عكوف اعدائه علي محاربة ولده و ذريته بغضا له











عکوف اعدائه علي محاربة ولده و ذريته بغضا له



ومن آياتِ اللّهِ تعالي فيهِ عليهِ السّلامُ أنّه لم يمْنَ أحدٌ في ولدِه وذًريَّتهِ بما منيَ عليهِ السّلامُ في ذريَّتِه، وذلکَ أنّه لم يُعْرَفْ خوفٌ شَمِلَ جماعةً من ولدِ نبيٍّ ولا إِمامٍ ولا مَلِکِ زمانٍ ولا بَرٍّ ولا فاجرٍ، کالخوفِ الّذي شَمِلَ ذرِّيَّةَ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلام، ولا لحقَ أحداً منَ القتلِ والطّردٍ عن الدِّيارِ والأوطانِ والإخافةِ والإرهاب ما لحقَ ذُرِّيَّةَ أميرِ المؤمنين عليهِ السّلامُ وولدَه، ولم يَجْرِ علي طائفةٍ منَ الَنّاسِ من ضروبِ

[صفحه 312]

النّکالِ ما جري عليهم من ذلکَ، فقُتِلوا بالفَتْکِ والغِيْلةِ والاحتيالِ، وبُنيَ علي کثيرٍ منهم-وهم أحياءٌ- البُنيانُ، وعُذِّبوا بالجوعِ والعطشِ حتَّي ذهبتْ أنفسُهم علي الهلاکِ، وأحوجَهم ذلکَ إِلي التّمزُّقِ في البلادِ، ومُفارقةِ الدِّيارِ والأهلِ والأوطانِ، وکتمانِ نَسَبهم عن أکثرِ النّاسِ. وبلغَ بهم الخوفُ إِلي الاستخفاء من أحبّائهم فضلاً عنِ الأعداءِ، وبلغَ هربُهم من أوطانِهم إِلي أقصي الشّرق والغربِ والمواضعِ النّائيةِ عنِ العُمْرانِ، وزَهِدَ في معرفتِهم أکثرُ النَّاسِ، ورَغِبوا عن تقريبِهم والاختلاطِ بهم، مخافةً علي أنفسِهم وذراريِّهم من جبابرةِ الزّمانِ.

وهذهِ کلها أسبابٌ تقتضي انقطاعَ نظامِهم، واجتثاثَ أُصولهِم، وقلّةَ عددِهم. وهم معَ ماوصفناه أکثرُ ذرِّيَّةِ أحدٍ منَ الأنبياءِ والصّالحينَ والأولياءِ، بل أکثرُ من ذراريِّ کلِّ أحدٍ منَ النّاسِ، قد طبقوا بکثرتِهم البلادَ، وغَلَبوا في الکثرةِ علي ذراريِّ أکثرِ العِبادِ، هذا معَ اختصاصِ مَناکحِهم في أنفسِهم دونَ البُعَداءِ، وحصرِها في ذوي أنسابهم دِنْيةً منَ الأقرباءِ، وفي ذلکَ خرقُ العادةِ علي ما بيّنّاه، وهو دليلُ الآَيةِ الباهرةِ في أميرالمؤمنينَ علي بن أبي طالب عليهِ السّلامُ کما وصفناه وبيّنّاه، وهذا ما لا شُبْهَةَ فيه، والحمدُ لله.


صفحه 312.