قد عبرَ القومُ، قالَ: «کلا ما عبروا» قالَ: ِوالله ما جئتًکَ حتّي رأيت الرّاياتِ في ذلکَ الجانبِ والأثقالَ، قال: «واللّهِ ما فعلوا، وِإنّه لَمصرعُهم ومُهراقُ دمائهم» ثمّ نهضَ ونهضتُ معه.

فقلتُ في نفسي: الحمدُ للهِّ الّذي بصّرني هذا الرّجلَ، وعرّفني أمرَه، هذا أحدُ رجلينِ: إِمّا رجلٌ کذّابٌ جريء أوعلي بيِّنةٍ من ربِّه وعهدٍ من نبيِّه، اللّهمّ إِنّي أُعطيک عهداً تسألني عنه يومَ القيامِة، إن أنا وجدتُ القومَ قد عبروا أنْ أکونَ أوّلَ من يقاتلُه وأوّلَ من يَطعنُ بالرُّمحِ في عينهِ، وِانْ کانوا لم يَعبروا (أنْ أُقيمَ )ُ[3] علي المناجزةِ والقتالِ. فدُفِعْنا إِلي الصُّفوفِ فوَجَدْنا الرّاياتِ والأثقالَ کما هي، قالَ: فأخذَ بقَفايَ ودَفعَني ثمّ قالَ: «يا أخا الأزْدُ[4] ، أتبينِّ لکً الأمرُ؟» قلتُ: أجلْ يا أميرَالمؤمنينَ، قالَ: «فشأْنکَ

[صفحه 319]

بعدوِّکَ» فقتلتُ رجلاً، ثم قتلتُ اخرَ، ثمّ اختلفتُ أنا ورجلٌ آخر أضربُه ويَضرِبُني فوَقعْنا جميعاً، فاحتملني أصحابي فأفقتُ حينَ أفقتُ وقد فَرغَ القومُُ[5] .

وهذا حديثٌ مشهورٌ شائعٌ بينَ نَقَلةِ الآثارِ، وقد أخبرَ به الرّجلُ عن نفسِه في عهدِ أميرِ المؤمنين عليهِ السّلامُ وبعدَه، فلم يَدفعْه عنه دافع ولا أنکرَ صدقَه فيه مُنکِر، وفيه إِخبارٌ بالغيب، وِابانةٌ عن علمِ الضّميرِ ومعرفة ما في النَفوسِ، والايةُ باهرةٌ فيه لا يُعادِلهُا إِلاّ ما ساواها في معناها من عظيمِ المعجزِوجليلِ البرهانِ.


صفحه 318، 319.








  1. في «م» وهامش «ش»: من.
  2. في «م» وهامش «ش»: أزد.
  3. في هامش «ش» و «م» نسخة ثانية: ان اُتِم، وفي متن «ش» هکذا: اَثِم، واثبتنا ما في نسخة «م» ونسخة من هامش «ش».
  4. في هامش «ش» نسخة اخري: اخا أزد.
  5. الکافي 1: 280 / 2 نحوه، وکذا کنز العمال 11: 289 عن الطبراني في الوسيط، وابن ابي الحديد في شرح النهج 2: 1 27، ونقله العلامة المجلسي في البحار 41: 284 / 3.